الاثنين، 6 نوفمبر 2017

مقاومة ايران ورؤية السعودية

حسين. عبدالحسين

بعيداً من السياسة وشؤونها وتطوراتها اليومية، لا بد من تقييم الهدف الأبعد لقطبي المنطقة: الجمهورية الاسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية.

النموذج الايراني أصبح واضحاً ومعروفاً، وتم استنساخه في لبنان، فيما يجري العمل على استكمال استنساخه في العراق وسوريا، وهو نموذج قائم على ازدواجية في الحكم مبنية على الدولة التقليدية، التي يوازيها ما يصطلح الايرانيون على تسميته "الاهالي" أو "الحشد الشعبي" أو "المقاومة" أو سائر الاسماء التي تشي باناطة قوة عسكرية بمجموعات ثورية تابعة لمرشد وخارجة عن سلطة الدولة.

والمبدأ الايراني حول ضرورة وجود المجموعات العنفية الخارجة عن الدولة ينحدر من تجربة "ثورة 1979"، التي خشي اثناءها بعض الثوار من انقلاب مضاد يقوده الضباط الموالون للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، فأقاموا مجموعة "تحرس" الثورة من الجيش، واطلقوا عليها اسم "الحرس الثوري"، الذي تحول في ما بعد الى مؤسسة عسكرية واقتصادية هائلة هي عماد الجمهورية الاسلامية، وهي اقوى بكثير من الدولة الايرانية وبرلمانها ورئيسها وحكومتها المنتخبة، وتمارس الوصاية على الدولة.

وأثبت الترتيب أنه مفيد للمرشد، خصوصاً في السياسات الداخلية والخارجية. في الداخل، حوّل المرشد و"الحرس" الدولة الايرانية المتهالكة الى "كبش فداء" أمام الغضب الشعبي حول الاوضاع المعيشية، المتدهورة اصلا بسبب حروب المرشد و"الحرس" المتواصلة. وفي الخارج، قدم المرشد و"الحرس" الدولة الايرانية ورئيسها كوجهٍ حسنٍ يمكن للعالم التعامل معه، ولكنه وجه لا يملك زمام الحكم، فتحول الى رسول بين المرشد والعالم.

صدّرت ايران نموذجها الى لبنان، فقدم أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله رؤيته للبنان بعد انهيار الوصاية السورية، وتوجه الى الدولة اللبنانية التي يديرها الوجهاء الاقطاعيون التقليديون، الحريري وبري وجنبلاط وعون، وقال لهم انتم اديروا "الانماء والاعمار"، واتركوا لنا الأمن والسياسة الخارجية. هكذا فاوض بري والسنيورة أميركا واسرائيل في حرب ٢٠٠٦ بين "حزب الله" واسرائيل بالضبط كما فاوض وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف العالم، بالنيابة عن المرشد، للتوصل للاتفاقية النووية مع ايران.

قدمت الظروف فرصة لمرشد ايران و"الحرس" لتعميم نموذج "الشعب والجيش والمقاومة" اللبناني في كل من العراق، حيث يتحول "الحشد الشعبي" الى مؤسسة دائمة على غرار "الحرس" و"المقاومة"، وسيبقى خارج الدولة العراقية، لكنه سيمارس وصاية عليها. ولارتباطه بالمرشد، يصبح "الحشد" في العراق، كما "الحرس" في ايران و"حزب الله" في لبنان، اداة وصاية لمرشد ايران على الدولتين الايرانية واللبنانية.

النموذج نفسه يتم استكماله في سوريا، حيث سيتحول الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضوه، من التابعين له والخارجين عن ارادته، الى وجهاء الدولة السورية، تحت وصاية "الجيش الشعبي" أو الميليشيات التي سيختارها المرشد للامساك بقرارات دمشق الامنية والخارجية.

في السعودية، لا ازدواجية في الحكم، بل دولة مركزية لعبت على مدى عقود دور الراعي الاجتماعي والاقتصادي لسكانها، لكنها شاخت، ولم تعد عوائد النفط تكفي لرعاية الشعب السعودي المتنامي عددياً. ويبدو أن الرياض تتبنى نموذجا سبق لدبي أن تبنته، وهو مبني على استخدام عائدات النفط لدفع البلاد الى الصدارة في كل الحقول التي من شأنها جذب المستثمرين، ثم التخلي عن النفط وعائداته، إذ ذاك تكون الدولة تحولت الى قوة اقتصادية تضمن الاستقرار الاجتماعي.

ونموذج الامارات والسعودية ليس فريداً من نوعه، فهو بدأ في شرق آسيا، في كوريا الجنوبية وهونغ كونغ، ثم تبنته الصين. كوريا الجنوبية تحولت من حكم عسكري الى ديموقراطية للسماح لحكم القانون بكفالة الاستثمارات ولفتح المجال امام الابتكارات، التي تحتاج الى حرية. الصين، قدمت عمالة رخيصة، لكن سكان الصين تصيبهم الشيخوخة، ولا بد لبكين من تبني تغييرات لاستبدال العمالة كنموذج يجذب الاستثمارات الى نموذج بديل، اعتقد الجميع انه سيكون الديموقراطية، لكن حكام الصين لا يبدو انهم ينحون في ذاك الاتجاه.

بالعودة إلى السعودية، فإن رؤية 2030 تقضي بتقليص دور الدولة واطلاق القطاع الخاص. لكن مشروع "نيوم" وإقامة أكبر وأحدث مدينة في العالم يناقض رؤية تراجع الدولة ودورها في تمويل النمو، وهو ما يضطرها الاستمرار في الاستعانة بعائدات النفط.

ثم إنه من المستبعد أن تقدم المملكة يداً عاملة لجذب المستثمرين، مثل تركيا، ما يعني انها ستحتاج الى عناصر جذب اخرى، وهذه تتضمن حكم القانون، واطلاق الحريات لفتح الباب امام الابتكارات، على غرار كوريا الجنوبية وهونغ كونغ، ولو فعلت المملكة ذلك، فهو سيؤدي الى تغيير جذري في العقد الاجتماعي بأكمله، وشكل الدولة وانظمتها.

النموذج الايراني المبني على "ميليشيات شعبية" يحتاج الى حروب ليعتاش، وهي حروب ان توقفت، تعني رمي ملايين المسلحين في احضان البطالة، فتطلق عنان الجريمة المنظمة.

أما النموذج السعودي، فيحتاج الى سيادة القانون وتبني مبادئ ليبرالية من شأنها تغيير شكل الحكم واسسه، وان لم يتغير، يستمر على ما هو عليه، معتمداً على عائدات النفط، وان بألوان واشكال اكثر حداثة واستهلاكية.

في لبنان، تساءل النائب وليد جنبلاط يوماً إن كان لبنان هانوي المقاومة أم هونغ كونغ الاعمال والاقتصاد. حاول آل الأسد و"حزب الله"، وسيحاول الأسد في سوريا، مزج النموذجين، مع نتائج لم تبد واعدة في الماضي ولا تبدو واعدة مستقبلا. ايران ستستمر في نموذجها الهجين الذي يجمع "المقاومة" و"الاعمال"، فيما السعودية في مرحلة الاختبارات بين الريعية القائمة والحرية الموعودة، فإن فشلت الحرية، تستمر الريعية، وإن أكثر شباباً وتجدداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق