الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

سعي أميركي لتغيير مهمة «يونيفيل»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

خلال زيارته لواشنطن في أغسطس الجاري، عرض رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ادخال تعديلات على نص قرار مجلس الأمن الرقم 1701، بما في ذلك تحويل عبارة «وقف الاعمال العدائية» بين الجانبين إلى عبارة اخرى تفيد اكثر معنى الهدنة بين البلدين.
الحريري يعلم ان لا فارق يذكر بين العبارتين، وان كلمة «هدنة» لا تعني بالضروة استقرارا اكبر او اقترابا من السلام بين البلدين. لكن العرض اللبناني للاميركيين كان يهدف لامتصاص نقمة تنتشر بين افراد ادارة الرئيس دونالد ترامب حول ما تراه تقاعس قوة حفظ السلام الدولية (يونيفيل) في القيام بأي دور يمكنه ان يساهم في تقليص او لجم نشاطات «حزب الله» في الجنوب اللبناني.
ومنذ تسلم ترامب الحكم مطلع العام 2017، دأب اصدقاء اسرائيل على المطالبة بوقف تمويل الولايات المتحدة لقوى حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بشكل كلي، على غرار توقف واشنطن عن المساهمة في تمويل صناديق دعم اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وعلّل المطالبون بوقف التمويل للقوات الاممية بالاشارة الى ما يعتبرونه فشلا تاما لـ«اليونيفيل» في القيام بأي دور من شأنه تعزيز السلام والاستقرار على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية. 
وتساهم الولايات المتحدة سنويا بمبلغ مليارين ومئة مليون دولار، وهو ما يشكل 28 في المئة من اجمالي موازنة قوات حفظ السلام الدولية. اما «يونيفيل»، فتبلغ تكاليفها 475 مليون دولار سنويا، وهو ما يعني ان المساهمة الاميركية للقوة الدولية في لبنان تبلغ اكثر من 130 مليون دولار.
وإلى تكاليف الاقامة التي تنفقها القوة الدولية في الجنوب اللبناني، وهو ما يساهم في انعاش اقتصاد السكان المحليين، انفقت الدول المشاركة في «يونيفيل» ما يقارب 46 مليون دولار، على شكل مشاريع انمائية لدعم المناطق التي ينتشر فيها افرادها. وتعتقد ادارة ترامب ان هذه الاموال تذهب الى مناصرين لـ«حزب الله»، الذي تصنفه واشنطن ارهابيا، وان لا سبب للولايات المتحدة لمكافأة الحزب او قاعدته الشعبية.
لكن نقاشا حادا يندلع داخل الادارة الاميركية، وبين الادارة، من ناحية، والكونغرس، من ناحية ثانية، حول جدوى استمرار المساعدات الدولية، على انواعها، وضرورة وقفها. ويعتبر البعض في الادارة ان هذه الاموال «لا تشتري اصدقاء لاميركا»، وان لا جدوى من استمرارها. اما الكونغرس، بغالبية اعضائه من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ومعه موظفو وزارة الخارجية من الديبلوماسيين الاميركيين، فيؤمنون بضرورة استمرار المساعدات، التي تساهم في تخفيف الصراعات، وتؤدي الى توسيع النفوذ الاميركي حول العالم، خصوصا داخل الامم المتحدة. 
ويبدو ان النقاش داخل واشنطن حسم لمصلحة مؤيدي استمرار المساعدات الاميركية والمساهمات في المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وقواتها لحفظ السلام. اول مؤشرات فوز مؤيدي المساعدات والمساهمات تمثل في تراجع ادارة ترامب، الاسبوع الماضي، عن تجميدها موازنة المساعدات الاميركية الدولية برمتها. وجاء التراجع الحكومي تحت ضغط الكونغرس، بغالبية حزبيه. 
ومع تراجع المطالبين بوقف المساعدات والمساهمات الاميركية، تحول عدد منهم الى المطالبة بتحسين شروط عمل المنظمات الدولية... وفي سياق قوة «يونيفيل»، تعمل واشنطن حاليا على تعديل «مهمتها» والسماح لها بتحري اي مناطق او مواقع ترغب في الكشف عليها فجأة.
وتنص السياسات الحالية على انه لا يمكن لـ«يونيفيل» مداهمة اي مواقع في لبنان من دون التنسيق مسبقا مع الجيش اللبناني، الذي تعتقده واشنطن وتل ابيب انه - في غالبه - «في جيب حزب الله». وترغب ادارة ترامب في منح القوات الدولية القدرة على مداهمة اماكن يشتبه في أن «حزب الله» يخزن اسلحته فيها، في وقت يحظر القرار 1701 انتشار مقاتلي الحزب جنوب نهر الليطاني. 
في اضعف الحالات، ان منع اللبنانيون «يونيفيل» من مداهمة موقع ما في الجنوب، فستطلب واشنطن ان تُورد القوة، تعذر كشفها على الموقع المذكور في تقاريرها الدورية، وتقديم الاسباب لتعذرها، وموقف حكومة لبنان وجيشها من الأمر.
وكانت «يونيفيل» تعرضت لمواجهة مع مجموعة من مدنيي الجنوب في الاسابيع الاولى التي تلت توسيع القوة ومهامها، على اثر حرب 2006، وهي مواجهة ساهمت في رسم «قواعد الانخراط» بين القوة والسكان منذ ذلك التاريخ، وهو ما تسعى الادارة الاميركية الحالية، لتغييره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق