الجمعة، 20 أكتوبر 2017

أسلحة أميركية بأيدٍ إيرانية

حسين عبدالحسين

في زيارتهم الأخيرة إلى واشنطن، للمشاركة في الأعمال نصف السنوية التي يعقدها "البنك الدولي"، حذر مسؤولو البنك الوفد العراقي من الانخفاض الحاد في احتياطي العملات الأجنبية المودعة في مصرف العراق المركزي؛ من حوالي 80 ملياراً إلى أقل من نصف ذلك، وقالوا إن هدف هذا الاحتياطي هو تثبيت سعر صرف الدينار العراقي، وإن فقدانه يُعرّض الدينار والعراقيين لأزمات مفاجئة.

انخفاض الاحتياطي العراقي سببه سماح بغداد لصيارفة سوريين وإيرانيين باستبدال عملاتهم الوطنية بالدينار، ثم استبدال الدينار بعملات أجنبية صعبة، وهو ما يسمح لطهران ودمشق الالتفاف حول العقوبات الدولية. حتى "الاحتياطي الفدرالي" الأميركي، الذي يزود العالم بعملة الدولار الورقية، حذّر العراقيين من توقفه عن تزويد مصرفهم المركزي إن لم تتوقف بغداد عن نزف الدولار.

نموذج استغلال إيران للعلاقات العراقية المصرفية الجيدة مع العالم، كما استغلالها للقطاع المصرفي اللبناني، هو نموذج عن استغلال طهران لكل ما يمكنها أن تحصل عليه عن طريق أصدقاء أميركا، الذين هم في الواقع حلفاء إيران، من أمثال الراحل أحمد الجلبي، ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي، والحالي حيدر العبادي.

ويمتد الاستغلال الإيراني لعطف أميركا على حلفائها باستخدام مليشيات "الحشد الشيعي" العراقية أسلحة أميركية متطورة، مثل دبابات ابرامز وناقلات جند وغيرها. ويندر أن يمر يوم من دون أن يشاهد الأميركيون أسلحتهم وهي تحمل رايات الباسيج الإيراني، وباقي الرايات التي تُعبّر عن ولاء مقاتلي المليشيات العراقية لولي الفقيه في طهران.

والأسلحة الأميركية في أيدٍ إيرانية ليست محض صدفة، بل تزامنت مع الغطاء الجوي الكثيف الذي قدمته المقاتلات الأميركية للمليشيات العراقية الشيعية، حتى أن الجنرال قاسم سليماني، كان يدير على الأرض المعركة ذاتها التي شاركت فيها القوة الجوية الأميركية من السماء.

ثم يأتي دور "الجيش اللبناني"، فيُحجم الأميركيون عن تسليحه متذرعين بأن أي أسلحة حديثة يمكن أن يستولي عليها "حزب الله"، فينتهي الأمر و"الجيش اللبناني" مسلح بشكل أكثر تواضعاً بكثير من غالبية المليشيات المنتشرة في عموم الشرق الأوسط.

لطالما رفضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، تسليح ثوار سوريا، بحجة أن الأسلحة قد تجد طريقها إلى يد مجموعات متطرفة. وانصب اهتمام أوباما وفريقه على "اليوم التالي"، اي اليوم الذي يلي تحرير الأراضي العراقية والسورية من تنظيم "الدولة الإسلامية". وعبّرت إدارة أوباما مراراً أنها لن تسلّح ثوار سوريا خوفاً من ان يقوم هؤلاء بتوجيه أسلحتهم ضد الولايات المتحدة واصدقائها ومصالحها بعد التخلص من "داعش".

لكن لسبب ما، لا يبدو أن وصول أسلحة أميركية إلى أيد إيرانية، مع ما يعنيه ذلك لمصير "اليوم التالي" بعد القضاء على "داعش"، قد أقلق أوباما أو ادارته.

هكذا، جاء "اليوم التالي" للقضاء على "داعش" في العراق، أو قبله بقليل، فنقلت المليشيات الإيرانية السلاح الأميركي ضد كركوك، أول حلفاء أميركا في الحرب ضد "داعش".

طبعاً، حرصت إيران على تصوير العملية العسكرية للقضاء، لا على الاستقلال الكردي فحسب بل على الحكم الذاتي الكردي برمته، على أنها عملية حكومية عراقية لاستعادة سيادتها في كل ارجاء العراق. هكذا، لم يكد العبادي يفرغ من تهديداته المالية والسياسة ضد كردستان حتى وصلت المليشيات الإيرانية كركوك، وكانت صورة إشراف أبو مهدي المهندس، وهادي العامري، على رفع العلم العراقي فوق مبنى محافظة كركوك عبارة عن صورة إيرانية مختارة بعناية: مفارقة رهيبة كانت في استعادة سيادة حكومة العراق على كركوك من قبل قادة مليشيات.

المتابعون الأميركيون صاروا يعرفون أن مليشيات العراق الشيعية تستخدم الامكانيات العراقية، المالية والعسكرية والبشرية، وتأتمر بأوامر إيران. هذه المليشيات الإيرانية في العراق "بدأت لتوها"، كما يكتب انشال فوهرا، في "فورين بوليسي" الأميركية، وهي ما أن تتم لها السيطرة على المناطق الكردية، ستوجه أسلحتها الأميركية صوب بغداد، وسيقف العبادي متفرجاً على من يختاره قادة الملشيات حاكماً شكلياً للعراق خلفاً له.

لو كنا من مناصري "نظريات المؤامرة" لقلنا إن واشنطن وطهران نسقتا عملية استيلاء ايران على المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط. لكن، لأننا نعرف تواضع الفكر الأميركي، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتأرجح السياسة الخارجية، نعرف أن ذكاء ايران لا أميركا هو الذي أوصل الأسلحة الاميركية إلى اليد الإيرانية. وقد تصل أسلحة وأموال أميركية كثيرة غيرها للايرانيين في المستقبل المنظور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق