الاثنين، 8 يناير 2018

زرّي أكبر من زرّك

حسين عبدالحسين

بلغت السياسة الدولية مراحل عبثية قلّ مثيلها. آخر تجليات هذه العبثية قول الرئيس الاميركي دونالد ترامب لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون "زرّي أكبر من زرّك"، في مبارزة كادت تكون مضحكة، لو انها ليست مبارزة حول "الزرّ النووي"، الذي يمكن لأي من الزعيمين الضغط عليه للانخراط في حرب نووية تؤدي الى مقتل عشرات الملايين في دقائق.

هذه العبثية، الممزوجة بنرجسية ترامب وسائر امراضه النفسية، حوّلت البيت الابيض، محور النظام العالمي، الى مصحّ عقلي، نجح الصحافي مايكل وولف في وصفه بتفاصيله الدقيقة، في كتابه الصادر الاسبوع الماضي بعنوان "النار والغضب"، وهي العبارة التي استخدمها ترامب لتهديد كوريا الشمالية في حال استمرارها في تجارب صواريخها الباليستية العابرة للقارات.

ويرسم وولف صورة قد تشرح اسباب الاضطراب الذي يعاني منه ترامب، وتاليا العالم بأكمله، فالرئيس الاميركي مثل صغار السن، صبره قليل، وحاجته للمديح كبيرة. ويعرف الفريق المحيط بترامب، من دون استثناء، انه رئيس يعاني من جنون العظمة وحب الظهور، الى جانب عدد من الامراض العقلية الاخرى التي تشكك في قدراته على ادارة، لا أكبر اقتصاد وأقوى قوة عسكرية في العالم، بل تشكك في قدراته على ادارة الحلقة الضيقة المحيطة به.

ويقول وولف، إن ترامب يأوي للفراش في السادسة والنصف مساء كل يوم، حيث يأكل سندويش "تشيزبرغر"، محاطا بثلاث شاشات تلفزيونية يشاهد عليها، بنهم، كل البرامج السياسية، ويسجّل كل كلمة يقولها عنه مقدمو البرامج السياسية وضيوفهم، السلبية منها والايجابية. والى جانب جهاز التحكم عن بعد و"التشيزبرغر"، يأخذ ترامب معه الى الفراش هاتفه الخليوي، ويجري عددا من الاتصالات بأثرياء الولايات المتحدة من اصدقائه من اصحاب المليارات، ليستمع لآرائهم. ولا شك ان هؤلاء يغدقون عليه المديح والاطراء، ما يدغدغ شعوره بالعظمة، ويمنحه بعض السعادة، التي لا ينغّصها عليه الا الاعلام المعارض، فيقوم ترامب في اليوم التالي بشتم هذا الاعلام، في تغريداته عبر "تويتر".

وبربطنا روتين رئيس أقوى دولة في العالم، الدولة التي يفترض انها تحرس النظام العالمي وتسهر على حسن سيره، بالاحداث العالمية، يصبح مفهوماً حجم الاختلال الذي تعاني منه المعمورة، واعتقاد بعض الدول انها اكثر عظمة مما هي عليه، واعتقاد بعض زعماء الدول انهم اكثر موهبة مما هم عليه، وانه يمكنهم تسيير شؤون اقاليم بأكملها، ففي اختلال توازن القوة الرئيسية العالمية، تطفو الى السطح القوى الهامشية، وتتصرف وكأنها عظمى، او على القول المثل العامي "غاب القط، العب يا فأر".

هذا الرئيس الاميركي، الذي تسببت رعونته بإعلان افلاسه ست مرات في سنواته السبعين، والذي حيدته روسيا والصين بقيام زعيميها بإطرائه ببعض الكلام المعسول، هو الذي تعول عليه شعوب العالم، وبعض الحكومات، لالحاق الهزيمة بقوى اقليمية، مثل إيران، التي يديرها قادة راكموا خبرة على المسرح الدولي منذ انخراطهم في المعترك السياسي في زمن الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان.

وهذا الرئيس الاميركي، الذي انقلب عليه أول من عينهما في ادارته — مستشاره للأمن القومي مايكل فلين ومستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون — هو الذي أمل بعض السوريين، والعرب، في ان يخلصهم من خمس سنوات من لا مبالاة واشنطن، بقيادة الرئيس السابق باراك أوباما، تجاه المقتلة السورية.

وهذا الرئيس الاميركي، الذي يعول عليه بعض العرب للتوصل الى سلام عربي اسرائيلي، هو الذي وصل الى "سلام" كانت أولى بوادره قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد أميركا واسرائيل، وثاني بوادره اندلاع أزمة غير مسبوقة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية قد تؤدي الى قيام الاولى بحجب مساعداتها المالية عن الثانية.

هذا هو الرئيس الاميركي الذي تتوقع منه المعمورة أن يسير شؤون العالم. هو يغرق في تفاهاته، وبعض النميمة، وشبقه للاهتمام ومديح الآخرين، وهو ما يفسر الخراب الذي تعيشه الكرة الارضية، في دوامة لا يعرف احد متى سيخرج العالم منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق