الجمعة، 24 نوفمبر 2017

بؤس الخطة السعودية للبنان

حسين عبدالحسين

في مقالة له في ”ويكلي ستاندرد“ حملت عنوان ”واقعية الرياض السياسية: السعوديون يهزون لبنان“، قدم اليوت ابرامز، مسؤول الشرق الاوسط في ”مجلس الأمن القومي“ في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن، ما بدا وكأنها خطة السعودية في لبنان.

وابرامز هو من الصقور، ومن اركان اليمين، ومن اصدقاء اسرائيل. اداؤه يشي بأنه ممن يتمسكون بمبادئهم، حتى لو اضطر لمخالفة الجماعة، فمساندته للديموقراطية في مصر، ومعارضته لانقلاب وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، ثم معارضته رئاسة دونالد ترامب، وهو ما كلفه منصب وكيل وزير في الخارجية الاميركية، كلها خطوات تؤكد ان الرجل صادق، وان مواقفه تشبه مبادئه، ولا مواربة فيها لمكاسب شخصية.

لكن صدق ابرامز لا يعني انه دائما على صواب، ويبدو انه تجاه الأزمة السعودية في لبنان، اكتفى بالتزام موقف التيار اليميني الذي ينتمي اليه، وكرر ”نقاط الكلام“ السائدة في اوساط هذا التيار.

يفتتح ابرامز مقالته بالقول ان ”حزب الله“ استولى على لبنان بانقلاب عسكري في ربيع 2008، وانه حان الوقت لانهاء التمييز بين لبنان والحزب المذكور، وان واشنطن وحلفاءها يجب ان يحذو حذو اسرائيل في سياستها تجاه لبنان، والمعروفة بـ ”عقيدة الضاحية“، اي تدمير كل الضاحية الجنوبية لبيروت عقابا لمناصري ”حزب الله“ في اي حرب مستقبلية، لدفعهم لاخراج الحزب الموالي لايران من بين ثناياهم.

ثم يعدد ابرامز مايراه نقاط قوة السعودية في لبنان، وهي وديعة 850 مليون دولار في ”مصرف لبنان“ لتثبيت الاستقرار النقدي، وامكانية طرد اللبنانيين المقيمين في الخليج“، وسحب ”الاستثمارات المباشرة“ للسعوديين في لبنان، ووقف تدفق السائحين السعوديين الى لبنان، الذين ارتفعت نسبتهم 86%في المئة في الاشهر السبعة الاولى من2017.

يعتقد ابرامز انه يمكن لفرض السعودية عقابا جماعيا على اللبنانيين ودولتهم ان يؤدي الى ثورة لبنانية ضد ”حزب الله“، لكن في مقاربة ابرامز مشاكل عديدة، اولها، انه لم ينجح أي حصار اقتصادي في العالم حتى اليوم، من الذي كان مفروضا على عراق صدام حسين الى الذي ما يزال مفروضا على كوريا الشمالية، في تغيير الحكم.

ثاني المشاكل في ”نقاط الكلام“ التي قدمها ابرامز، وباحثون آخرون من اليمين الاميركي، انه اذا كان ”حزب الله“ فرض سيطرته فعليا بانقلاب عسكري على لبنان، هذا يعني ان اللبنانيين مغلوب على امرهم، وان معاقبتهم لن تجدي نفعا، ولن تؤدي الى انهاء سيطرة الحزب المذكور.

ثالثا، تشوب حسابات ابرامز الاقتصادية مشاكل عديدة، فوديعة 850 مليون دولار تبدو كبيرة، ولكن عند مقارنتها بحجم القطع الاجنبي، الذي أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة مع رويترز، والذي يبلغ 44 مليار دولار، يظهر تواضع حجم الوديعة السعودية.

ثم ان ارتفاع نسبة السائحين السعوديين الى لبنان في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي هو رقم لا قيمة له من دون مقارنته بنسب السائحين في لبنان من جنسيات اخرى. بيانات ”بنك لبنان والمهجر“ تظهر ان لبنان استقبل 650 الف سائح في الاشهر الخمسة الاولى من هذا العام، منهم أقل من 25 الف سعودي، و873 اماراتيا فقط، ما يعني ان نسبة السائحين السعوديين والاماراتيين لم تصل الى 4 في المئة، مقارنة بـ100 الف سائح عراقي، او ما يمثل 15 في المئة من اجمالي السائحين ممن زاروا لبنان في الفترة نفسه.

ارقام بلوم تظهر انه في حال منعت السعودية والامارات مواطنيها من السياحة في لبنان، فان ذلك لن يؤثر في قطاع السياحة اللبناني، الذي يشكل 20 في المئة من الناتج المحلي للبلاد.

اما الاستثمارات السعودية والاماراتية، فغالبيتها في قطاع العقارات اللبناني، وسحبها على وجه السرعة ليس بالأمر اليسير. صحيح ان عرض املاك المواطنين السعوديين للبيع في لبنان من شأنه ان يؤثر سلبا في اسعار العقارات اللبنانية، الا انه ليس من نوع التأثير الذي يتسبب بهزّات اقتصادية.

يختم ابرامز بالقول ان ”المقاربة السعودية الجديدة والاقسى (تجاه لبنان) تبدو لي اكثر واقعية، ومتناسقة بشكل غير مفاجئ مع المقاربة الاسرائيلية الجديدة“.

في لبنان مشكلة تتمثل بعدم احتكار الحكومة المنتخبة لكل ادوات العنف، ووجود تنظيم عسكري مستقل بتنظيمه وقراره على الأراضي اللبنانية. لكن حل هذه المشكلة لا تكون بالقضاء على لبنان للتخلص من ”حزب الله“، ولا بد من وجود اساليب اكثر عقلانية للتعاطي مع هذه المشكلة، بمقاربة واقعية خالية من تضخيم السعودية وادواتها، ومن دون الدعوة للقضاء على لبنان بأكمله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق