الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

حكم عسكري في أميركا

حسين عبدالحسين

في جامعة يال المرموقة، تباحث نفر من كبار الباحثين في علوم الحكومات والديموقراطية، وقرعوا ناقوس الخطر حول ما يتهدد الديموقراطية الاميركية، التي تبدو في عهد الرئيس الأمي دونالد ترامب، مهزوزة، ومتعبة، ومريضة.

ولفت الباحثون الى عدد من الممارسات التي قام بها المشرعون من الحزبين، والتي قوضت اسس الديموقراطية الاميركية، مثل قيام الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، قبل سنوات، بنسف مبدأ التعطيل الذي كان يسمح للأقلية بعرقلة التعيينات الرئاسية، ثم قيام الغالبية الجمهورية في مجلس النواب بدفع البلاد الى حافة التخلف عن سداد ديونها، لولا تسوية حصلت آخر لحظة، تلى ذلك قيام الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ بتعطيل المصادقة على اختيار الرئيس السابق باراك أوباما لقاض في المحكمة العليا من دون مبرر.

وشكل وصول ترامب الى الرئاسة قمة التقويض للديموقراطية، فالرئيس الحالي لا يحترم اياً من القوانين، وهو لم يتخل عن ادارة امبراطوريته التجارية، وهو ما يشكل تضارب مصالح اثناء عمله رئيسا. كذلك عين ترامب كل افراد عائلته في اعلى المناصب الحكومية، مخترقا بذلك قوانين المحاباة، وهو يصدر تصريحات دورية ضد الاعلام، ويطالب بسحب تراخيص الاعلام الذي يعارضه.

في ظل انتشار الفساد، وتفشي الحزبية على حساب احترام المؤسسات والتمسك بالاعراف الديموقراطية، زاد عدد من يؤيدون قيام حكومة عسكرية في الولايات المتحدة من واحد من كل 16 اميركيا في العام 1995 الى واحد بين ستة في العام 2014، فيما اعتبر واحد من كل خمسة من الاميركيين، في استفتاء هذا العام، ان قيام حكومة عسكرية هو فكرة جيدة.

وتطور الرأي العام الاميركي، الذي يفترض انه اكثر وعيا من نظيره في دولة مثل مصر، من معارض بالكامل لحكم العسكر الى معارض بدرجات اقل، يشي بأن قيام بعض المصريين بالصاق الجزمة العسكرية على رؤوس اولادهم حبا لزمرة العسكر الحاكمة، كما قيام اللبنانيين بانتخاب ثلاثة قادة للجيش منذ العام 1998وحتى اليوم، هو جزء من تحول في الرأي العام العالمي من متمسك بحكم المدنيين، الى مؤمن بحكم الجنرالات والاستقرار الذي يفرضونه، حتى لو كان الاستقرار المزعوم مترافقا مع فساد على نطاق غير مسبوق ومع قمع مقيت للحريات الشخصية والعامة.

وتشير الدراسات الاميركية الى ان الابتعاد عن الديموقراطية والحوار مع الآخر ادى الى ارتفاع في نسبة معارضي الزواج من الحزب الآخر من خمسة في المئة في الستينات، الى 50 في المئة اليوم. هكذا، تحولت احياء، بل بلدات ومدن أميركية بأكملها، الى معاقل لهذا الحزب او ذاك، فاكتسحت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون كل المدن، وحصد ترامب كل الارياف، مع ما يعني فوز ترامب من سيطرة العقل الريفي على المديني، وهو ما يبدو جليا في نوعية الوعود التي يطلقها ترامب لمناصريه، والتي تدعو للفصل، وتنبذ التنوع السائد في المدن.

ظواهر الفصل العنصري والعقائدي، وتحول المناطق الى غالبيات ساحقة ذات لون واحد منغلق على بعضه، وتحول المعارك بين المجموعات الى معارك مصيرية لا تسويات فيها، هي ظواهر تعم العالم، بديموقراطياته وديكتاتوريته. في الديموقراطيات، تتأرجح الحكومات وتفقد توازنها، وفي الديكتاتوريات، مثل روسيا ومصر وغيرها، يستبد الحاكم ويلغي التنوع، ويسكت الانتقاد، ويمعن في الثراء على حساب المال العام وشقاء الغالبية.

تخبرني صديقة هندية تعمل في ”البنك الدولي“ ان حكومة بلادها أقرّت سلسلة من ”المراسيم التشريعية“ التي حظرت بموجبها بيع وتناول اللحم الاحمر على انواعه لتعارضه مع المعتقدات الهندوسية. هكذا، فرض الهندوس عقيدتهم على عامة الهنود، حتى من غير الهندوس، او من الهندوس ممن لا يمارسون طقوس وشعائر دينهم. وتقول انك صرت ترى الهنود يلتهمون لحم البقر بشراهة قبل صعودهم الى طائرات العودة الى ديارهم، مثلهم مثل مواطني الدول التي تحظر بيع وشرب الكحول، والذين تراهم في المطارات في طريق عودتهم الى بلدانهم سكارى.

هكذا هو العالم، يسير بعيدا عن التنوع، فيما الديموقراطية مريضة يقودها رؤساء يسميهم وزراؤهم مغفلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق