الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

«تقويض» وزارة الخارجية يشلّ قدرة الولايات المتحدة على التأثير في أزمات العالم

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بدأت ثمار سياسة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، القاضية بإضعاف وزارته ودورها العالمي، تظهر إلى العلن، مع غياب الوزارة الملحوظ عن غالبية الأزمات العالمية، ومع انقطاع تواصلها وندرة معلوماتها التي كانت تستقيها من مصادرها الخاصة.

وللتعويض عن الضعف الذي أصابها في عهد الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته، بدأ الديبلوماسيون الأميركيون يعتمدون على ما يصطلح أهل السياسة في واشنطن على تسميته «المصادر المفتوحة»، أي التقارير الاعلامية والتصريحات الرسمية.

وأشارت التقارير في العاصمة الاميركية إلى أن ما يقارب 60 في المئة من أكثر الديبلوماسيين الأميركيين خبرة تركوا مناصبهم، إما بالإقالة وإما بالاستقالة، منذ وصول ترامب الى البيت الابيض مطلع العام الحالي.

وتزامن «نزيف» الخارجية الاميركية مع إعلان تيلرسون نيته تقليص نفقات وزارته بشكل كبير، ومع اعتماده على دائرة صغيرة من المساعدين، غالبيتهم ممن استقدمهم معه من عمله السابق كمدير تنفيذي في شركة «إكسون موبيل» العملاقة للطاقة.

وكانت وزارة الخارجية عانت، أثناء الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، لأنه بعد خروج هيلاري كلينتون من الوزارة وتولي جون كيري منصبها، راح البيت الابيض يحصر قرارات سياسة أميركا الخارجية في أيدي مجموعة من العاملين في «مجلس الأمن القومي» التابع للرئيس، والذي يعمل فيه غالباً من يتم تعيينهم سياسياً، بدلاً من الديبلوماسيين المتمرسين في السياسة الدولية.

وبعد حلول ترامب في الرئاسة بدلاً من أوباما، توقفت المركزية المشددة التي مارسها الرئيس السابق، لكنها ترافقت مع عدوانية مارسها البيت الابيض تجاه الديبلوماسيين، واتهمهم أحياناً بالولاء لأوباما والديموقراطيين والعمل ضد سياسات ترامب والبيت الابيض.

وبعدما عانت الوزارة ما عانت، وجدت واشنطن نفسها أمام سلسلة من الأزمات العالمية غير المسبوقة، فللمرة الاولى في التاريخ الحديث تندلع أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وهي أزمة لا يبدو أن لدى الديبلوماسيين الأميركيين المخيلة ولا المقدرة على تقديم حلول لها، بل جلّ ما يعملون عليه منذ اندلاعها هو كيفية إدارتها والتعامل معها للحفاظ على المصالح الاميركية.

ويقول ديبلوماسيون سابقون لـ «الراي» إن المركزية تؤذي الوزارة، وكذلك غياب الانضباط في البيت الأبيض، وانه إذا كان يمكن لحكومات الدول نيل الحظوة لدى الرئيس الأميركي بمجرد إقامة صداقة مع أقاربه، أو الحجز في فنادقه لإفادة شركات الرئيس مالياً، يصبح دور الديبلوماسيين الأميركيين في تقييم صداقات واشنطن وعداواتها ومواقفها بشكل عام دوراً هامشياً لا فائدة منه.

وكما في الخليج، كذلك في لبنان، حيث أربكت أزمة إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض، وزارة الخارجية الاميركية وأخذتها على حين غرة، فالديبلوماسيون الأميركيون لم يتوقعوا الاستقالة من سياسي يعد أحد أصدقاء أميركا وحلفائها، من دون أن يبلغها بالأمر مسبقاً.

أما بعد الاستقالة، فلم تنجح واشنطن في إقامة اتصال مع الحريري في الرياض والحصول منه على معلومات حول حقيقة الموقف، وأظهرت التقارير الديبلوماسية المتداولة في العاصمة الاميركية سطحية المعلومات الاميركية حول اسباب استقالة رئيس الحكومة اللبناني، وحول امكانيات عودته عن الاستقالة، وآفاق المرحلة المقبلة.

ويقول المتابعون ان معلومات واشنطن حول الأزمة اللبنانية بمعظمها مستقاة من الإعلام ومن حكومات بعض الدول الصديقة، لكن الإدارة الأميركية لا علم يقين لديها عمّا يجري، ولا تصور لديها حول ما المطلوب حصوله مستقبلاً.

يعتقد بعض الخبراء الاميركيين، خصوصاً من الحزب الديموقراطي، ان تيلرسون يعمل على إضعاف «الخارجية» تلبية لمطالب صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استاء جداً من دور هذه الوزارة أثناء وجود كلينتون على رأسها، لكن صحة هذه المعلومات تبقى في باب التكهنات، إذ إن الأرجح أن بوتين لا يحقد على مؤسسات الحكومة الاميركية، بل هو يدرك أن هذه المؤسسات تنفذ سياسات الحكام، وانه إذا كان يتمتع بصداقة مع الحكام، فلا يهم من يدير الوزارات الاميركية.

على ان الاستقالات الجماعية للديبلوماسيين الاميركيين هو موضوع أكبر وأبعد من رئاسة ترامب، ويؤثر في السياسة الخارجية الاميركية وقدراتها الديبلوماسية على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما قد يسرّ بوتين وخصوم الولايات المتحدة الآخرين، لكنه بات يقرع ناقوس الخطر في العاصمة الاميركية، مع توقيع عدد من الديبلوماسيين الحاليين والسابقين عريضة تطالب بإنهاء السياسات التي تقوِّض من قدرات وزارة الخارجية وتقضي على دورها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق