الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

ترامب لقائد «قسد»: معي في الغرفة من يحبون الأكراد أكثر مما يحبون وطنهم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحت ضغط سياسي شامل، خصوصاً من اليمين المسيحي، أذعن الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمزاج السياسي السائد في الولايات المتحدة، والرافض للتخلي عن أكراد سورية وتركهم عرضة لاجتياح تركي للأراضي التي تسكنها غالبيتهم، تقليدياً، في شمال سورية الشرقي، فضلاً عن تلك التي انتزعوها من تنظيم «داعش».
وأمام الإجماع الجمهوري والديموقراطي على تأنيب ترامب لـ«خيانته» حلفاء أميركا الأكراد، تراجع الرئيس سياسياً، ووافق على استخدام النفوذ الأميركي الاقتصادي والديبلوماسي لوقف الهجوم التركي، كما وافق على إمكانية اللجوء للقوة الأميركية «في حال عودة خطر (داعش)»، بسب فرار العشرات من أعضائه من السجون التي تركها الأكراد هرباً من الهجوم التركي.
وتضمن تراجع ترامب كذلك موافقته على إجراء حديث هاتفي مباشر مع قائد «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، أعرب فيه الرئيس الأميركي عن دعم بلاده للأكراد، ووعد بالعمل على التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع، والى السعي للتوصل إلى تسوية سياسية بين الأكراد وتركيا. وقالت مصادر في الادارة الأميركية إن ترامب غمز من باب كبار الجمهوريين والعاملين في إدارته، وقال لعبدي ممازحاً: «معي في الغرفة من يحبونكم (الأكراد) أكثر مما يحبون وطنهم».
وفيما كان ترامب يتحادث وزعيم «قسد»، جهّز البيت الأبيض مرسوماً اشتراعياً يهدف للبدء بفرض عقوبات قاسية على تركيا لثنيها عن تدمير الأكراد واحتلال مناطقهم في سورية، فيما وافق ترامب على إيفاد نائبه مايك بنس إلى أنقرة للتفاوض مع الزعماء الأتراك في شأن كيفية التوصل لوقف سريع لاطلاق النار والبدء بمفاوضات تركية - كردية برعاية أميركية ومشاركة أوروبية. وتسعى واشنطن إلى التلويح بالعقوبات الاقتصادية على تركيا كورقة ضغط يمكن لبنس استخدامها أثناء زيارته أنقرة ومحادثاته مع المسؤولين فيها.
وفي تفاصيل العقوبات، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً فرض بموجبه عقوبات على تركيا تشمل وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية، وأجاز فرض عقوبات على عدد كبير جداً من المسؤولين الأتراك المتورّطين بأعمال تعرّض المدنيين للخطر أو تزعزع الاستقرار في شمال شرقي سورية.
وتتحسب واشنطن من ردة الفعل التركية، وتخشى أن يؤدي الضغط الأميركي على أنقرة إلى تدهور العلاقات بشكل كبير بين البلدين. ومع ضغط الأوروبيين على تركيا لوقف العملية العسكرية في الشمال السوري، قد يؤدي التوتر إلى دفع أنقرة إلى خارج «حلف شمال الأطلسي»، مع ما يوجب ذلك على الأميركيين سحب 50 رأساً نووياً تكتيكيا تخزنها في قاعدة «انجرليك» الجوية جنوب شرقي البلاد. وسحب الرؤوس النووية الأميركي يعني حكماً نهاية تحالف غربي مع أوروبا دام لأكثر من نصف قرن.
وعلى الرغم من تراجعه على أرض الواقع، تمسك ترامب بسؤدد رأيه وحكمة خطوته التي سمح فيها لنظيره التركي رجب طيب أردوغان بمباشرة العملية العسكرية، ومضى يكرر تصريحاته التي يحاول فيها تقديم رأيه على انه من باب سياسة «أميركا أولاً»، ويحاول تصوير معارضي خطوته على أنهم غير وطنيين ولا يخشون زج أميركا بمغامرات عسكرية حول العالم. ومما قاله ترامب، في تغريداته، انه لا يمانع ان يدافع أي كان عن الأكراد، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا والصين. وللتقليل من الأهمية الاستراتيجية للأكراد، قال ترامب إنهم بعيدون 7 آلاف ميل (11 ألف كيلومتر) عن الولايات المتحدة.
وكتب ترامب: «لقد قلت لجنرالاتي لماذا يجب أن نقاتل من أجل سورية والأسد لحماية أراضي عدوّنا؟ ليست لديّ أيّ مشكلة في أن يساعد أيّ كان سورية في حماية الأكراد، سواء أكان روسيا أم الصين أم نابوليون بونابرت».
ويشير خبراء أميركيون إلى أن استماتة ترامب في الدفاع عن قراره، الذي أثار غالبية الأميركيين ضده، سببه «تغلب أردوغان عليه» اثناء المحادثة الهاتفية بينهما، والتي أفضت إلى قرار ترامب سحب الجنود الأميركيين من درب القوات التركية التي كانت تنوي شن عملية عسكرية ضد الأكراد. وأشارت التقارير من داخل البيت الأبيض إلى أن ترامب دخل إلى غرفة حواره الهاتفي مع اردوغان من دون أي استعداد أو لقاءات مسبقة مع مسؤولي الملف التركي أو السوري في الادارة الأميركية، وهو ما سمح لأردوغان بمفاجأة نظيره الأميركي والانقضاض عليه بشكل أحرجه وأجبره على الموافقة على سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سورية والموافقة على العملية التركية.
ويشير العارفون بأسلوب ترامب إلى أنه يرفض بشكل متواصل أي لقاءات تهدف لاطلاعه على الملفات التي يكون بصدد الحديث عنها مع نظرائه حول العالم، وسبق لوزير الخارجية السابق ريك تيلرسون ان قال إن ترامب شارك في لقاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من دون أي تحضير مسبق، وهو ما سمح لبوتين بالتفوق عليه بأشواط. ويكرر ترامب انه لا يحب الاستماع إلى مساعديه أو المسؤولين عن الملفات، بل يفضّل الاعتماد على حدسه، وهو حدس لا يبدو أنه نجح حتى الآن في السماح لترامب بتقديم سياسة خارجية متماسكة، ناهيك عن متفوقة، حسبما دأب الرئيس الأميركي على وصفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق