الخميس، 28 مايو 2020

روسيا تكثف مساعيها لتسوية في سورية لمواجهة... خطر اندلاع «انتفاضة جياع»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يرى مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن إعلان مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون عقد لقاءات للجنة الدستورية السورية في جنيف، في أول فرصة يسمح فيها انحسار فيروس كورونا المستجد، بالسفر واللقاءات، يشي بادراك روسيا أن الانتصار الذي تعتقد أنها حققته في سورية صار في خطر، وأن نظام الرئيس بشار الأسد صار ضعيفاً جداً وغير قادر على تفادي اندلاع مجاعة كان حذّر منها برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة. 
ويعتقد المسؤولون أن مع اقتراب روسيا من استعادة سيادة الأسد على معظم الأراضي السورية، برز ما أهو أخطر لبقاء النظام من المعارضة المسلحة: الفقر المدقع والمجاعة. ويعتبرون أن أولى بوادر اندلاع انتفاضة جياع بين السوريين بدأت تظهر في الجنوب.
وتتألف اللجنة الدستورية من 150 عضواً، ثلثهم من النظام، وثلثهم من المعارضة، والثلث الأخير من ممثلي المجتمع المدني عينتهم الأمم المتحدة. 
إلا أن الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» تشارلز ثيبو، يرى أن روسيا وتركيا تسيطران على الثلث الذي يفترض أنه يمثل المجتمع المدني، وأن موسكو تسعى لاستغلال مفاوضات هذه اللجنة للتظاهر وكأن السوريين توصلوا الى حل، وهو ما يؤدي الى رفع العقوبات عن سورية والإفراج عن أموال المساعدات الغربية لإعادة الإعمار، وهو ما يفتح لأصدقاء الرئيس فلاديمير بوتين وشركاتهم أبواباً لعقود كثيرة وأرباح.
أما في حال استمرار العقوبات على سورية، ومع دخول سلسلة جديدة منها حيز التنفيذ، يوم الاثنين، في إطار «قانون قيصر» الذي وافق عليه الكونغرس ووقعه الرئيس دونالد ترامب، فان آمال الروس المعلقة على العقود في سورية لن تخيب فحسب، بل ان تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السورية الذي ينذر بانفجار اجتماعي قد يطيح بالأسد ونظامه، فيخسر الروس كل شيء. 
«لسنوات»، كتب ثيبو على موقع معهده، «حاول مبعوثو الأمم المتحدة التوصل الى تسوية سياسية بين الأطراف السورية، لكنهم وجدوا أنفسهم مشلولي الحركة من قبل موسكو، التي كانت تحمي النظام من عواقب رفضه التفاوض مع المعارضة». 
لكن الروس أبدوا اهتماماً بموضوع الإصلاح الدستوري، «فصار العمل من أجل وضع دستور (سوري) جديد محور نقاش بين الولايات المتحدة وروسيا، في مارس 2015» 
بعد شهرين، قدمت موسكو المسودة الأولى التي رفضتها - بشكل قاطع - كل فصائل المعارضة، وقدمت مسودة ثانية في يناير 2017، مع رفض مماثل من المعارضة. 
مع ذلك، يقول ثيبو، اقترح الروس، في مايو 2017، «مؤتمر مصالحة وطنية في سوتشي، ثم ساعدوا النظام على اختيار الفصائل السورية التي ستتم دعوتها لمناقشة دستور جديد، وبحلول نهاية ذاك العام، ظهر الإصلاح الدستوري باعتباره أحد المكونات الأساسية لمذكرة دا نانغ، التي أصدرها بوتين وترامب»، خلال لقائهما في المدينة الفيتنامية آواخر العام 2017. 
وقتذاك، كما اليوم حسب الباحث الأميركي، «بدت موسكو وكأنها تنظر إلى الإصلاح الدستوري كإطار مرن لبدء عملية ديبلوماسية دولية، وكتم صوت المنتقدين الغربيين، مع الحفاظ على نهجها السياسي، والحد من نطاق أي تغيير في سورية، رغم أن قرار مجلس الأمن 2254 دعا إلى عملية سياسية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية هي حكومة انتقالية، وانتخابات حرة ونزيهة، ودستور جديد». 
لكن موسكو قامت بتخفيف النقاش تدريجياً حتى صار ينحصر بموضوع الدستور وحده.
إلا أن الوقت ليس في مصلحة روسيا، ففي الثامن من مايو الجاري، حذّر ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، مجموعة من الأميركيين في «مجلس الأطلسي» من إمكانية اندلاع مجاعات قاسية في عدد من الدول، منها سورية. 
وفي ندوة عبر الإنترنت، دعا المسؤول الأممي، واشنطن الى زيادة مساهمتها في دعم عمل وكالته. وقال إنه «في عام 2019، ساهمت الولايات المتحدة بـ 3.4 مليار دولار للبرنامج، أي نحو 40 في المئة من إجمالي تمويله، أما هذا العام، فبلغت المساهمات حتى الآن 1.62 مليار دولار، تصدرتها 415 مليون دولار من الولايات المتحدة، و265.2 مليون من ألمانيا، و148.8 مليون من السويد».
وفي تقريره الأخير عن عملياته في سورية، أعلن برنامج الغذاء العالمي، أن «أسعار المواد الغذائية واصلت ارتفاعها بنسبة 16 في المئة من مارس إلى أبريل. كما ارتفع سعر سلة الغذاء الوطنية لبرنامج الأغذية العالمي بنسبة 111 في المئة، مقارنة بما كان عليه قبل عام، ليصل إلى أعلى المستويات المسجلة منذ بداية الأزمة».
ومع ارتفاع أسعار الغذاء في سورية وانخفاض في احتياطات النقد المتوافرة لبرنامج الغذاء، قام المسؤولون الأمميون بتخفيف عدد السعرات الحرارية اليومية التي يقدمونها للمحتاجين السوريين، وحذر البرنامج من أن المضي في الانخفاض قد يؤدي الى انتشار المجاعة.
«يحتاج برنامج الغذاء العالمي إلى 283 مليون دولار لمواصلة العمليات حتى أكتوبر 2020»، بحسب ما ورد في التقرير الأممي. «وبسبب قيود التمويل، ولتقنين الموارد المتاحة، اضطر البرنامج إلى تخفيض السعرات الحرارية لسلة الغذاء في شمال غربي سورية، بشكل طفيف، ابتداء من أبريل». 
وأضاف التقرير أنه «من دون تمويل إضافي، يمكن توقع المزيد من التخفيضات في السعرات الحرارية في الأشهر المقبلة».
وتابع أن «الاقتصاد السوري في تدهور، مع انخفاض في قيمة العملة الوطنية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بوتيرة متسارعة، وهذه أزمة تتفاقم مع آثار جائحة كوفيد - 19، بما في ذلك الإقبال السريع على الشراء للتموين استباقا لتدابير الحكومة مثل القيود على الحركة».
وسبق لبرنامج الغذاء العالمي، أن أورد، في تقريره السنوي، أن 7.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 22 في المئة في عام واحد فقط، وأن«الأزمة الاقتصادية الحادة أدت إلى مستويات من انعدام الأمن الغذائي... وهو ما اضطر بعض الأسر الى تخفيض وجباتها اليومية من ثلاث وجبات إلى وجبتين، وهناك زيادة في عدد الأشخاص الذين يشترون المواد الغذائية عن طريق الاستدانة، فيما تبيع العائلات الأصول والماشية لتوفير المزيد من الإيرادات».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق