الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

رأي أميركا في الحمار

حسين عبدالحسين

بعد طرده اكثر من عشرين من كبار العاملين في ادارته، بعد اشهر قليلة على تعيينهم، كان في طليعتهم وزيره للصحة، ومستشاره للأمن القومي، ورئيس موظفي البيت الابيض، ومستشاره للشؤون الاستراتيجية، وبعدما تهكم على وزيره للعدل على مدى اسابيع، تلى ذلك تهكمه على زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ثم على رئيس لجنة الشؤون الخارجية، ادلى الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتصريح اعتبر فيه انه اذكى من وزير خارجيته ريكس تيلرسون.

ويسود التوتر بين ترامب وتيلرسون بعدما تناقلت تقارير اخبارية ان وزير الخارجية وصف الرئيس بالمغفل. وفيما رفضت اوساط تيلرسون التعليق على التقارير، وفيما نفى البيت الابيض صحتها بشدة، أطل ترامب ليقول ان تيلرسون لم يقل ذلك، ”لكن لنفرض انه قال ذلك، فأنا ادعوه الى مباراة في منسوب الذكاء، وانا اكيد اني سأتفوق عليه“.

كان يمكن لترامب ان يكتفي بتكرار نفي ادارته لتصريح تيلرسون، الذي وصف الرئيس بالمغفل، لكن ترامب اراد الرد ضمنيا على وزير خارجيته، فاعاد فتح الموضوع على شكل فرضية، تحدى من بعدها وزيره، ربما لرد الاعتبار لذاته المهزوزة دائما، وأكد بذلك التقارير الاعلامية التي اشارت الى ان الرئيس الاميركي استشاط غضبا لدى سماعه اقوال الوزير بحقه.

وبفعلته هذه، يكون ترامب اثبت انه مغفل، على غرار حيوان الأسد في كليلة ودمنة، الذي أقنعه الأرنب ان أسداً أقوى منه يعيش في البحيرة، فلما نظر الأسد الى انعكاس صورته، قفز للانقضاض على خياله والقضاء عليه، فغرق.

هكذا حال ترامب، استدرجه الاعلام ليؤكد انه مغفل، وان تيلرسون قال ما قاله، وان رأي تيلرسون يعكس رأيا سائدا داخل ادارة ترامب نفسه، اذ ان تصريح وزير الخارجية جاء اثناء مشاركته في اجتماع في وزارة الدفاع البنتاغون بحضور وزير الدفاع جيمس ماتيس وآخرين.

المغفل الذي يقود الولايات المتحدة، حسب تسمية تيلرسون، هو نفسه الذي يتوقعه العالم ان يدير أكثر أزماته تعقيدا، من مشكلة كوريا الشمالية النووية، الى مشكلة ايران النووية والتوسعية في منطقة الشرق الاوسط، ثم الحرب السورية، فصعود روسيا، التي طوّب قيصرها فلاديمير بوتين نفسه زعيما للشرق الأوسط بعد استقباله ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز.


والمغفل الذي يقود الولايات المتحدة، هو الذي يحرس السلام العالمي ونظامه، ومبادئ حقوق الانسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

والمغفل الذي يقود الولايات المتحدة هو الذي يقدم النموذج العالمي للمواطنة والاخلاق، وهو الحكم في صراع الفلسطينيين مع اسرائيل، وفي أزمة الخليج، وفي أزمة كردستان العراق.

يعجب العالم كيف يمكن لدولة كبرى ومتفوقة اقتصاديا وعسكريا على سائر دول العالم، مثل الولايات المتحدة، ان تختار مغفلا، مجددا حسب تسمية وزير خارجيته، ليقودها.

بدورهم، يعجب الاميركيون لماذا خسروا بريقهم العالمي، وتراجعت سطوتهم، وتقلص نفوذهم، والأهم، تراجع الاعجاب الذي كانت غالبية البشر تكنه لهم ولدولتهم.

ربما يمكننا الاجابة عن تساؤل غالبية الاميركيين حول رأي العالم بهم بالاستعارة من امير شعراء العرب المصري الراحل احمد شوقي، الذي روى في قصيدته عن ”الليث ملك القفار“، انه عين حمارا ليخلف الوزير في ادارة شؤون البراري، ثم تعجب الأسد كيف انه لم يمر شهر الا وملكه في دمار: ”القرد عن اليمين، والكلب عند اليسار، والقط بين يديه يلهو بعظمة فار“، فجاءه القرد سرا وقال له: ”يا عالي الجاه فينا كن عالي الانظار، رأي الرعية فيكم من رأيكم في الحمار“.

وكما تدهور حكم ملك القفار وسادت شريعة الغاب، كذلك تضعضع النظام العالمي والاميركيون ينظرون من حولهم متسائلين عن الاجيال الاميركية السابقة التي كانت كانت مثلهم عديمة الوقار، والاجابة لغالبية الاميركيين هي نفسها من قصة البراري: رأي العالم فيكم من رأيكم في الحمار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق