واشنطن - من حسين عبدالحسين
لم تثر «ورشة العمل» التي انعقدت في المنامة اهتمام الأميركيين، ولم يتوقف عندها إعلامهم كثيرا، بل كأنها لم تكن، حتى ان «صفقة العصر» للسلام المزمع عقده بين العرب وإسرائيل، والتي أعاد مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر تسميتها بـ«فرصة العصر»، صار من شبه المؤكد أنها منيت بفشل ذريع.
وصادف فشل كوشنر في صفقته، التي ما فتئ يتحدث عنها منذ اكثر من عامين، مع افراج الكونغرس عن وقائع جلسة مغلقة كان عقدها، الشهر الماضي، وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، أمام العاملين في لجنة الشؤون الخارجية، واستمرت ست ساعات، وتحدث فيها عن تجربته في إدارة ترامب في السنة التي عمل فيها وزيرا، حتى خروجه من منصبه في مارس 2018.
ووصف تيلرسون ترامب وإدارته، فقال إن الرئيس الأميركي لا يلمّ بالتفاصيل، ولا يحب أن يسمع مداخلات مطولة، ولا يقرأ، وان آراء ترامب مبرمة تجاه كل المواضيع، وهو يقول للمحيطين به انه يمكنهم أن يحاولوا إقناعه بتعديل رأيه، لكنهم لن ينجحوا.
وأضاف تيلرسون ان ترامب لا يتوقف عند التفاصيل، بما فيها الشؤون القانونية المحيطة ببعض القضايا، وان الرئيس الأميركي غالباً ما يجيب مساعديه ممن يقدمون له خيارات بالقول: «قم بذلك... افعله... قم به».
وإلى جانب الرئيس الذي لا يلم بأي تفاصيل، أفراد عائلته، وفي طليعتهم ابنته ايفانكا وزوجها كوشنر، الذي وصفه تيلرسون بأنه عديم الخبرة، وبأنه يتدخل بكل الملفات المطروحة أمام ترامب، في الشؤون الداخلية والخارجية، من دون ان يحترم التراتبية الإدارية أو الأقدمية.
وروى تيلرسون انها كان يتناول طعام العشاء في مطعم في واشنطن، فتعرف عليه المدير، واخبره ان نظيره المكسيكي يتناول الطعام في المطعم نفسه، وأنه يمكنه أن يأخذه إليه لإلقاء التحية، ولما ذهب تيلرسون الى طاولة الوزير المكسيكي، رآه جالسا بصحبة كوشنر. ولم يكن تيلرسون ولا وزارته على علم بزيارة وزير خارجية الدولة الجارة، ولما عاتب تيلرسون المكسيكيين، ردوا بالقول انهم كانوا يعتقدون أن كوشنر كان ابلغ وزارة الخارجية عن الزيارة.
الصورة التي رسمها تيلرسون أمام الكونغرس تؤكد تقارير سابقة عن النفوذ غير المحدود الذي يمارسه صهر الرئيس في الحكم، حتى يكاد يكون هو الحاكم. على أن المشكلة تكمن في انعدام خبرة كوشنر، وفي الوقت نفسه تمتعه بثقة زائدة بالنفس.
هكذا، ذهب كوشنر الى «ورشة عمل المنامة» ليقدم ما يخاله رؤيته التي لم يسبقه إليها احد حول سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي تسوية يسبقها «سلام اقتصادي» يمهد للسلام السياسي بينهما والتسوية النهائية. ألا أن تجربة كوشنر قديمة، سبق أن حاول الإسرائيليون تسويقها، وسبق ان صدّقهم فلسطينيون وحاولوا البناء على الوعود بتقديم الحل الاقتصادي على السياسي، ليكتشفوا انه يستحيل ان ينهض اقتصاد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بلا استقرار سياسي.
وفي هذا السياق، أشارت ترودي روبن، المعلقة في صحيفة «فيلاديلفيا انكوايرر»، الى ان ما قدمه كوشنر هو إعادة اقتراح مشاريع سبق أن تم اقتراحها، وفشلت، لا بسبب فساد السلطة الفلسطينية فحسب، بل لأسباب سياسية، منها أن إسرائيل رفضت، ولا تزال ترفض، إقامة ممر يبلغ طوله 40 كيلومترا ويربط الضفة وغزة، ومنها إحجام المستثمرين عن الإقبال على مناطق فلسطينية تعاني من عدم استقرار سياسي، مثل شركة نفط بريطانية رفضت تطوير آبار غاز في البحر الأبيض المتوسط تابعة لغزة، بسبب خوفها من حروب مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولفتت روبن إلى أن المصارف الفلسطينية تكدس رؤوس الأموال ولا تحتاجها، لكن مشكلة الإقراض، خصوصاً للمشاريع الإلكترونية الصاعدة، سببها المخاطر العالية بسبب غياب الاستقرار، بالتزامن مع سيطرة إسرائيلية على كل الموارد الأولية والأذونات التي يحتاجها الفلسطينيون. وضربت الكاتبة الأميركية مثالاً بالقول إن الضفة استغرقها 12 عاماً من المفاوضات مع الإسرائيليين حتى حصلت على إذن تطوير شبكة الاتصالات الى الجيل الثالث، مع استحالة حصول الفلسطينيين على الجيل الرابع الذي يتطلبه قيام اي قطاع فلسطيني معلوماتي.
قبل كوشنر، حاول رئيس حكومة السلطة السابق سلام فياض خوض غمار السلام الاقتصادي، واشرف على مشروع إقامة الروابي، وهي مدينة عصرية فاخرة في الضفة الغربية تتسع لـ40 ألف فلسطيني، وفيها مكاتب ومولات، وبلغت تكلفة بنائها مليارا ونصف مليار دولار. لكن غياب التسوية السياسية، واستمرار إسرائيل في عرقلة حركة الفلسطينيين، سمح لأربعة آلاف فلسطيني فقط بالعيش فيها، ما حولها الى «مدينة أشباح».
ونقلت روبن عن فياض ان «بعض المسؤولين الإسرائيليين قد يتحدثون عن السلام الاقتصادي كترياق، لكن الحل لن يحصل ابدا كبديل عما يتوجب حصوله سياسيا».
إذن، أفكار كوشنر حول سلام اقتصادي يؤدي الى تسوية سياسية ليست أفكاراً جديدة لامعة حسب ما يتصورها، بل هي أفكار قديمة وبالية، سبق أن تمت تجربتها وفشلت فشلا ذريعاً. ربما لا يعرف كوشنر ذلك بسبب انعدام خبرته، وربما هو يضمر انحيازاً لإسرائيل يقضي بتقديم أفكار - من قبيل ذر الرماد في العيون - في ما يعلن عمّه موافقته على ضم إسرائيل لكل القدس والجولان السوري المحتل إليها، فيما يصرّح سفير أميركا لدى إسرائيل ديفيد فريدمان أن لإسرائيل الحق في ضمّ أراض في الضفة، ويدعو سفير إسرائيل في الأمم المتحدة دان دانون الفلسطينيين الى الاستسلام، لان إسرائيل انتصرت، وتسليم الأراضي التي يصنفها المجتمع الدولي فلسطينية إلى الإسرائيليين، فيحلّ اذ ذاك السلام.