الخميس، 2 نوفمبر 2017

اليسار الأميركي يعشق الولي الفقيه

بقلم حسين عبد الحسين

في فيلمه عن الخيال العلمي أفاتار (2009)، صوّر المخرج جيمس كاميرون المؤسسة العسكرية الصناعية الأميركية على أنها مؤسسة شريرة تسعى للسيطرة على مقدرات العالم وموارده الطبيعية، على حساب الشعوب الشريفة ومواطنها الأصلية.

يرفض شعب "نافي" التخلي عن شجرة يعيش في داخلها، ويرفض الانخراط في الحداثة العلمية والفكرية والاقتصادية التي يحملها الغزاة. ويصور الفيلم شعب "نافي" على أنهم متصلون بالطبيعة، يعيشون في سعادة تامة، بأمرة زعيم قبيلة أوحد وزوجه. ويعدّ زعيم "نافي" ابنته وخطيبها لتوريثهما السلطة من بعده، أما المؤسسة العسكرية الصناعية فيرأسها مدير موظف، يتخذ قراراته عادة بالتشاور مع مستشاريه للشؤون العلمية والعسكرية.

تلقف اليسار الأميركي والغربي والعالمي الفيلم، وتعاطف مع شعب "نافي" ضد الغزاة المحدثين. ربما يعتقد اليسار أن العيش في شجرة مثل ممارسة رياضة "اليوغا"، وتناول المأكولات العضوية، وقيادة سيارات تويوتا برييس لتقليص انبعاث الغازات السامة.

لم يهتم اليسار العالمي لانعدام الشخصية الفردية، ومعها الإبداع، لدى شعب "نافي" الأزرق، فهذا شعب يفكر جماعيا، ويصلّي جماعيا، ويعيش تحت سلطة زعامة وراثية. حتى ثورة "نافي" ضد الغزاة، حرّض عليها وقادها واحد من أبناء المؤسسة العسكرية الصناعية ممن عاش تجربة "نافي" فتحول إلى واحد منهم.

فيلم أفاتار لخص رؤية اليسار لشعوب العالم، وهي رؤية يطلق عليها الأكاديميون اسم "النسبية الثقافية"، أي أنه تحت عنوان "الخصوصية الثقافية" للشعوب، لا يجوز للغرب فرض حقوق الإنسان أو الحرية أو الديموقراطية عليها، بل إن المطلوب هو إعطاء فسحة للشعوب لممارسة طقوسها الأصلية، حتى لو تضمنت هذه الطقوس العيش في شجرة تحت سلطة زعيم أوحد، ومن دون الإفادة من أي من الابتكارات العلمية.

خطاب اليسار هذا يتطابق مع ما دأب على تكراره أعتى طغاة العالم، من الصين وروسيا، إلى إيران. الصين تصرّ أنها لا تحتاج الديموقراطية لتحسين معيشة شعبها، وتدلل على ذلك بالإشارة إلى "المعجزة الاقتصادية" التي حققتها على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من دلالات تشير إلى بدء تعثر الصين اقتصاديا بسبب عجزها عن الابتكارات، التي تحتاج بدورها لحريات تطلق العنان للصينيين، وهي حرية لن يمنحها الحكام الصينيون لشعبهم.

وكما في الصين، كذلك في إيران. خطاب بائس عن مظلومية إيران أمام القوى العالمية، وحاجة الإيرانيين للانتفاض في وجه هذه القوى، واستعادة مكانة الامبراطورية الإيرانية، الفارسية حينا والشيعية أحيانا أخرى.

وكان عدد لا بأس به من مثقفي إيران عملوا على مزج معاداة الإمبريالية في الفكر الشيوعي مع الشوفينية الفارسية الشيعية، فأنتجوا فكرا رثا بنت عليه إيران دولتها، التي تعجز عن تصنيع حتى قطع غيار لمصافي الطاقة التي تعتاش إيران على استخراجها وبيعها.

لا يهم اليسار الأميركي، والعالمي عموما، أن ما يبدو أصالة في الصين وإيران هو فعليا ضحالة سياسية وفكرية تختبئ خلف حكام يحكمون بقبضة حديدية، ويعيشون استنادا لابتكارات المؤسسة العسكرية الصناعية الأميركية نفسها، التي يصفونها بالشريرة. ومن لا يصدق دور هذه المؤسسة في أهم ابتكارات العقود القليلة الماضية، يمكنه البحث عن تاريخ شبكة الإنترنت، التي اكتشفتها أبحاث وزارة الدفاع الأميركية، وحوّلتها فيما بعد إلى سلعة للعامة.

مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ليس أصالة، والايرانيون لا يعيشون في شجرة، ولا في وئام يفسده الغرب الإمبريالي. إيران، التي تعتقد أنها قوة إقليمية، هي فعليا حفرة من التخلف، أنهارها جفّت، وأشجارها قطعت، واقتصادها قائم على مبيعات النفط، أحد أكبر أسباب الاحتباس الحراري الذي يكرهه اليسار.

والإيرانيون لا يحبون العيش تحت قبضة خامنئي واستخباراته وزمرة الحرس الثوري الفاسدة التي تحمي النظام. الإيرانيون يحبون الحياة، ويحبون الكومبيوترات، ويحاولون التملص من الرقابة للمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية، مثل فيسبوك وتويتر. والإيرانيون يسعون لإرسال أولادهم إلى أفضل جامعات الغرب، بسبب فساد جامعاتهم. والإيرانيون يعشقون السفر، والسياحة، والثقافة، والمسرح.

سطحية اليسار الأميركي والعالمي في مقاربة الشؤون الدولية جعلت من مظلومي إيران وباقي دول العالم يتماهون مع اليمين الأميركي والعالمي، وهنا تكمن الأحجية: كيف يمكن لليسار الأميركي، الذي يعتقد أن على الحكومات لعب دور أكبر في رعاية البشر، أن يترك شعوب العالم لمصيرها من دون التدخل لنصرة المظلومين في وجه الطغاة؟

اليسار الأميركي والعالمي يعشق الطغاة، وهي نظرة تنتقص من إنسانيته التي يتباهى بها ليل نهار، وهي نظرة يجب أن تتغير، وأن تؤيد مواجهة الطغاة بما يصب في مصلحة الشعوب التي يضطهدونها، لا التمسك بمصلحة الحكام والاعتقاد أنه موقف في صالح المحكومين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق