السبت، 4 يناير 2020

واشنطن تستبق «الحرب غير النظامية» ضد قواتها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قال مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب، إن إيران كانت تنوي رفع وتيرة «الحرب غير النظامية» ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق وسورية، ودفع هذه القوات الى الرد، وهو ما يقدم ذريعة لحلفاء طهران في حكومة العراق وبرلمانه على المضي في إلغاء الاتفاقية المعقودة بين بغداد واشنطن والراعية لانتشار وعمل القوات الأميركية في العراق.
وفي الجلسات المتعددة التي عقدها مسؤولو الإدارة مع باحثين وصحافيين وديبلوماسيين، قدمت الحكومة الأميركية تسلسل الأحداث الذي دفعها لتصفية قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، وقالوا انه على مدى الاشهر العشرة الماضية، رفعت الميليشيات الموالية لإيران من وتيرة استهدافها لقواعد القوات الأميركية في العراق، والتي كان آخرها الهجوم الذي أدى الى مقتل متقاعد مع الجيش الأميركي في كركوك، الشهر الماضي.
وتسارعت الهجمات الإيرانية بعدما بدا ان ترامب رسى على قرار حول مصير القوات الأميركية المنتشرة في سورية، اذ بعد سحبها من الشمال الشرقي لإفساح المجال أمام اجتياح تركي، حافظت القوات الأميركية على انتشارها في جنوب سورية الشرقي، في قاعدة التنف ومحيطها، وعززت تحالفاتها مع العشائر السنية التي تعرضت لمجازر على أيدي «داعش».
بقاء القوات الأميركية في محيط التنف يعطيها قدرة مراقبة حركة المقاتلين والسلاح عبر الحدود العراقية - السورية، ويسمح لها بحرمان نظام الرئيس السوري بشار الأسد من حقوله النفطية. وفي خضم تصاعد وتيرة الهجمات الإيرانية التي كانت تهدد سلامة القوات الأميركية، رصدت الاستخبارات الأميركية حوارات بين سليماني ومساعديه العراقيين حول كيفية تفعيل الهجمات وإيقاع ضحايا في صفوف الأميركيين.
وحتى تتحرر أميركا من المشكلة التي تصف فيها قواتها وسفارتها بمثابة «البطّات الجالسة» في انتظار استهدافها من قبل الميليشيات الإيرانية، قررت الادارة القيام بخطوات لإنهاء الخطر الإيراني، فتوصلت الى ضرورة تصفية سليماني، لا للقضاء على اهم عقل استراتيجي لدى الإيرانيين، بل لابلاغ إيران ان أميركا لن تتغاضى من الآن وصاعدا عن «الحرب غير النظامية» التي تشنها ايران ضدها، وان أميركا ستعتبر اي نوع من الحروب الإيرانية ضدها، نظامية أو غير نظامية، بمثابة تهديدات ترد عليها أميركا، وان استباقيا، كما في اغتيال سليماني.
وزيادة في تأكيد نيتها استهداف أي موالين لإيران، وضعت واشنطن ميليشيات «عصائب اهل الحق» وزعيمها قيس الخزعلي على لائحة الإرهاب، وهو ما يسمح باستهدافه، على غرار سليماني ونائب قائد «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس.
هكذا، وافق ترامب على استهداف سليماني، منتصف الشهر الماضي على الأقل، حسب المعلومات المتوافرة في العاصمة الأميركية، واعطى الضوء الأخضر لقواته باغتيال الجنرال الإيراني فور توفر فرصة لذلك. وقبل أسبوع، علمت الاستخبارات الاميركية ان سليماني سيصل بغداد، فأبلغت اقرب حلفاءها ورفعت من حال جهوزية قواتها وبعثاتها الديبلوماسية في المنطقة، وقتلت سليماني.
«في سبتمبر، قام سليماني بالافادة مما اعتقده تراخياً أميركياً من خلال مهاجمة حقل نفط في السعودية، وهو إعلان حرب لم تتم الإجابة عنه، وتبع ذلك هجمات ميليشيات إيرانية ضد أميركيين»، يقول مايك دوران، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، لـ«الراي». ويضيف: «أعلنت إدارة ترامب بوضوح أن مهاجمة الأميركيين خط احمر، لكن سليماني كان سمع في الماضي تهديدات من القادة الأميركيين، واعتقد انه يستطيع ان يمحو خط ترامب الأحمر».
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن التقارير المتكررة في الإعلام حول إبلاغ العسكر واشنطن ان سليماني في مرمى نيرانهم ويمكنهم تصفيته، ورفض واشنطن ذلك، ربما منح الجنرال الإيراني شعوراً بانه لا يقهر، وان أميركا تخشى استهدافه.
رحيل سليماني، يقول دوران، «سيجعل إيران أضعف بكثير، وسوف يشجع خصوم إيران الإقليميين - إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشكل أساسي - على متابعة مصالحهم الإستراتيجية بحزم أكبر. كما أنه سيزرع في المحتجين في إيران ولبنان، وخصوصاً العراق، الأمل في أن يستعيدوا حكوماتهم من مخالب الجمهورية الإسلامية».
اغتيال سليماني فاجأ أصدقاء إيران في واشنطن، فسارعوا للتشكيك في حكمة القرار، وانضم اليهم بعض الديموقراطيين المعارضين لترامب. ومع ان المعارضة الأميركية أجمعت على القول ان سليماني كان «رجلاً شريراً»، وان يديه كانتا ملطختين بالدماء الأميركية، إلا أن تصفيته قد تغرق أميركا في وحول الشرق الأوسط مجددا عبر حرب مع إيران.
واعتبر خبراء أميركيون ان سليماني سيترك فجوة برحيله، وان حلول نائبه إسماعيل قاآني مكانه لن يعوض خسارته، اذ رغم ان قاآني «يعرف عن كثب رؤية سليماني، وسيحاول على الأرجح مواصلتها»، كما يمكن لنواب سليماني في كل دولة أن يخفف من تأثير غيابه إلى حد ما حسب الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس، الا ان «قاآني لا يتمتع بكاريزما سيلماني»، وهو ما يعني ان «وحدة القيادة التي كان سليماني قادرا على تحقيقها قد تتدهور في المستقبل، وستكون العمليات التي تجريها قوات الحرس الثوري، والجيش النظامي، ووزارة الاستخبارات أقل تنسيقاً، وقد تعود المنافسات بين هذه الفروع إلى الظهور»، وهو ما يضعف النظام.
وعلمت «الراي» ان واشنطن حرصت على قانونية خطوتها والتزامها بالقانونين الأميركي والدولي، فاغتيال سليماني لم يخترق سيادة إيران، اذ هو حصل على الأراضي العراقية، التي تعمل فيها القوات الأميركية باجازة من الدولة العراقية لمكافحة الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق