الثلاثاء، 21 مايو 2019

كيف تنعكس المواجهة الأميركية - الصينية على الخليج؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت المواجهة الاستراتيجية الكبرى بين الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1990، والصين، القوة الصاعدة التي تطمح الى منافسة اميركا والتفوق عليها. 
صعود الصين نفسه جاء في ضوء سياسة اميركية كان هندسها وزير خارجيتها السابق هنري كيسنجر، في زمن الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون، مطلع السبعينات. اعتقدت واشنطن يومذاك ان في مصلحتها استغلال الاختلاف بين روسيا الشيوعية وجارتها الصين، الشيوعية كذلك، فصادقت واشنطن بكين، وزارها نيكسون، وبدأت عملية انفتاح اقتصادي بين البلدين، افضت الى صعود اقتصادي صاروخي للصين، خصوصا خلال عقد التسعينات. 
وبدلاً من ان تتحول الصين إلى ديموقراطية حليفة لاميركا، والى سوق للصادرات الاميركية، تحولت اميركا سوقاً للصادرات الصينية، وصارت مصدرا لعجز تجاري اميركي سنوي يبلغ نحو ثلاثة ارباع تريليون دولار. وفي سنوات صعودها الاولى، بقيت الصين خارج المنافسة الجيو استراتيجية دوليا، لكن منذ وصول شي جنبينغ الى الحكم، ومع الشيخوخة التي بدأت تضرب التركيبة السكانية الصينية وتسرع في ارتفاع تكلفة اليد العاملة، تراجع النمو الاقتصادي، وصار مطلوبا التحول الى ديموقراطية بالكامل لمتابعة الصعود الاقتصادي عن طريق الابحاث والابتكارات، او ما يعرف باقتصاد المعرفة.
على ان شي، أحد أمراء الصين، وهي التسمية التي يطلقها الاميركيون على ابناء الجيل القيادي الشيوعي الاول، قرر السير في اتجاه تكريس القيادة الاحادية، على حساب الديموقراطية. ولتفادي التراجع الاقتصادي، تبنى الرئيس الصيني سياسة معروفة بـ«مواجهة الركود»، وهي تقضي بانفاق حكومي على مشاريع بنية تحتية، وهي ما يبقي نسب النمو مرتفعة نسبيا. 
ولأن بكين لم تعد بحاجة لبنية تحتية، قررت تمديد مشاريعها لتصل إلى الدول المحيطة بها في ما صار يعرف بمشروع «الحزام والطريق». لكن نمو الصين سيتعثر، في الغالب، مع نهاية هذه المشاريع، والاسواق التي تعتقد الصين انها ستفتحها بطريقها الجديد هي اسواق متواضعة نسبياً بسبب صغر حجم اقتصادات دولها، مثل ايران والعراق وسورية. 
على ان اميركا لن تنتظر نهاية مشاريع الطريق الصينية، وتاليا تهاوي اقتصادها، خصوصا ان الصين عمدت، على مدى السنوات الاخيرة، الى بناء قدراتها العسكرية، وحاولت بسط سيادتها ونفوذها على مناطق متنازع عليها مع جيرانها من حلفاء الولايات المتحدة. هكذا، عاد نفس مصمم الانفتاح على الصين ضد روسيا، اي كيسنجر، الى تصميم سياسة اميركا الحالية، وهي تقضي بانفتاح اميركا على روسيا، صاحبة الاقتصاد المتهالك، ضد الصين. وتتمتع اميركا بتحالفات متينة مع غالبية الدول المجاورة للصين، والمنافسة لها، وفي طليعتها اليابان وكوريا الجنوبية والهند، والآن فيتنام الصاعدة، وميانمار، واللتان عزز الرئيس السابق باراك أوباما من صداقة اميركا وعلاقتها التجارية معهما، كبديل متوقع للصين. 
وفي ظل اقتصاد يعيش فترة بحبوحة، وجدت واشنطن الوقت مناسبا تماما لتقويض قوة الصين الاولى: صادراتها الى السوق الاميركية الضخمة. ومن المرجح ان تبادر بكين الى المعاملة بالمثل بفرض تعريفات جمركية على وارداتها من اميركا، لكن يبدو ان واشنطن تدرك ذلك، وتعرف ان صادرات الصين الى اميركا تشكل 20 في المئة من اجمالي صادرات الصين، فيما تشكل صادرات اميركا الى الصين 7 في المئة فقط من اجمالي صادرات اميركا الى العالم. 
كذلك، تعتمد الصين اقتصاديا على صادراتها اكثر بكثير من اميركا، صاحبة الاقتصاد المتنوع. ومن شأن خسارة الصين دولارا من كل خمسة دولارات تجنيها ان يقوض الاقتصاد الصيني بشكل لا سابق له، حسب الرؤية الاميركية. 
على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت بعض العواصم العربية، ومنها الخليجية، بمصادقة بكين، اعتقاداً منها ان الصعود الصيني حتمي، وانه من شأن مصادقة قوة عظمى ثانية ان يثير غيرة اميركا ويدفعها لتقديم بعض التنازلات في علاقتها مع حلفائها.
ومع بدء المواجهة الاميركية - الصينية، التي يبدو انها مواجهة تذهب أبعد من اتفاقية متعذرة في التجارة، والتي يبدو انها مواجهة ستتواصل حتى ما بعد خروج الرئيس دونالد ترامب من الرئاسة، قد تكون المراهنة على نهاية القوة الاميركية وصعود قوة صينية بديلة لها، في العالم عموما وفي الشرق الاوسط والخليج خصوصا، امر مبكر بعض الشيء، خصوصا انه تبين ان خلف التصعيد الاميركي ضد الصين ما هو اعمق من رئيس مذبذب ومتهور مثل ترامب، وان رؤية كيسنجر لمواجهة الصين سابقة للرئيس الاميركي الحالي، وفي الغالب باقية بعد خروجه من الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق