الثلاثاء، 30 يناير 2018

المصالحات العربية المطلوبة: الكويت نموذجا

بقلم حسين عبد الحسين

كيف يمكن دفن حقد بين المسلمين السنة ونظرائهم الشيعة عمره 1400 عام؟ كيف يمكن إقناع المسلمين أن اليهود ليسوا أعداء الله، وتاليا أعداء مسلميه، وأن أي صراع تاريخي يمكن أن ينتهي في لحظات إن توافر الصدق والنية الحسنة؟ كيف يمكن إقناع الأرمن أن الذي "فات مات"، وأن "عفى الله عما مضى"، وأن مطالبة أتراك اليوم بالاعتذار عما ارتكبه الأتراك قبل قرن أو أكثر هي مطالبة تغذي الحقد وتؤجج الصراع؟ كيف يمكن إصلاح اليمنيين مع بعضهم البعض، أو إعادة الوئام بين العراقيين، أو إعادة الود بين الليبيين؟

كتب المحللون، وكتبوا، على مدى العقدين الماضيين، أن منطقة الشرق الأوسط هي كبرميل البارود الذي كان يقارب الانفجار. ها قد انفجر البرميل، وأشعل نارا نعرف على من أتت وأحرقت، ولا نعرف من ستحرق مستقبلا؟

هي نار وقودها الناس والحجارة، بحسب الآية، تبتلع الشرق الأوسط وناسه، تحرق أعصابهم، وتراثهم، وثقافتهم، وحياتهم، ومستقبلهم، ومستقبل أولادهم. لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وهي فسحة تبرق هنا أو هناك: الكويت مثلا.

بحسب الثقافة السائدة في الشرق الأوسط، يتوجب على الكويتيين الإبقاء على الحقد والضغينة بحق عدد واسع ممن تسببوا بواحدة من أكبر مآسيهم في التاريخ الحديث، يتصدرهم العراقيون، الذين غزوا الكويت في العام 1990، وسلبوها، ونهبوها، وباعوا ساعات الرولكس الكويتية بأثمان بخسة في السوق العراقية. ثم قبل خروجهم، مجبرين تحت ضربات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، أحرق جنود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ثروة الكويت النفطية، فلوّثوا ماءها وهواءها وناسها.

لم يندم صدام حسين يوما على فعلته، ولم يندم مؤيدو "أبو عدي" العرب على تأييدهم له ولغزوه الكويت. راحوا يقولون إن الكويت استفزت صدام وابتزته، وطالبته بديون حرب إيران فورا، وضخت النفط لتخفيض سعر النفط العالمي، وتاليا مدخول حكومة العراق.

ثم أطل صدام نفسه، مغلولا أثناء محاكمته، ليشرح غزوه الكويت. لم يتحدث في السياسة! قال إن الكويتيين هددوه بأن "سعر الماجدات العراقيات سيصبح ١٠ دنانير في سوق الدعارة". صفق عرب كثيرون لأبو عدي، وهللوا لبطولاته الوهمية.


ليس هدف هذه السطور استعادة بشاعة غزو صدام للكويت. الهدف هو مقارنة هذه القباحة بحق الكويتيين بنبالتهم. الكويت ستستضيف مؤتمر إعادة إعمار العراق في الثاني عشر من شباط/فبراير، لجمع التبرعات الدولية بهدف إعادة تأهيل المناطق التي تعرضت لدمار شامل أثناء حرب استئصال تنظيم داعش الإرهابي من مناطق شمال وغرب العراق.

بدلا من أن يحقد الكويتيون على العراقيين، على حسب الأحقاد الدفينة المتنوعة في المنطقة بين السنة والشيعة والعرب واليهود والأرمن والأتراك، قام الكويتيون بالعفو عند المقدرة، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ماذا لو حذا غالبية الشرق أوسطيين حذو الكويتيين؟ ماذا لو عفوا عن بعضهم البعض، وراحوا يتعاونون على بناء مستقبل أفضل لأولادهم، بدلا من المستقبل البائس الذي ينتظرهم جميعا؟

بدلا من أن يحقد الكويتيون على العراقيين، وقفوا عضدا لهم منذ اندثار نظام صدام في العام 2003: أسقطت الكويت ديونها المتراكمة على بغداد، وأبدت مرونة غير مسبوقة في ترسيم الحدود التي كان مختلفا عليها بين الدولتين الجارتين. ويوم قاطع عدد من زعماء العرب قمة بغداد العربية في العام 2012، كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في مقدمة المشاركين.

مجددا، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. في سياسة الكويت تجاه جيرانها بارقة أمل مفادها أن الشعوب قادرة على الغفران والتسامح والنسيان، ومفادها أن الثأر يولد ثأرا، والدم يؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء، فيما التسامح يؤدي إلى المزيد من التسامح، والغفران إلى المزيد من الغفران، والحب إلى المزيد من الحب.

أليست الأديان هي التي نادت بالتسامح والحب، كما في قول السيد المسيح "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم" أو كما في الآية القرآنية "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق