الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

التطرف الغربي المباح

حسين عبدالحسين

على مدى العقدين الماضيين، دأبت بعض الدوائر الاعلامية والفكرية الغربية على محاولة اسباغ صفة متطرفين على العرب، وخصوصا المسلمين، بأجمعهم من دون استثناء.

يقرأ باحث غربي مقالة او يشاهد فيديو يدلي فيه رجل دين مسلم مغمور بآراء متطرفة، يتم تعميم الفيديو، وتصويره بوصفه الرأي السائد بين العرب، وباعتبار ان النصوص الاسلامية هي المسؤولة عن انتاج آراء متخلفة، وهي آراء يوافق عليها البرابرة العرب والمسلمين بأجمعهم.

يقرأ احد الغربيين تصريحا او يشاهد فيديا يقول فيه شاب او شابة فلسطينية ان هدفهما قتال اسرائيل لالحاق الهزيمة بها، واستعادة بيت واراضي جدها في حيفا، مثلا، يهتز العالم على رؤوس العرب لايوائهم ارهابيين متطرفين، وعلى قناة الجزيرة الفضائية لسماحها ببث آراء عنصرية تدعو الى تدمير دولة عضو في الأمم المتحدة هي اسرائيل.

في الايام القليلة الماضية، اظهرت استطلاعات الرأي في ولاية آلاباما الاميركية ارتفاع في شعبية المرشح الجمهوري الى مقعد في مجلس الشيوخ الاميركي روي مور بنسبة 37 في المئة بين المسيحيين الانجيليين البيض، على الرغم من انتشار تقارير مفادها ان مور، يوم كان يبلغ 32 عاما من العمر، اقام علاقة غرامية مع فتاة كانت تبلغ 14 عاما، وهي علاقة بين راشد وقاصر يحرّمها القانون الاميركي ويلاحق من يتورط بها بتهم جنائية.

فوجئت بعض وسائل الاعلام الاميركية لرؤيتها شعبية مور ترتفع بين مسيحيين محافظين. ما لم تتنبه له الوسائل الاعلامية الاميركية ان مجموعات كبيرة من المسيحيين الانجيليين البيض لا يوافقون على سلسلة من التشريعات الاميركية، وفي طليعتها اعتبار عمر ال18 سناً للرشد، وسبق لكبار المسؤولين الجمهوريين ان دعوا الى تخفيض هذا السن، وجعله اقرب الى سن البلوغ عند الافراد، وهو سن التكليف الديني ايضا.

هذا الاسبوع تستضيف مجموعات اميركية من ”اصدقاء اسرائيل“ مشرعين من الكنيست الاسرائيلي في جلسة في الكونغرس الاميركي. كبير منظمي الجلسة هو الباحث والناشط دانيال بايبس، وهو نفسه الذي نظّم واستضاف الرئيس اللبناني ميشال عون يوم كان الاخير ما يزال منفيا في باريس، في الكونغرس، وهي الزيارة التي وصف فيها عون ”حزب الله“ على انه ”منظمة ارهابية“ واداة ايرانية وسورية في لبنان.

السيد بايبس نفسه مايزال في نشاطه. هذه المرة، يستضيف المشرعين الاسرائيليين في جلسة ”اعلان انتصار اسرائيل على الفلسطينيين“. ويقول بايبس انه يسعى الى تعميم مقولة جديدة، بدلا من ”حلّ الدولتين“، مبنية على ”هزيمة الفلسطينيين“، ما يعني ان كل الارض صارت من نصيب الفائز، اي الاسرائيليين. يقول بايبس ان العالم يجب ان يعرف ان اسرائيل هي من البحر الى النهر، وان لا وجود لدولة فلسطين.

بايبس مسموح له ان لا يعترف بدولة فلسطين، وان يطالب بترحيل الفلسطينيين، من دون ان يتهمه احد بالعنصرية. لكن لو كان بايبس عربيا او مسلما، ينظّم فعاليات لاعلان الانتصار الفلسطيني على الاسرائيليين، والغاء حل الدولتين، واقامة فلسطين من البحر الى النهر، وترحيل اليهود عنها، لكانت قامت قائمة العالم، وتم اتهام الناشط الفلسطيني بالعنصرية والنازية وغيرها.

وان يطالب حزب ”اسرائيل بيتنا“ بترحيل الفلسطينيين واقامة دولة اسرائيلية واحدة من البحر الى النهر، وان يكون هذا الحزب مشاركا في الحكومة الاسرائيلية، فهذه ديموقراطية. اما ان تعلن حركة حماس قبولها ما تقبله السلطة الفلسطينية، اي حل الدولتين، من دون ان تقدم حماس اعترافا باسرائيل، فارهاب وجريمة تطال كل من يلقي تحية على اي عضو في حماس.

ان يقول مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين ان الاسلام ليس دين بل عقيدة ارهابية، ما يجعل كل مسلم ارهابي يستوجب قتله، وجهة نظر، لكن لو قال التصريح نفسه معكوسا رجل دين مسلم مغمور، يتحول الى مادة ادانة لكل المسلمين.

طبعا حتى لا نقع بالتعميم الذي يقع فيه بعض الغربيين والعرب، علينا التذكير انه في كل ديرة صالح وطالح، وانه لا يجوز التعميم. في كل مجتمع ودولة وحضارة متطرفون يعيشون على الهامش. لكن ان نمنع هامشيي العرب والمسلمين عن حرية التعبير نفسها التي نجيزها لهامشيي الغرب واسرائيل هي خطوة فيها لاعدالة يجب تعديلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق