الأربعاء، 27 مايو 2020

ارتياح أميركي لارتطام الاقتصاد بـ «القعر»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تنفّس المسؤولون الأميركيون الصعداء، بعدما أجمع الخبراء على أن الاقتصاد «ارتطم بالقعر»، وهي العبارة التي تعني أن لا هبوط ممكنا بعد ذلك، وأن الاتجاه الوحيد المتاح هو العودة إلى الصعود والنمو. وأظهرت سلسلة من التقارير الاقتصادية ارتفاعاً في مبيعات تذاكر السفر، وحجوزات الفنادق، وفي عدد الشاحنات التي تحمل البضائع في عموم البلاد. 
كما لاحظ الاقتصاديون عودة المستهلكين إلى الإنفاق، ما من شأنه إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، وتالياً عودة معظم بقية الأعمال إلى سابق عهدها. 
وبدا أن المسؤولين والخبراء الأميركيين صاروا يشعرون بأن «أسوأ ما في كورونا قد مر»، وأن الأمر الوحيد الذي يخيفهم هو إمكانية عودة فيروس كورونا المستجد في موجة ثانية تجبر بعض الولايات على العودة إلى الحجر الصحي، كلياً أو جزئياً.
ورغم الاعتقاد السائد بأن «كورونا» يبدو في طريقه الى الانحسار الى غير رجعة، ما زال بعض العلماء يحذّرون من إمكانية التراخي في التعامل مع الوباء، وهو ما قد يسمح بتجدده وعودته في موجة ثانية. 
ولا تبدو المعركة الأميركية مع الفيروس في نهايتها بعد، اذ تتوقع النماذج الحسابية أن يرتفع عدد الوفيات في الصيف بواقع 70 إلى 100 ألف حالة. 
ونهاية الصيف عند الأميركيين هي «عيد العمل»، الذي يصادف هذا العام في السابع من سبتمبر. 
وتعدى عدد الوفيات في الولايات المتحدة، حايلاً، عتبة المئة ألف، رغم الانخفاض الكبير في حالات الوفيات اليومية، من 2200 في أيام ذروة الوباء الى أقل من 600 يومياً على مدى الأيام الماضية. 
كما تقدمت دولة أخرى، للمرة الأولى منذ أسابيع، على أميركا في عدد الوفيات اليومية، اذ سجّلت البرازيل أكثر من 800 حالة وفاة قبل حلول منتصف الأسبوع، فيما حلّت أميركا الثانية عالمياً بتسجيلها 503 وفيات.
ويأمل آشيش جاه، رئيس معهد الصحة العالمية في جامعة جونز هوبكنز المرموقة، أن تكون الأرقام المتوقعة للوفيات في الصيف «غير صحيحة». ويقول إن هناك بعض الأمل في أن تكون حالات الوفيات أقلّ من ذلك، اذ سيدفع فصل الصيف الناس الى قضاء وقت أطول في الخارج، فيما المعروف أن الفيروس ينتقل في الأماكن المغلقة بسهولة أكبر.
«لكن الوجه الآخر للإفادة الموسمية من الصيف هو ما سيكون بالتأكيد سقوطاً، وشتاء صعباً جداً» بسبب عودة الناس الى الاختلاط في الأماكن المغلقة، «وهو ما يمكنه أن يؤدي إلى موجة من الحالات قد تكون أكبر من الموجة التي مررنا بها للتو، وعلينا أن نستعد لذلك، اذ لا يمكننا أن نتفاجأ في المرة المقبلة كما تفاجأنا هذه المرة»، يتابع جاه، في مقابلة مع إذاعة «ان بي آر» شبه الرسمية.
ويضيف، «لا يمكن حبس الناس في بيوتهم حتى نهاية هذا الوباء بالكامل، وأفهم أن الناس بحاجة للخروج، وتمضية الوقت في الخارج أمر جيد، ولكن علينا الحفاظ على قدر معين من التباعد الاجتماعي». 
ويتابع الخبير الأميركي: «أعتقد أن ارتداء القناع مهم حقاً، والأداة الأخرى الوحيدة التي نمتلكها في صندوق أدواتنا هي زيادة نسبة الفحوصات للكشف عن المصابين، بالتزامن مع برنامج تتبع وعزل». 
ويضرب جاه، وخبراء الصحة العامة الأميركيون، المثال بدول يعتقدون أنها أبلت بلاء حسنا في مكافحة انتشار الوباء، وفي صدارتها تأتي كل من كوريا الجنوبية وألمانيا، والتي نجحت في فرض برنامج فحوص كشف مكثف، بالتزامن مع التتبع والعزل. 
والى أن تعود الموجة الثانية، في حال عادت، والى أن يتوصل العلماء لاكتشاف علاج أو لقاح، يبدو أن غالبية الأميركيين عقدت العزم على «التعايش مع كورونا»، وهو ما بدا جليا في عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، بسبب «عيد الشهداء» الذي صادف يوم الاثنين، وصادف كذلك مع ارتفاع في درجات الحرارة وتحسن في الطقس، ما دفع عشرات الآلاف إلى التنقل في سياراتهم قاصدين المنتزهات أو الشواطئ، وبدا بعض الطرق السريعة مكتظة وكأنها في «ساعات الذروة» التي تسبق ساعات العمل أو تليها عادة.
لكن الازدحام هذه المرة لم يرق في حجمه إلى أي من السنوات الماضية، إذ سجل رقماً قياسياً في معدله المنخفض، حتى أن منظمة «تريبل آي»، التي تصدر تقارير دورية عن حركة السير، أعلنت أنها لن تصدر أي تقارير هذا العام بسبب الوباء والانخفاض التاريخي في عدد المركبات على طرقات البلاد.
وفيما تبدو الولايات المتحدة في طريقها إلى التحسن والعودة إلى طبيعتها، يكاد يجمع الاقتصاديون أن أميركا لن تعود إلى ما كانت عليه تماماً قبل 3 نوفمبر، أي موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي يأمل فيها الرئيس دونالد ترامب بفوزه بولاية ثانية.
ومع إمكانية عودة الاقتصاد إلى عافيته، وإنما ببطء، ومع استطلاعات رأي تجمع على أن الديموقراطيين قد يفوزون في الانتخابات المقبلة بموجة عارمة تشبه انتصارهم الكاسح في انتخابات 2018، بدا الإحباط على ترامب، خصوصا في تغريداته، التي خصصها لإقناع مؤيديه أن الانتخابات ستكون مزيفة، وهو ما أثار رعب كثيرين، من الحزبين، من مغبة أن يرفض الرئيس الجمهوري ترك البيت الأبيض في حال خسارته، ما من شأنه أن يؤدي الى أزمة دستورية لا سابق لها في تاريخ الجمهورية الأميركية.
وفي محاولة لدفع الاقتصاد للنمو بوتيرة أسرع، واصل ترامب حضه الولايات على تخفيف القيود، بل رفعها تماماً. كما حض الأميركيين على العودة إلى ما كانوا عليه قبل الوباء والحجر. 
وفي محاولته لتأكيد أن الحياة عادت إلى طبيعتها، استغل الرئيس فرصة نهاية الأسبوع و«عيد الشهداء» ليمارس رياضة الغولف المفضلة لديه، وهو ما انقض عليه الديموقراطيون فوراً، وراحوا يبثّون دعايات متلفزة أظهرت صورا لآلاف الأميركيين المصابين بوباء «كوفيد - 19» يعانون في المستشفيات، تخللتها صور ترامب وهو يلعب الغولف في محاولة لإظهار وكأنه لا يكترث لمصير الأميركيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق