الأربعاء، 10 يناير 2018

واشنطن تعتبر غيابها العسكري في سورية «نقطة قوة» وليست مستعجلة على الحل السياسي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اشتعلت ماكينات اللوبي المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد في واشنطن، وشنت حملة علاقات عامة تهدف لإقناع الإدارة بأن الخيار الاميركي الوحيد في سورية يكمن في توكيل الملف السوري للروس، وهي دعوة تتوافق مع ما يحاول المسؤولون المتبقون من زمن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تسويقه بين صفوف زملائهم الجدد المعنيين بشؤون الشرق الاوسط وسورية.
ومما يعزز موقف الأسد، إلى انتصاراته وحلفائه عسكرياً على الأرض، انحياز عدد من الديبلوماسيين الدوليين المعنيين بالشأن السوري لناحيته ولناحية روسيا، على غرار موافقة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على المشاركة في مؤتمر سوتشي، نهاية الشهر الجاري، وهي موافقة نسفها أمين العام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، بايعاز من واشنطن وحلفائها الدوليين والاقليميين.
وكتب الباحث في «جمعية سنشري» سام هلر ان النفوذ الروسي يجعل من المتعذر على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها بالانتقال الى سورية خالية من الأسد، ونصح واشنطن بأن تحذو حذو تركيا، التي رأت أن تحقيق مصالحها، خصوصاً لجهة تحجيم الدور الكردي، يمرّ في موسكو، فقررت أن «تلبس بذلة روسية». 
ومثل تركيا، لحلفاء أميركا الآخرين علاقات مع روسيا، مثل الأردن واسرائيل، اللتين توصلتا مع الروس لاتفاقية لضمان مصالحهما في الجنوب السوري، حتى بعد التسوية وبقاء الأسد.
لكن مشكلة الروس، الذين يسعون لعملية انتقالية من حالة الحرب إلى بقاء الأسد، تكمن في أن الشرعية الدولية محصورة بالقرار 2254 ومقررات جنيف، وهذه الاخيرة تتمحور حول العملية الانتقالية في دمشق، ولا تلتفت الى التفاصيل الاخرى على الأرض السورية، مثل وضع الأكراد في الشمال الشرقي في حال انسحاب القوات الاميركية. ولا تنص القرارات الدولية كذلك على كيفية تنظيم الجنوب السوري، حيث تتنافس أكثر من قوة اقليمية وعالمية.
ولفت هلر إلى أنه بسبب عدم مقدرة الروس على الحصول على الشرعية المحصورة بمقررات جنيف، تسعى موسكو للتوصل الى سلسلة من الاتفاقيات، مثل اتفاقيات الهدنة، التي تصب تالياً في جنيف.
على أن ما لم يكتبه هلر هو سعي روسيا، لا إلى رفد جنيف بمقررات سوتشي وأستانة، بل لاستبدال مقررات جنيف، خصوصاً المتعلقة منها بالعملية الانتقالية، بسيناريو بديل يتمحور حول قيام حكومة وحدة وطنية، تحت رئاسة الأسد، وإجراء تعديلات دستورية، تليها انتخابات بإشراف الامم المتحدة (بدلاً من أن تكون من تنظيم الامم المتحدة).
ويبدو ان المصادر الاميركية المعارضة لسيطرة روسيا على سورية تعي ما تسعى إليه موسكو، وترد على اللوبي الذي يعمل لمصلحة الأسد والروس في واشنطن بالقول ان «لواشنطن نقاط قوة متعددة، حتى لو لم تكن ممسكة عسكرياً في الأرض السورية».
وتقول هذه المصادر ان «الغياب العسكري الاميركي عن سورية هو نقطة قوة وليس نقطة ضعف، إذ أن روسيا وايران والأسد يستعجلون التسوية لتقليص تكاليف عملياتهم العسكرية مالياً وبشرياً، فيما الولايات المتحدة ليس على عجلة من أمرها، ولا يكلفها رفض التخلي عن مقررات جنيف الكثير».
ثانياً، تضيف المصادر الاميركية، «صار محسوماً أن أي تسوية في سورية تحتاج الى توافق ديبلوماسي وموافقة أميركا وحلفائها، وانه يمكن لروسيا وايران والأسد الحسم عسكرياً على الأرض، ولكنهم لن يتمكنوا من إعادة تأهيل نظام الأسد دولياً أو رفع العقوبات الأممية عنه، وهو ما يجعل (سورية الأسد) دولة مارقة وخارجة على القانون الدولية، ويحجب عنها الأموال المطلوبة لإعادة الاعمار». 
وفي واشنطن إجماع على أن موسكو وطهران لا تقدران على تسديد تكاليف إعادة إعمار سورية، فيما يتفادى المسؤولون الاميركيون الحديث عن الخطط الاميركية المستقبلية في سورية. 
للمستقبل المنظور، أصدرت واشنطن تعليمات تشي بأن القوات الاميركية باقية شرق الفرات لعامين على الأقل، ورصدت مبالغ لتمويل عملية «تثبيت» المناطق التي تتم استعادتها من «داعش». وعملية «التثبيت» تختلف بشكل واسع عن «إعادة الاعمار»، وهدفها موقت، حتى يتم التوصل لتسوية تسمح بالمباشرة بإعادة الاعمار.
كذلك، يتفادى الاميركيون الحديث عن 400 مليون دولار وافق البيت الابيض على انفاقها لتسليح «المعارضة السورية المعتدلة»، وهي خطوة تشي بأن أميركا تنوي «رفع الحرارة»، وزيادة الضغط على روسيا وإيران والأسد عسكرياً على الأرض، علماً أن حلفاء الأسد على عجلة من أمرهم أكثر للتوصل الى تسوية، فيما أميركا قلصت عدد مستشاريها العسكريين في سورية، وسلّمت مساحات واسعة للميليشيات الحليفة.
ختاماً، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان «موسكو تلقت الرسالة حول جديتنا بالدفاع عن حلفائنا السوريين وتثبيتهم في الارض التي يسيطرون عليها شرق الفرات»، وهو ما بدا جليا في تصدي مقاتلتي «اف 22» أميركية لمقاتلتي «سوخوي» روسيتين حاولتا التحليق شرق الفرات، الشهر الماضي. 
كذلك، تقول المصادر الاميركية ان روسيا حاولت امتحان أميركا بالسماح لمقاتلين من «داعش» باستهدافها شرق الفرات بالقصف المدفعي من مناطق يسيطر عليها الروس والأسد، فما كان من أميركا وحلفائها الا أن ردت على مصادر النيران بمدافعهم، في رسالة ثانية مفادها أن واشنطن لن تتوانى عن استخدام القوة لابقاء الروس في أراضي الأسد، بعيداً عن أماكن انتشار حلفاء أميركا ومستشاريها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق