الخميس، 25 أبريل 2019

«المال مقابل الأرض» في «صفقة العصر»

واشنطن - من حسين عبدالحسين


للمرة الرابعة في ستة اشهر، أعلن كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، تأجيل اطلاق «صفقة العصر» للسلام بين العرب واسرائيل، وحدد شهر يونيو موعداً للكشف عنها، من دون ان يقدم تبريرات مقنعة للتأجيل، لكن الغالب ان السبب رفض غالبية العرب، من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، للخطة المزعومة. 
وحتى يقدم كوشنر خطته بتفاصيلها، يمكن رسم الخطوط العريضة للصفقة، على الأقل بالاستناد الى تصريحات سابقة له، ولفريقه، وللباحثين المقربين منه. ويمكن القول ان عمادها فكرتان قديمتان نسبياً، لطالما لجأت اليهما الحركة الصهيونية في سعيها لاقامة دولة اسرائيل على أقصى ما يمكنها من ارض فلسطين التاريخية. 
الفكرة الأول هي المال الصهيوني مقابل الأرض الفلسطينية، وهو ما دأبت على فعله الوكالة الصهيونية، والتي كانت بمثابة حكومة في المنفى لليهود الذين اعلنوا نيتهم اقامة دولة اسرائيلية لهم في فلسطين، والعودة اليها من كل انحاء العالم. وقتذاك، قامت الوكالة بشراء ملايين الدونمات من الاراضي الفلسطينية. 
وتظهر وثائق الارشيفات، ان بيع العرب أراضيهم في فلسطين تحول الى ظاهرة أقلقت قادة ذاك الزمان، ودفعت المؤسسات الدينية الاسلامية الى اصدار فتاوى حرمت فيها عمليات بيع اي عقارات لليهود، لكنها فتاوى لم تنجح في منع سماسرة الأراضي العرب من السماح للوكالة الصهيونية بالاختباء خلفهم لشراء الاراضي باسماء عربية، قبل نقلها الى ملكية الوكالة. 
ولا تزال نسبة الارض التي اشتراها اليهود من العرب قبل قيام دولة اسرائيل في منتصف مايو 1948، بالنسبة لاجمالي مساحة فلسطين، موضوع نزاع، اذ يعتقد الباحثون الفلسطينيون - من أمثال رشيد خالدي - ان عشية اعلان الدولة الاسرائيلية، لم يملك اليهود والوكالة الصهيونية اكثر من اثنين في المئة من اجمالي الارض، فيما يصرّ الاسرائيليون على ان الملكية اليهودية كانت اكثر من ذلك بكثير. 
هذه المرة، لا تنوي دولة اسرائيل شراء العقارات من الفلسطينين في الضفة الغربية والقدس، بل مصادرتها، باستثناء تسع مدن كبيرة وبعض الضواحي المحيطة بها في الضفة، التي تمنح «صفقة العصر» الفلسطينيين فيها حكماً ذاتياً شبيها بالقائم حاليا، ويمكن اضافة قطاع غزة الى دولة الحكم الذاتي. 
ومقابل تنازلهم عن مطالبتهم بالسيادة الضفة الغربية والقدس الشرقية، في اطار دولة فلسطينية مستقلة مزمع اقامتها، يحصل الفلسطينيون على نحو اربعة مليارات دولار، على شكل استثمارات في مناطقهم، بهدف تحسين اقتصادهم ومعاشهم. 
والحوافز الاقتصادية التي يعرضها كوشنر، والتي دأب على مطالبة دول الخليج بتحمل نفقتها، تندرج في سياق السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين، منذ انتخاب ترامب رئيساً، وهي سياسة قضت بوقف الجزء الاكبر من المساعدات التي كانت تخصصها الحكومات الأميركية المتعاقبة للفلسطينيين، في السلطة وفي مخيمات اللجوء في الشتات، والتي كانت تقارب 400 مليون دولار سنويا. 
ومن شأن وقف المساعدات للفلسطينيين - الذين يعانون اصلاً اوضاعاً اقتصادية متردية بسبب صعوبة تحركاتهم التي يعوقها الاحتلال الاسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية - ان يضعف من قدرتهم على رفض «صفقة العصر»، وان يجبرهم على قبولها بسبب العوز والفاقة والحاجة الماسة الى الاموال.
الفكرة الثانية التي يبني عليها كوشنر صفقته للسلام المزعوم هي «فرض اسرائيل لأمر واقع على العرب»، واجبارهم على قبوله، وهو فرض يصل الى حد تباهي بعض المؤسسات الصهيونية واليهودية الأميركية بالانتصار على العرب، ومطالبة العرب والعالم بالاعتراف بالانتصار الاسرائيلي، وتالياً التنازل عن الارض الفلسطينية. 
ويقف في صدارة المؤسسات المؤيدة لاسرائيل، «ملتقى الشرق الاوسط» الأميركي، الذي يديره الباحث دانيال بايبس. ويعمل بايبس، ومركزه، ومن يدور في فلكه، منذ فترة، على تسويق «مبدأ الانتصار» اي اجبار العالم على الاعتراف بالانتصار على الفلسطينيين، وهو ما يتطلب ان يدركه العرب، فيتخلون عن كل أرض فلسطين التاريخية، باستثناء القطاع، الذي يعتقد الاسرائيليون المتدينون انه جزء من سيناء المصرية، ويظنون انه بموجب اي تسوية مع العرب، يمكن مطالبة مصر بفرض سيادتها عليه. 
وفي سياق «مبدأ الانتصار»، سبق لكوشنر القول إن حجر الزاوية في «صفقة العصر» هو أن يفهم الفلسطينيون ان اي تسوية ستتم اليوم يجب ان تكون مبنية على «وقائع 2019»، لا 1993، أي العام الذي وقّع فيه الفلسطينيون والاسرائيليون اتفاقية اوسلو المبنية على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، اي أن تعيد اسرائيل الاراضي العربية التي احتلتها للعرب مقابل السلام معهم. 
هكذا، يدعو كوشنر الفلسطينيين، بشكل شبه مباشر، الى القبول بالأمر الواقع، والتنازل عن الضفة للاسرائيليين، مقابل بقائهم في جيوب سكانية يتم رفدها باستثمارات مالية تؤدي الى تحسن وضع الفلسطينيين، فيكون خيارهم بين اثنين: اما وضعهم الحالي، واما صفقة كوشنر. 
ومما تقدم، يبدو جلياً ان لا حاجة لمشاركة الفلسطينيين في اي عملية سلام او للاستماع لمطالبهم للتوصل الى تسوية بينهم وبين الاسرائيليين. كل المطلوب توقيعهم على التنازل عن الضفة والقدس الشرقية، مقابل المليارات والاستثمارات. اما العرب الآخرين، فيعتقد كوشنر انه «لكل منهم ثمن»، من قبيل ان «صفقة القرن» رصدت مليارات الدولارات للاستثمار في لبنان، على غرار الضفة. 
وسبق لباحثين اسرائيليين ان اقترحوا الافراج عن الاموال الدولية لاعادة اعمار سورية، ما يسمح بعودة اللاجئين اليها، وكسر العزلة الدولية عن نظام بشار الأسد، مقابل تنازل السوريين عن هضبة الجولان، التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1967. 
اما من لا يمكن اقناعهم بقبول «صفقة العصر» بالمال، فيمكن اغراؤهم بتنازلات سياسية اخرى يرغبون بها ويمكن ان تقدمها واشنطن، وفي طليعتها القضاء على النظام الايراني، مقابل التوقيع على معاهدة سلام ثنائية بين اسرائيل وكل واحدة من الحكومات العربية على حدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق