السبت، 16 ديسمبر 2017

اسرائيل كأداة لإغضاب المسلمين

حسين عبدالحسين

نظّمت احدى جمعيات مسلمي الولايات المتحدة، قبل سنوات، زيارة طلابية الى مبنى الكونغرس المحلي في ولاية تكساس، الولاية ذات الغالبية السكانية من البيض المسيحيين ومناصري الحزب الجمهوري اليميني. ثارت ثائرة بعض المسيحيين ممن يرون المسلمين الاميركيين بمثابة طابور خامس يكره الولايات المتحدة، ويتآمر مع الارهاب للسيطرة على الحكومة الاميركية وفرض الشريعة الاسلامية في البلاد.

يومها قامت احدى اعضاء الكونغرس المحلي للولاية بنصب علم اسرائيل في مكتبها، وكتبت على صفحتها أن من شأن هذا العلم ان يبقي الطلاب الزائرين المسلمين بعيدين منها.

تلك الحادثة تكاد تكون الابلغ في التعبير عن نظرة البيض المسيحيين تجاه اسرائيل والمسلمين، فغالبية البيض المسيحيين تعاني نقصاً فادحاً في المعلومات، ليس عن العالم فحسب، بل عما يجري في الولايات الاميركية الاخرى. أولئك يعتقدون أن اسرائيل هي الترياق الذي يمكن استخدامه ضد ما يخالونه سمّاً اسلامياً. هكذا، ولإغضاب المسلمين، ادلى الرئيس الاميركي بخطاب أعلن فيه "اعترافه" بالقدس عاصمة لاسرائيل، على رغم تحذيرات حلفائه العرب والاوروبيين من مغبة ردود أفعال المسلمين حول العالم.

راح الاميركيون والاوروبيون، من معارضي خطاب ترامب، يشيرون الى رد الفعل الاسلامي الذي تلى الخطاب. ما لا يعلمه هؤلاء أن رد الفعل، والتغطية الاعلامية التي رافقته، هو بالضبط ما يريده ترامب، حتى يصوّر نفسه، امام اليمين المسيحي، على انه اول رئيس اميركي شجاع، لا يهاب رد فعل المسلمين.

استغلال ترامب غضب المسلمين لحصد شعبية المتطرفين من المسيحيين، لم يكن الاول من نوعه في خطاب القدس. في الماضي، أعلن المرشح ترامب نيته منع دخول كل المسلمين الى الولايات المتحدة، واعلن نيته اقامة قاعدة بيانية لتسجيل المسلمين الاميركيين. وبعد انتخابه، اصدر ترامب مرسوماً اشتراعياً لمنع دخول مواطني ست دول ذات غالبية اسلامية، المسيحيين منهم والمسلمين. ومنع السفر لا يحتاج الى مرسوم اشتراعي، بل هو عملية ادارية بسيطة اقصى ما تتطلبه اصدار تعميم الى القنصليات المعنية. لكن ترامب يحتاج الى الاثارة والتشويق في عملية تصوير نفسه كمحرّض ومتطرف، وكرئيس لا يأبه لمشاعر المسلمين، على الرغم من استثماراته في دولهم، كما في فنادقه في اسطنبول وغيرها.

مثل قرار منع السفر المزعوم، أدلى ترامب بخطاب حول القدس لم يتعد كونه خطاباً، فحتى اشعار آخر، تستمر السياسة الرسمية الخارجية للولايات المتحدة على ما كانت عليه قبل الخطاب، وهي سياسة تعتبر ان القدس الشرقية والضفة الغربية "أراضٍ متنازع عليها". ومازالت حكومة الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات الاسرائيلية في هذه الاراضي، مستوطنات غير شرعية، وتعتبر واشنطن ان بقاء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المتنازع عليها يرتبط بموافقة الفلسطينيين ضمن تسوية الحل النهائي.

ولأن خطوة ترامب مسرحية اكثر منها حقيقية، فهو تفادى التفوه بأي من الكلمات التي كان من شأنها ان تؤدي الى تغييرات حقيقية في السياسة الاميركية تجاه القدس، فهو لو قال "القدس الموحدة" عاصمة اسرائيل، لنسف مبدأ السلام من اساسه، ولو قال انه سيعترف بشرعية المستوطنات -وهو المطلب المزمن لاسرائيل وأصدقائها في واشنطن- لقلَب السياسة الاميركية رأساً على عقب. لكن ترامب لم يقل أياً من ذلك.

قدم الرئيس الاميركي خطاباً فضفاضاً دغدغ فيه مشاعر فئة من المسيحيين البيض الاميركيين، وتلقفت الحكومة الاسرائيلية الأمر، وقدمته على انه جزء من بطولاتها الوهمية في الديبلوماسية الدولية. لكن اصدقاء اسرائيل كانوا يقولون كلاماً مختلفاً في الكواليس، على طراز "ماذا يفيدنا اعتراف ترامب بالقدس موحدة عاصمة لاسرائيل فيما ايران النووية تبني مصانع صواريخ وقواعد لها في سوريا؟".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق