الثلاثاء، 7 يناير 2020

"الحشد الشعبي" حسب الدعاية الإيرانية الكاذبة

حسين عبدالحسين

لم تتشكل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق على إثر ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، بل هي سابقة لـ"داعش"، ظهرت في نسختها الأولى على شكل كتائب عراقية مقاتلة في صفوف إيران ضد العراق، أثناء الحرب بين البلدين (1980 ـ 1988). وفي العام 1982، تشكّل "المجلس الإسلامي الأعلى"، وجناحه العسكري "ألوية بدر" بقيادة هادي العامري، الذي انشق في ما بعد ليصبح زعيم "منظمة بدر"، وهي اليوم إحدى فصائل "الحشد الشعبي".

وإبان عودة الإيرانيين من أصل عراقي إلى العراق، بعد أن اختبأوا في إيران لعقود هربا من بطش الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، انخرطت بدر في معارك ضد "جيش المهدي"، التابع لمقتدى الصدر، أحد أكثر السياسيين العراقيين تقلبا في المواقف والتصريحات.

وبسبب قيام الصدر بحلّ "جيشه"، انشق عنه قيس الخزعلي وأسس ميليشيا "عصائب أهل الحق"، التي شاركت مع الميليشيات الشيعية الأخرى في حرب ضد القوات الأميركية، بعد أن خلع الاميركيون صدام وسلموه لهذه الميلشيات. واعتقلت القوات الأميركية الخزعلي وسجنته. ثم أفرجت عنه.

ومثل العامري، عاد الإيراني من أصل عراقي جمال جعفر، المعروف بأبي مهدي المهندس، إلى العراق، تحت لواء "بدر"، ثم أسس "كتائب حزب الله". وللمهندس تاريخ طويل في الإرهاب، إذ سبق أن قاد تفجيرات ضد سفارتي أميركا وفرنسا في الكويت في 1983، باسم "حزب الدعوة" العراقي، في نفس الوقت الذي كان نظيره اللبناني الراحل عماد مغنية يفجّر سفارة أميركا ومقر المارينز والقوات الفرنسية في بيروت.

وبعدما قتلت ميليشيات الإيرانيين العراقية، بإمرة جنرال "الحرس الثوري" قاسم سليماني، ألف من أربعة آلاف جندي أميركي سقطوا في العراق، وبعدما نجحت "خطة زيادة القوات" في خفض العنف في العراق إلى معدلات ما قبل حرب 2003، ما سمح بانسحاب أميركا، انخرطت الميليشيات الشيعية والقوات النظامية بإمرة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي في سباق للتنكيل بالسنة العراقيين، فانهارت التسوية والاستقرار الذي كانت أميركا عملت جاهدة لتحقيقهما، وانقلب بعض بعثيي صدام إلى إسلاميين متطرفين وشكّلوا "داعش".

وبسبب فساد قوات المالكي وميليشيات سليماني، احتل "داعش" الموصل بلا عناء، وكاد يجتاح بغداد، لولا أن تسلل قائد الأركان السابق مارتن ديمبسي إلى الليموزين الرئاسية وأقنع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بضرورة العودة إلى العراق، فعادت أميركا، وبمساعدة القوات الكردية، دمّرت "داعش". أما الميليشيات الشيعية، فاستغلت الحرب على "داعش" لتشكيل "الحشد الشعبي" بفتوى من علي السيستاني، وتمويل حكومي عراقي يبلغ مليار ومئتي مليون دولار سنويا

وبلغت الوقاحة الإيرانية أن أعلنت أن "الحشد" هو الذي قضى على "داعش"، فيما الواقع أن المعارك خاضها الكرد بإشراف قوات خاصة أميركية ودعم قوات نظامية عراقية. أما "الحشد الشعبي"، جيش إيران في العراق بإمرة سليماني ومعاونيه المهندس وفالح فياض وهادي العامري، فراح يقاتل ضد المعارضة السورية، من غير الإسلاميين و"داعش"، في حلب ومناطق سوريا الأخرى، حتى أن الخزعلي ظهر يوما على حدود لبنان مع إسرائيل، وكأن "داعش" في إسرائيل.

وبعدما فرغت القوات الأميركية من القضاء على "داعش" وحافظت على انتشار محدود لها في العراق لضمان عدم عودته، رأى سليماني الفرصة سانحة لإعادة استئناف حرب الميليشيات الشيعية ضد القوات الأميركية، خصوصا بعد غرق إيران اقتصاديا بسبب عقوبات أميركا.

ولسيطرة إيران على العراق فائدة اقتصادية هائلة، إذ أن العراق في طليعة الدول المصدرة للنفط، ويمكن استخدام احتياطه الأجنبي من عائدات النفط للتخفيف من حدة الانهيار الإيراني.

وبسبب المقالات المتكررة في الإعلام الأميركي التي تحدثت عن إحجام الرئيسين السابقين جورج بوش وباراك أوباما عن إصدار الأمر بتصفية سليماني، شعر الجنرال الإيراني بثقة دفعته إلى التحرك بحرية في العراق لتسليح ميليشياته وتحريضها ضد أميركا، إلى أن قررت واشنطن أنه يشكل خطرا على أمن قواتها، فقتلته بصاروخ أظهر أن أميركا لا تخشى إيران، ولا تجد عناء في اصطياد قادتها.

على عكس الدعاية الإيرانية الكاذبة، لم تقم الميليشيات الشيعية ردا على "داعش"، بل هي سبقته بزمن، ولا أميركا خلقت "داعش" أو دعمته، بل هي التي قادت حرب القضاء عليه.

وأميركا هي التي أنهت، قبل "داعش"، طغيان صدام، ومنحت الإيرانيين من أصل عراقي فرصة للعود إلى بلادهم وممارسة الديمقراطية، فعادوا ليقلبوا العراق من نموذج الطغيان الصدامي إلى نموذج الطغيان الخميني، وفي الحالتين، يستسهل عراقيون كثيرون شتم أميركا وعض اليد التي امتدت لمساعدتهم، في وقت تستميت دول العالم، من روسيا إلى الصين فإيران وسوريا بشار الأسد، إلى مصادقة الولايات المتحدة وفتح قنوات الاتصال معها.

ختاما، كلمة عن البلادة الفكرية لدى بعض العراقيين ممن يشتمون "الاحتلال الأميركي" لقتله سليماني، بدون أن يتساءل هؤلاء: أليس وجود جنرال إيراني في عاصمة العراق احتلالا إيرانيا؟ وكيف يقبل العراقيون أن تقسم ميليشيات الحشد الشيعي الولاء لمرشد إيران علي خامنئي، بدلا من أن ينخرط مقاتلوها في القوات الأمنية العراقية التابعة لبرلمان منتخب يمثل، إلى حد ما، إرادة العراقيين.

أما المقارنة بين الاحتلالين الأميركي والإيراني للعراق، فسهلة. الدول التي تستضيف قواعد أميركية، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، كلها دول تتمتع بحكومات ديمقراطية مستقرة، وبحبوحة اقتصادية، وعيش كريم.

أما الدول التي يتجول فيها جنرالات الحرس الثوري الإيراني من أمثال سليماني، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، فموت مجاني، وحروب متواصلة، وانهيار اقتصادي، وهروب الناس إلى اللجوء والشتات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق