الخميس، 16 نوفمبر 2017

تأييداً للإصلاحات في السعودية

بقلم حسين عبد الحسين

في مقابلة أجريتها أواخر العام ٢٠٠٩ مع السوري صادق جلال العظم، أحد أبرز المثقفين الثوريين العرب، قال لي الراحل الكبير إنه "لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة ٢٠ أو ٣٠ في المئة، في أي بلد، لبنان أو سورية، ستكون بمثابة قفزة هائلة". وأضاف العظم "أن أهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الأحكام العرفية والعودة إلى حكم القانون العادي… حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود ٤٠ في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة".

لم أستسغ يومذاك محدودية طموح العظم، وأنا الحزين والمحبط بسبب سلسلة الاغتيالات السياسية التي ضربت لبنان، والتي يعتقد كثيرون أن الرئيس السوري بشار الأسد كان ضالعا فيها. يومذاك، على الرغم من خيبة الأمل من نشر الديموقراطية في العراق، كنت وأقراني نعتقد أن لا تسويات في لبنان أو سوريا من دون الإطاحة بالأسد ونزع سلاح "حزب الله".

بعد العام ٢٠١١ واندلاع الثورة السورية، صرنا نرى أن مبادئنا ومطالبنا الديموقراطية سليمة، ولكنها مستحيلة: الأسد يحرق البلد ولا يسلمها، والمعارضة تعاني في جزء منها من تغلغل الإسلاميين، الذين لن يحتكروا الحكم فحسب، على غرار بعثيي الأسد، بل سيسعون إلى تضييق مساحة الحرية الشخصية وفرض رؤيتهم، الأكثر خيالا من أحلامنا الليبرالية، على سوريا والسوريين.

طبعا لسنا ندافع عن الأسد أو نبرره. السوريون ثاروا مطالبين بالحرية والديموقراطية، والمطلوب من أحرار العالم تأييدهم من دون تردد، حتى لو بدت آفاق الديموقراطية السورية غامضة.

بعد تجربة نشر الديموقراطية في العراق، والتي أنتجت برلمانا من القرون الوسطى، أقصى اهتماماته إقرار قوانين تسمح بزواج القاصرات والتحريض الفارغ والشعبوي ضد إسرائيل، وبعد تجربة سوريا الدموية، ربما علينا إعادة النظر في أحلامنا.

في منطقة الشرق الأوسط ثلاثة أنواع من الأنظمة، تلك القائمة على "شرعية ثورية"، وأخرى قائمة على "المبايعة العشائرية"، وثالثة منقسمة إلى أزلام النظامين الأولين وغارقة في فوضى المنافسة الناتجة عن ذلك.

"الشرعية الثورية" أنجبت حكومات مثل "الجمهورية الإسلامية في إيران"، وهذه قائمة على حكم الأقوى، وهو ما يعطي التنظيمات المسلحة خارج الدولة قوة ونفوذا أكبر من الحكومة المنتخبة. أما نموذج "المبايعة العشائرية"، فهو ملكي، كما في الأردن ودول الخليج، وفي طليعتها السعودية.

على مدى الأشهر الماضية، عمد ولي عهد السعودية وملكها المقبل محمد بن سلمان إلى شن حملات متعددة من المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات واسعة وجذرية في المملكة، التي تحتاج إصلاحاتها، حسب الصديق جون هانا، إلى "مطرقة لا مبضع جرّاح".

الليبراليون العرب وحول العالم ترددوا في إبداء التأييد الكامل، فالتغيير السعودي، على أهميته، لن يبلغ حجم طموحاتهم، ولن تتحول المملكة إلى جمهورية ديموقراطية ذات نظام رئاسي أو برلماني. وبعد تجارب العراق ولبنان وسوريا، صرنا نعرف أن مشكلة عدم إدراك الديموقراطية قد لا تكمن في الحكام وحدهم، إذ أن الشعوب العربية لم تبد حتى الآن استعدادا مجتمعيا للتخلي عن النظام الأبوي العشائري القائم، واستبداله بنظام "الحريات الفردية"، المعروف بالإنكليزية بـ"ليبرتي".

ولأن الديموقراطية التي نطمح إليها متعذرة، ربما لا بأس بالقبول بتغيير بنسبة ٢٠ إلى ٣٠ في المئة، حسب تعبير العظم. لا بأس في أن تنال السعوديات حق الترشح والتصويت والقيادة، حتى لو بقيت المساحات العامة المختلطة جندريا محظورة. لا بأس في التخلص من شيوخ القرون الوسطى، ممن يصرون أن "الأرض مسطحة"، أو ممن يحرضون ضد اليهود والشيعة وغير المسلمين. لا بأس من تعزيز الأمير محمد بن سلمان سلطته، إن كان حكمه سيؤدي إلى تحسينات وتطويرات.

النقاش حول حكم "المستبد المتنور" ليس وليد اليوم. في الأيام الأخيرة للسلطنة العثمانية مطلع القرن الماضي، انقسم العرب في موقفهم من السلاطين، الذين كانوا نجحوا قبل رحيلهم في تطوير قطاعات واسعة من الاقتصاد وتحديثه. لكن العرب، خصوصا من المسيحيين، طالبوا عن حق بحقوق متساوية مع المسلمين، فيما راحت رياح الاشتراكية والحداثة والجمهورية تعصف بالمنطقة. هكذا استكان عرب كثيرون لحكم "المستبد المتنور"، لولا أن السلطنة انهارت أمام القومية التركية والتتريك، فتحول استقلال العرب إلى حتمية.

ليست سطورنا هذه للتملق لولي العهد السعودي، ولا هي للمصادقة على كل سياساته، فرؤيته الإقليمية ما تزال غامضة، ومن غير المفهوم كيف ينوي مواجهة إيران، فيما أقرب حلفائه من العرب يدعمون الأسد، حليف إيران وراعي "حزب الله" اللبناني.

لكن تأييدنا الإصلاحات في السعودية، حتى لو أدت هذه إلى تغيير بنسب ٢٠ إلى ٣٠ في المئة، يبدو الأمر الصواب، إذ لا يعقل أن نشكو غياب الإصلاحات في السعودية، وفي نفس الوقت نعترض على الإصلاحات، على محدوديتها أو الأزمات السياسية التي ترافقها، إن لم تفض إلى إصلاحات كاملة وشاملة كالتي نراها في أحلامنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق