الأحد، 7 يناير 2018

السياسة الخارجية الأميركية أكبر من الجناح الغربي ومناكفات البيت الأبيض

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الكتاب الذي أصدره مايكل وولف بعنوان «غضب ونار» أحدث هزة سياسية في العاصمة الأميركية، وحول العالم، بإفشائه كمية ضخمة من الأسرار عن المنافسات والمناكفات داخل البيت الأبيض. 
ونجح الكتاب في المصادقة على صورة صارت معروفة لدى غالبية الأميركيين عن دونالد ترامب، كرئيس محدود القدرات العقلية والمواهب، ويعاني من ملل متواصل، خصوصاً من المواضيع المعقدة والأرقام، وهو ما يقوّض صورته كرئيس «طبيعي» للولايات المتحدة، على غرار أسلافه.
لكن ما أغفله الكتاب، الذي تصدر لائحة المبيعات منذ ما قبل صدوره في المكتبات، هو أن قرارات ترامب لا تتمحور بشكل حصري حول ما يسمعه من أفراد فريقه، بل تتأثر بشكل واسع بما يسمعه من وسائل الاعلام، خصوصاً من برنامجين تبثهما شبكة «فوكس نيوز» اليمينية: الأول صباحي يحمل عنوان «فوكس وأصدقاؤها»، والثاني مسائي يقدمه صديقه ومستشاره شون هانيتي.
يقول وولف ان ترامب حاول تفادي الحديث عن هجوم خان شيخون، الذي أجمعت وكالات الاستخبارات الاميركية على أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد هي التي قامت بارتكابه في ابريل الماضي. ويتابع وولف ان الجنرالات المحيطين بالرئيس الاميركي، وفي طليعتهم مستشاره للأمن القومي اتش آر ماكماستر، أغرقوا الرئيس بالتفاصيل العسكرية بشكل جعل ترامب يعتقد أن مستشاره يحاول أن يتلاعب به.
هكذا راح ترامب يتفادى الحديث عن خان شيخون وردة الفعل الاميركية، الى ان استنبطت ابنته إيفانكا حلاً، فقدمت له وعضو مجلس الأمن القومي السابقة الاميركية من أصل مصري دينا باول صوراً تظهر ضحايا خان شيخون من الأطفال والرغوة البيضاء تخرج من أفواههم. تلك الصور حرّكت ترامب، فاتخذ قراره بتوجيه ضربة لقاعدة الشعيرات التابعة للأسد، ولكنها ضربة كان مقرراً ألا تُغيّر في مجرى الأحداث السورية أو في موازين القوى على الأرض.
ولا يحتاج المتابع إلى كتاب إفشاء أسرار لمعرفة أن صور الاطفال هي التي حرّكت ترامب، فالرئيس الاميركي قال في مؤتمر صحافي، في اليوم الذي سبق الضربة الصاروخية الاميركية على الشعيرات، ما يلي: «موقفي من سورية والأسد تغيّر كثيراً… ذاك الهجوم على الاطفال أمس كان له تأثير كبير علي».
على ان ما لا يدركه وولف، ربما لانهماكه في أخبار المناكفات والنميمة، هو أن ترامب لم يعدّل رأيه بسبب صور ضحايا خان شيخون من الأطفال، بل هو وجد في هذه الصور العذر الذي كان يبحث عنه لتبرير قيامه بضربة يمكنه أن يقارنها برفض سلفه باراك أوباما ضرب الأسد في العام 2013 على إثر مجزرة الغوطة الكيماوية.
ترامب كان دعا أوباما في 2013 إلى عدم توجيه الضربة الى قوات الأسد، وإلى البقاء بعيداً عن سورية والانهماك بشؤون أميركا، وكذلك فعل عدد من الجمهوريين، في طليعتهم هانيتي، وهم في غالبيتهم من مؤيدي الأسد لاعتقادهم أنه يدافع عن الأقلية المسيحية في سورية في وجه الغالبية المسلمة. 
كيف يبرر ترامب التراجع عن موقفه السابق وضرب الأسد، الذي يحظى بتأييد في صفوف اليمين الاميركي المتطرف؟ ذاك كان السؤال الذي حيّر ترامب، وليس ملله من تفاصيل الخيارات المُتاحة له، حسب وولف.
ربما تصف المقابلات التي أجراها وولف مع عدد كبير من العاملين في الجناح الغربي للبيت الابيض، المناكفات داخل الفريق الرئاسي بدقة. لكن الشؤون الدولية أكبر من الجناح الغربي، وعدد اللاعبين فيها أكبر بكثير، ولا يمكن كتابة رواية ما حصل من دون الإحاطة بالعوامل الأخرى المرافقة التي أثرت في مواقف الرئيس الأميركي في عدد كبير من ملفات السياسة الخارجية الأميركية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق