السبت، 8 ديسمبر 2018

نتنياهو وترامب يستخدمان العسكر لتحسين صورتيهما

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أثارت التقارير الأولية حول نية إسرائيل شن عملية «درع الشمال» لكشف وتعطيل أنفاق «حزب الله» إلى داخل الأراضي الإسرائيلية ذعر واشنطن من احتمال اندلاع حرب شاملة بين الإسرائيليين والحزب اللبناني. 
ومع مرور الساعات، وسّع المسؤولون الأميركيون، من الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض، دوائر اتصالاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين، ليتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي طار الى بروكسيل بشكل طارئ للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عمد إلى تضخيم الموضوع، وأنها ليست المرة الأولى التي تعمد فيها إسرائيل إلى تدمير أنفاق من هذا النوع، إن كان من قطاع غزة أو من جنوب لبنان.
وعلى الرغم من إبلاغ نتنياهو واشنطن أنه قام باستدعاء الاحتياط لعملية ستستغرق أسابيع، تبين لاحقاً أن «درع الشمال هي حملة علاقات عامة ودعاية أكثر منها حملة عسكرية»، حسب المسؤولين الأميركيين، الذي نقلوا عن إسرائيليين أن الجيش يقوم بتدمير الأنفاق بشكل روتيني، وغالباً بعيداً عن الاضواء. 
وقال المسؤولون الأميركيون إن عملية مثل التي صورها نتنياهو تحتاج إلى اسابيع من التخطيط، وأن لا تخطيط يذكر سبق «عملية درع الشمال». 
ويبدو أن رئيس حكومة إسرائيل، الذي اصبح وزيرا للدفاع بالوكالة بعد استقالة افيغدور ليبرمان وخروجه وحزبه من التحالف الحاكم منتصف الشهر الماضي، حريص على إطالة أمد تحالفه المهتز حتى الوصول الى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نوفمبر المقبل. 
وتشير الإحصاءات إلى أن نتنياهو يحتاج للاستمرار ثمانية أشهر في منصبه ليكسر الرقم القياسي لرئيس إسرائيل المؤسس دافيد بن غوريون، وليصبح نتنياهو صاحب أطول فترة حكم في التاريخ الإسرائيلي.
ويعتبر المسؤولون الأميركيون، أنه على عكس التقارير الأولية التي أشارت الى جدية خطر «حزب الله»، ما يجبر نتنياهو على مواجهته بشكل طارئ، يبدو ان رئيس الحكومة الاسرائيلي عمد الى تضخيم موضوع تدمير انفاق «حزب الله» في الشمال «لتشتيت الانظار عن الاتهامات التي وجهها اليه الادعاء في القضية»، التي صارت معروفة بقضية رقم 4000، والتي تتهم نتنياهو بالرشوة والتزوير والفساد واستغلال السلطة للاثراء غير المشروع.
واستخدام الجيش في محاولة تضخيم تصديه لاخطار محدقة بالوطن هو الاسلوب ذاته الذي لجأ اليه زعيم شعبوي آخر وحليف نتنياهو، وهو الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي وجد نفسه في ورطة مع تسارع الانباء حول التحقيقات التي تلاحقه بتهم التعامل مع روسيا للتأثير في الانتخابات الاميركية قبل عامين.
ولأن موضوع التحقيقات التي تلاحق ترامب ومستشاريه سيطرت على الدورة الاخبارية، في وقت كان حزب ترامب الجمهوري يستعد لخوض انتخابات كان يأمل ان يحافظ فيها على الغالبية في الكونغرس بغرفتيه، قام ترامب بتدبير حملة تشتيت انتباه شبيهة للتي دبرها نتنياهو حول انفاق «حزب الله» اللبناني.
ابتكر ترامب خطراً زعم انه داهم، وهو خطر قافلة من المهاجرين الذين غادروا هندوراس وتوجهوا، سيراً على الأقدام، الى حدود الولايات المتحدة الجنوبية، عن طريق المكسيك، على أمل قيامهم بطلب اللجوء الى أميركا. وراح ترامب يزعم، من دون دلائل، ان في القافلة مجرمون ومهربو مخدرات، وان هؤلاء يسعون لاجتياح أميركا ونشر الجريمة فيها.
بعد تضخيمه الخطر، أقدم ترامب على خطوة فريدة من نوعها ولا تتوافق مع الدستور الاميركي، اذ أمر وزارة الدفاع بارسال ألوية من الجيش الى الحدود للتصدي لقافلة اللاجئين الهندوراسيين. والقوانين الاميركية تحظر على جيش الحكومة الفيديرالية استخدام السلاح داخل البلاد، وتحصر هذه الصلاحية بوحدات «الحرس الوطني» المحلي، الذي يأتمر بأمر محافظ الولاية.
هكذا، وقف الجيش الاميركي على الحدود الاميركية الجنوبية مع المكسيك من دون سلاح، وبدون مقدرة على استخدام العنف ضد اللاجئين، في عملية أطلقت عليها ادارة ترامب تسمية «عملية الوطني المؤمن»، فيما راح المراقبون يسخرون من الرئيس الاميركي ومحاولته تعويم شعبيته عن طريق العسكر، في وقت كان ترامب نفسه استصدر عذرا طبيا في ايام شبابه للتهرب من الالتحاق بالخدمة الالزامية اثناء حرب أميركا في فيتنام.
لم تتحول «عملية درع الشمال» الاسرائيلية الى حرب مع «حزب الله»، بل تحولت الى حملة دعائية لمصلحة نتنياهو. كذلك لم تقتحم اي قافلة حدود اميركا الجنوبية، بل ان وسائل الاعلام تجاهلت انتشار الجيش الاميركي على الحدود، وغاب الموضوع عن اهتمام الاميركيين.
الاسلوب نفسه يعتمده نتنياهو وترامب، حسب المراقبين الاميركيين، وهو اسلوب يعمد الى تضخيم الخطر، ثم يظهر رئيس الحكومة او الرئيس وكأنه المنقذ الذي يأمر الجيش بالقيام بعملية واسعة لانقاذ الموقف وحماية الوطن، فيما الخطر وهمي، والعملية العسكرية وهمية اكثر، وللاستهلاك الاعلامي ومحاولة التأثير في الرأي العام اكثر منها عملية تتطلبها الظروف والضرورات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق