الأحد، 18 أغسطس 2019

قصف إسرائيل مواقع إيرانية في العراق... يحرج واشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

استفاقت الولايات المتحدة على مشكلة جديدة زادت الوضع المعقد في الشرق الأوسط تعقيداً، إذ إن قيام مقاتلات إسرائيلية بتوجيه ضربات ضد أهداف تابعة لإيران، داخل العراق، وضع واشنطن في موقع صعب بين حليفين: إسرائيل والعراق. 
وعلى عادتها، لم تعلن إسرائيل قيامها باستهداف مواقع داخل العراق، ولكنها لم تنف ذلك أيضاً. ميليشيا «الحشد الشعبي»، بدورها، هي التي أعلنت أن الهجمات نفذتها مقاتلات «إسرائيلية - أميركية». 
وفي 29 يونيو، جال نائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس على المواقع التي تعرضت للقصف في مواقع غرب محافظة الأنبار. 
ورافق المهندس، نواب من لجنة التحقيق البرلمانية «الخاصة بالضربة الإسرائيلية - الأميركية»، على حد وصف موقع «الحشد». 
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل نفّذت غاراتها بمقاتلات «إف 35»، وهو ما سمح لها بتقليص «آثارها» إلى حدها الأدنى. 
ويبدو أن الإسرائيليين لم يكتفوا بغارة يتيمة، بل شنوا العديد من الهجمات، كانت آخرها قبل أيام، واستهدفت معسكر «الصقر» العائد لـ«الحشد الشعبي»، جنوب بغداد. 
وعلى إثر الانفجارات في معسكر الصقر، أوعز رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي بنقل مخازن الأسلحة إلى مواقع خارج المدن. 
وألمح البيان الصادر عن قيادة «العمليات المشتركة» إلى إلغاء كل الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية، بما في ذلك «الاستطلاع، والاستطلاع المسلح، والطائرات المقاتلة، والطائرات المروحية، والطائرات المسيرة بكل أنواعها»، مضيفاً أن «أي حركة طيران خلاف ذلك يعتبر طيراناً معادياً يتم التعامل معه من دفاعاتنا الجوية بشكل فوري». 
والحديث عن تعامل الدفاعات الجوية العراقية مع أي «طيران معادٍ» له دلالة أن بغداد لن تقف مكتوفة الأيدي في حال استمرار الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في العراق، رغم عدم وجود دفاعات جوية عراقية تذكر. 
والأجواء العراقية تعج بالمقاتلات غير العراقية، خصوصاً الأميركية منها، التي قدمت على مدى السنوات الخمس الماضية غطاء جوياً ودعماً نارياً للقوات النظامية العراقية و«الحشد» في معركة القضاء على تنظيم «داعش». 
أما المشكلة الكبرى التي تعاني منها واشنطن، فمفادها أن العراق هو واحد من الدول القليلة التي تلتزم معها الولايات المتحدة باتفاقية دفاعية بين جيشي البلدين. هذا يعني أن على أميركا التصدي لأي اختراق أجنبي للأجواء العراقية، لكن هذا الاختراق يأتي من إسرائيل، أبرز حلفاء الولايات المتحدة في العالم. 
يقول العارفون في واشنطن، إن الإدارة الأميركية تسعى لإقناع بغداد بالإمساك بزمام السيادة بالكامل، ونزع سلاح الميليشيات، خصوصاً الموالية منها لإيران، أو على الأقل دمجها في القوات التي تأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة. 
وتحت الضغط الأميركي، أصدر عبدالمهدي «أمر ديواني»، قضى بقطع تنظيمات «الحشد» أي «ارتباط سياسي أو أمري» مع أحزابها، وتحولها إلى مجموعات عسكرية بإمرة رئاسة الحكومة. 
وحدد آخر الشهر الماضي موعداً نهائياً لدمج هذه الميليشيات الموالية لإيران في القوات النظامية. إلا أن ستة أسابيع مرّت منذ صدور الأمر من دون أن يتغير الواقع على الأرض، مع بقاء «الحشد الشعبي» تنظيماً مستقلاً، وهو ما يبدو أنه أدى إلى نفاد الصبر الإسرائيلي، فكثّفت المقاتلات ضرباتها على مخازن تعتقد أنها تحوي سلاحاً نوعياً، مثل الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ذات الدقة العالية. 
وتسعى إسرائيل منذ سنوات لحرمان إيران من إقامة بنية تحتية عسكرية في الجنوب السوري، تكون بديلة عن جبهة لبنان المقفلة منذ العام 2006، حتى إشعار آخر. وتغير إسرائيل بشكل دوري، على أهداف إيرانية، لمنع طهران من إقامة موطئ قدم على حدود إسرائيل الشمالية مع سورية. 
ويبدو أن طهران قررت الاستعاضة عن الجنوب السوري بإقامة قواعد للصواريخ غرب العراق، الذي تسيطر عليه «الحشد»، وهو ما دفع إسرائيل للشكوى لأميركا، فقامت الأخيرة بالإلحاح على عبدالمهدي للإمساك بزمام السيادة. وبعدما شعرت الدولة العبرية بفشل عبدالمهدي في ذلك، أطلقت العنان لمقاتلاتها، التي يبدو أنها ستواصل غاراتها على أهداف إيرانية داخل العراق، بالوتيرة نفسها التي تستهدف بها أهداف إيرانية في سورية. 
على أن الهجمات الإسرائيلية في العراق تضع الأميركيين في موقع حرج بين حليفين، وهو ما دفع واشنطن إلى تجديد مساعيها لدى بغداد بهدف السيطرة على الأوضاع ووقف الهجمات الإسرائيلية. 
أما الدروس المستخلصة من الهجمات الإسرائيلية، حسب المراقبين، «فتتصدرها فكرة أنه لا يمكن لحلفاء أميركا الاعتماد عليها في مواجهة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، حسب مسؤول جمهوري سابق في الإدارة، «فإذا كانت إسرائيل تعتمد على نفسها، فلا يبدو أن حلفاءنا يظنون أننا نقوم بوقف التمدد الإيراني، وهو ما يدفع بعضهم للاعتماد على أنفسهم، وهو ما يضعف صورتنا ويحرج موقفنا في الحفاظ على التوازن في ما بينهم»، بحسب ما أضاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق