الثلاثاء، 7 يناير 2020

الانسحاب الأميركي من العراق... مشكلة «الصياغة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

أثارت رسالة الجنرال الاميركي وليام اتش سيلي، أحد قادة التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم «داعش»، الى نظرائه العراقيين، زوبعة في أروقة السياسة الاميركية. وورد في الرسالة انه تجاوباً مع موقفي مجلس النواب العراقي ورئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، بدأ الجيش الاميركي عملية «مناقلات» استعدادا للرحيل من العراق.
ولم تمض ساعات حتى بدأت وسائل الاعلام الاميركية تتحدث، باستغراب، عن قرار الانسحاب المفاجئ. وزاد في الطين بلة التباين في نصي الرسالة الانكليزي، الذي يقول فيه الاميركيون للعراقيين «نحترم قراراكم السيادي في ان تأمروا انسحابنا»، والترجمة العربية، التي ورد فيها «نحترم القرار السيادي والذي طالب برحيلنا».
في النص الانكليزي، بدا ان الجيش الاميركي يضع أمر انسحابه بين أيدي الحكومة العراقية، فيما بدا في النص العربي ان بغداد طالبت فعلياً بالانسحاب، وان الجيش الاميركي في طريقه لتنفيذ الطلب.
وأقر عبد المهدي بان النسختين العربية والإنكليزية غير متطابقتين، وأعلن انه طلب توضيحات.
وبعد ساعات من الارتباك، أطلّ وزير الدفاع مارك إسبر لينفي قرار الانسحاب. واوضحت القيادة الاميركية في العراق ان الرسالة كانت مسودة، وانها لم تكن معدّة للنشر العلني.
وصرح رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي: «كان خطأ، حدث عن غير قصد، مسودة رسالة غير موقعة، لأننا نحرك قواتنا في المكان».
كما نأى إسبر بنفسه عن تهديدات الرئيس دونالد ترامب بقصف مواقع ثقافية في إيران. وقال: «سنحترم القوانين المتعلقة بالنزاعات المسلحة» التي تحظر ضرب مواقع ثقافية.
وعندما سألته صحافية عمّا إذا كان جوابه «يعني كلا، لأنّ استهداف موقع ثقافي يُعدّ جريمة حرب؟». أجابها إسبر «هذا هو قانون النزاعات المسلّحة».
وفيما أخذت وسائل الاعلام تسخر من إدارة ترامب، وتشير الى ارتباك في الرأي وتضارب في المواقف، حاول المعنيون في الادارة التحري عمّا حصل، فتوصلوا الى ان الجيش قدم رسالة الى العراقيين للتأكيد لهم ان الوجود الاميركي في العراق ليس احتلالاً، حسب الدعاية الايرانية، وانه وجود مرهون بارادة الدولة العراقية. ويبدو ان احد المسؤولين العراقيين قام بتسريب الرسالة الى «وكالة فرانس برس»، التي نشرتها.
ويرى المسؤولون الاميركيون ان «ايران تعوّل كثيراً على رسم صورة، وان غير واقعية، عبر الاعلام». ويعتقد المسؤولون ان المحاولات الايرانية قد تكون جزءاً من محاولة انقاذ ماء الوجه، على اثر اغتيال الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني في بغداد فجر الجمعة.
ويقول بعض المسؤولين الاميركيين، من المولجين رصد الاعلام الاجنبي، ان وسائل الاعلام المؤيدة لايران بالغت في وصف تصويت البرلمان العراقي على قرار لاخراج القوات الاميركية، وجعلته يبدو قانوناً ملزماً، فيما هو قرار غير ملزم. في السياق نفسه، حاولت ايران الافادة من الرسالة الاميركية، للجيش العراقي بتصويرها قراراً اميركيا بالانسحاب، على الرغم من ان لا قرار اميركي بذلك.
وسعي أميركا لدعم دولة العراق، بما في ذلك الكتلتان السنية والكردية وعدد كبير من السياسيين الشيعة، سببه الاعتقاد بأن عبدالمهدي صادق في مسعاه لحلّ ميليشيات «الحشد الشعبي»، ودمجها بالقوات الامنية، وتعديل عقيدتها القتالية وولائها، من ولاء لمرشد الثورة الايرانية الى ولاء للمؤسسة العسكرية العراقية والقائد الاعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الحكومة، حسب الدستور العراقي.
وكان عبدالمهدي اصدر قرارا، في اول يوليو الماضي، قضى بدمج فصائل «الحشد» في القوات النظامية، وإغلاق كل المقرّات التي تحمل اسم أي من هذه الفصائل. كما خيّر رئيس الحكومة «الحشد» بين الانضمام للقوات المسلحة، أو الانخراط في العمل السياسي وفق قوانين الأحزاب. وامهل الفصائل حتى نهاية يوليو للالتزام بقراره.
لكن «الحشد» تمرد على عبدالمهدي وقراره. ويقول المسؤولون الاميركيون انهم سمعوا من «اصدقاء عراقيين» ان جدالا اندلع بين عبدالمهدي ومؤيديه، من ناحية، وقادة «الحشد»، من ناحية ثانية، وان قادة «الحشد» رفضوا حلّ ميليشياتهم قبل خروج القوات الاميركية من العراق.
لهذا السبب، يحاول رئيس الحكومة المستقيل مقايضة «الحشد»: في مقابل حلّ الميليشيات، يتم اجبار القوات الاميركية، على البقاء في قواعدها، والتزامها مهمة التدريب وتقديم النصح على مستوى قيادات الألوية، أي من دون المشاركة على خطوط القتال لطلب الدعم الجوي الاميركي للمعارك، كما كان يحصل اثناء الحرب ضد «داعش».
«الحشد» رفض المقايضة، وابلغ عبدالمهدي انه يحلّ نفسه بعد خروج الاميركيين.
في هذا السياق، رصدت الولايات المتحدة حركة سليماني، الذي عقد اجتماعات في بغداد بهدف رفع نوعية تسليح «الحشد»، وتحريكه لبدء شن هجمات ضد القواعد الاميركية، وهو نشاط كان المأمول منه مواصلة «حروب الحشد».
الوضع معقد في العراق، سياسياً وامنياً واقليمياً، حسب المسؤولين الاميركيين، الذين يرددون انهم لا يعرفون ما سيحصل، ولكنهم مستعدون «لدعم كل العراقيين الذين يسعون لسيادة حكومتهم، واستقلال دولتهم، واستقرار امنها، وبحبوحة اقتصادها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق