الأربعاء، 10 يناير 2018

إيران وسطحية 'نيويورك تايمز'

بقلم حسين عبد الحسين

لم يحد ليبراليو الغرب عن الموقف الذي كان متوقعا منهم حيال التظاهرات الشعبية في إيران ضد نظام "الجمهورية الإسلامية"، فأوروبا، التي ثارت ثائرتها ضد قرار نقل مبنى السفارة الأميركية إلى القدس، التزمت الصمت حول إيران، فيما قام ليبراليو الولايات المتحدة، ممن لا يفوّتون فرصة لانتقاد حلفاء أميركا حول العالم بسبب ممارساتهم التي ينتهك بعضها حقوق الإنسان، بدعوة الإدارة الأميركية لالتزام الصمت وعدم إبداء أي دعم للمتظاهرين الإيرانيين.

وتجلى الانحطاط الأخلاقي، في دوائر الليبراليين الغربيين، تجاه أحداث إيران، في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في الثالث من الشهر الجاري، بعنوان "الإيرانيون مثل قادتهم، يرون أياد غربية خلف التظاهرات".

وقبل الولوج في الضحالة الفكرية للمقالة، لا بد من الإشارة إلى وضاعتها المهنية، فالعنوان يشي بأن مراسلة الصحيفة تحدثت إلى إيرانيين من العامة ووقفت على رأيهم، الذي جاء مشابها لرأي قادتهم، لكن المراسلة لم تفعل ذلك، بل إن الإيرانيين ممن تحدثت إليهم كانوا من المقيمين خارج إيران، وهم أدلوا بآراء لا تتفق مع عنوان المقالة.

ولا يضاهي لا مهنية "نيويورك تايمز" في تغطيتها تظاهرات إيران إلا الضحالة الفكرية لدى العاملين في الصحيفة، وتبنيهم وتبني اليسار الغربي عموما، الخطاب المتهافت نفسه الذي تبثه دعاية "مرشد الثورة الولي الفقيه" علي خامنئي، باعتبار أن كل مصائب إيران سببها الإمبريالية وتدخل الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، في الشأن الإيراني.

و"نيويورك تايمز" ليست الأولى في معسكر ليبراليي أميركا ممن يلقون باللائمة في مصائب إيران على "انقلاب ١٩٥٢"، الذي دعمته بريطانيا وأميركا للإطاحة برئاسة حكومة محمد مصدق وإعادة الشاه رضا بهلوي إلى الحكم. قبلها، تبنت هوليوود الدعاية الإيرانية التافهة نفسها، عن محورية انقلاب ١٩٥٢، في مقدمة فيلم آرغو الشهير، والذي صوّر فرار عدد من الديبلوماسيين الأميركيين من قبضة الأمن الإيراني، الذي كان اجتاح مبنى السفارة الأميركية واعتقل كادرها في خريف ١٩٧٩. واستمر الاعتقال ٤٤٤ يوما فيما عرف بـ"أزمة الرهائن". هكذا صوّر الفيلم "بربرية" ثوار إيران، لكنه بررها بإلقاء اللوم على الانقلاب ضد مصدق.

هذه المرة، تضيف مراسلة "نيويورك تايمز" تفاهة جديدة من الدعاية الإيرانية المعادية للغرب، فتكتب التالي: "المخاوف الإيرانية من التدخل الأجنبي عميقة، وتعود إلى زمن الإسكندر الكبير، الذي اجتاح الإمبراطورية الفارسية حوالي ٣٣٠ قبل الميلاد".

لا نعرف كيف توصلت الكاتبة إلى أن الإيرانيين في زمن الإسكندر كانوا يخافون التدخلات الخارجية، لكن ما نعرفه هو التناقض المريب في هذه الجملة الواحدة: الإيرانيون كانوا إمبراطورية يحكم فيها الفرس شعوبا أخرى، ولكنهم كانوا يخشون أن تحكمهم شعوب أخرى.

ربما لا تعرف الكاتبة، ولا صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الاجتياح اليوناني، ثم الحكم الروماني، جاء بعد اجتياح الإيراني قورش الكبير للمنطقة في العام ٥٤٥ قبل الميلاد، وقبل الاجتياح الإيراني الثاني للمنطقة بقيادة الساسانيين في العام ٢٢٤ ميلادية، أي أن احتلال الإيرانيين لشعوب المنطقة سبق اجتياح الإسكندر، وتلاه. مع ذلك، تنشر الصحيفة نصا تاريخيا مجتزأ يناسب الدعاية الإمبريالية الإيرانية ويهاجم الآخرين.

وتمضي الكاتبة، كما صحيفتها واليسار الغربي عموما، في السرد الانتقائي، فتشير الى "تدخلات" أجنبية أخرى في إيران، من قبيل قيام الولايات المتحدة بقرصنة برنامج إيران النووي، أو حوادث القتل التي تعرض لها علماء إيرانيون يعتقد البعض أنها عمليات يقف خلفها الموساد الإسرائيلي.

وكما صحيفتها واليسار الغربي عموما، لا ترى الكاتبة أن محاولة إيران قتل السفير السعودي السابق في واشنطن مشكلة تستأهل الذكر في مقالة عن "تدخل الغرب في إيران"، ولا ترى تدخلات إيران العسكرية والسياسية في لبنان وسورية والعراق واليمن مشكلة. التدخل الأجنبي في إيران في اتجاه واحد، حسب اليسار الغربي و"نيويورك تايمز"، وإيران دائما ضحية بريئة تحاول العيش بسلام، ولكن الإمبريالية القذرة لا تسمح لها بذلك.

معلومات ضحلة، ونصوص انتقائية، وذاكرة مثقوبة، وانحياز أعمى، لا لحضارة إيران وشعبها العظيم، بل للعصابة التي تحكمه بحجة مكافحة الإمبريالية. هذا هو موقف اليسار الغربي عموما، والأميركي خصوصا، من تظاهرات إيران الشعبية العفوية المطالبة بالعيش الكريم والحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق