الخميس، 11 يونيو 2020

سياسة بايدن تجاه إيران... مرشحاً و«رئيساً» ... وعود الحملات تمحوها تفاصيل الواقع

حسين عبدالحسين
جريدة الراي

بعد أيام من إعلان الرئيس دونالد ترامب، انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، في مايو العام 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية أحادية على طهران، تواصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع جون كيري حول أفضل الخيارات المتاحة، فما كان من وزير الخارجية الأميركي السابق، الّا أن نصح صديقه الإيراني بانتظار خروج ترامب من البيت الأبيض في يناير 2021، حتى يقوم خليفة ترامب، الديموقراطي بالعودة إلى ما قبل الانسحاب الأميركي، ورفع العقوبات.
الخبراء الأميركيون يعتقدون أن طهران التزمت نصيحة كيري إلى حد بعيد، وراهنت على منافسيه الديموقراطيين. لم يكن نائب رئيس السابق جو بايدن، خيار إيران الأول، بل كان منافسه السناتور بيرني ساندرز، الذي قاد حملته الانتخابية أكثر الأميركيين حماسة للانفتاح على النظام الإيراني من دون شروط، من أمثال مدير الحملة عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا رو خانا ومستشارها لشؤون السياسة الخارجية مات دس.
لكن ساندرز لم يفز، بل اقتنص بايدن ترشيح الديموقراطيين. وفيما يعتقد البعض أن سياسة بايدن الخارجية ستكون، حتماً، تتمة لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما، إلّا أن الأمور أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. فبايدن، الذي أمضى عقوداً في مجلس الشيوخ وترأس لجنة الشؤون الخارجية فيه، كان أقرب إلى الوسط سياسياً منه إلى اليسار، الذي كان أوباما ينتمي إليه.
وبعدما دخل الرجلان البيت الأبيض، سلّم أوباما، بايدن ملف السياسة الخارجية، ولكن تنفيذياً فقط، فأوباما كان الرئيس، وكان تالياً صاحب الكلمة العليا، وبايدن وضع رأيه جانباً، ونفّذ رؤية رئيسه بأمانة.
هذا يعني أنه لو أصبح بايدن رئيساً، بدلاً من ترامب، فإن حظوظ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية ورفعها العقوبات عن إيران لن يكون أمراً محسوماً، خصوصاً في حال أدت الانتخابات إلى فوز الديموقراطيين بغالبية مجلس الشيوخ. فالمجموعة الديموقراطية من الشيوخ يترأسها السناتور عن ولاية نيويورك تشاك شومر، وهو أبدى معارضة شرسة لتوقيع الاتفاقية النووية أصلاً، في 2015، ما دفع لمواجهته رئيس حزبه، وهي من المرات القليلة التي تحصل فيها هذه المواقف.
أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، فصحيح أنها تأتي من مقاطعة انتخابية ذات وزن إيراني - أميركي، وهو ما يدفعها إلى رفع الصوت ضد انسحاب ترامب من الاتفاقية وضد قتله قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إلّا أن بيلوسي تتخذ مواقف من هذا النوع في إطار المواجهات السياسية ضد خصومها الجمهوريين... لكن لو كان الرئيس الذي انسحب من الاتفاقية، ديموقراطياً، لالتزمت بيلوسي الصمت في الغالب.
أما الشخصيات التي ستقوم بأدوار محورية في المساهمة في رسم سياسة بايدن تجاه إيران، فيتصدرها وكيل وزارة الخارجية السابق بيل بيرنز، والمقرب من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والذي عمل بعد خروجها من الوزارة مستشاراً للأمن القومي لبايدن، وهو جايك سوليفان.
وسوليفان كان مستشار السياسة الخارجية في حملة كلينتون أثناء ترشحها عن الحزب الديموقراطي ضد ترامب، في 2016، وهو اليوم يلعب الدور نفسه داخل حملة بايدن. والاثنان، بيرنز وسوليفان، هما من مصممي ومفاوضي الاتفاقية مع إيران.
ومنذ خروج الديموقراطيين من البيت الأبيض، بدت مواقف سوليفان تجاه إيران وكأنها مبنية على نكايات سياسية فحسب، لا استراتيجية معينة، أي أنه على غرار بقية الديموقراطيين المعارضين للحكم، يتبنى سوليفان مواقف معاكسة لمواقف ترامب والجمهوريين أياً تكن هذه المواقف.
هكذا، عندما أعلن ترامب انسحابه من الاتفاقية النووية، شكك سوليفان بقدرة واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية موجعة لوحدها، ومن دون مشاركة حلفائها أو دول العالم الأخرى. وكتب في مجلة «اتلانتيك» أن «العقوبات تكون أكثر فاعلية عندما يتعاون العالم بنشاط مع الولايات المتحدة للضغط على إيران، وأقل فعالية بكثير عندما يتعاون العالم بنشاط مع إيران لإحباط الولايات المتحدة من خلال البحث عن الحلول لالتفاف على العقوبات».
إلّا أن سوليفان ناقض نفسه في الثاني عشر من مايو الماضي، وقال في ندوة عبر الانترنت إن «انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية الدولية وإعادة فرض العقوبات على طهران، أثبت قوة الدولار والنظام المالي الأميركي، وأظهر أنه كان كافياً لفرض خفض إنتاج النفط الإيراني».
تكرر خطأ توقعات سوليفان في الشأن الإيراني بعد اغتيال سليماني، مطلع هذا العام، إذ - ككل الديموقراطيين - حذّر من عواقب مقتل سليماني، وكتب مقالة وقّعها وبيرنز في«اتلانتيك»، توقعا فيها ردة فعل إيرانية «ستكلف الولايات المتحدة أكثر بكثير من تكلفة مقتل سليماني إيران».
ورأى المسؤولان السابقان أن «في وفاته، قد ينفّذ سليماني فعله النهائي للانتقام من الولايات المتحدة».
وكما توقعاته الفاشلة حول عدم قدرة أميركا وحدها على فرض حصار على إيران، تبيّن أن توقعات سوليفان وبيرنز حول ردّ فعل طهران على مقتل سليماني فاشلة كذلك، إذ اقتصر الرد الإيراني على إطلاق صواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق، لم تؤد إلّا إلى ارتجاجات في الدماغ لدى عشرات العسكريين الأميركيين والعراقيين.
هذا يعني أننا أمام سؤال: كيف سيتصرف سوليفان تجاه إيران، في حال فوز بايدن بالرئاسة، وتبوؤيه منصباً رفيع المستوى في السياسة الخارجية؟
قبل مقتل سليماني بأشهر قليلة، أي في أكتوبر 2019، كتب سوليفان وبيرنز مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز»، جاء فيها:«سيكون على الإيرانيين أن يصبحوا أكثر واقعية، إذ من غير المعقول الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستقدم تخفيفاً كبيراً للعقوبات من دون تأكيدات أن طهران ستبدأ على الفور بمفاوضات بشأن اتفاقية إضافية تمدد على الأقل أوقات انتهاء صلاحية الاتفاقية الأولى، وتعالج قضايا التفتيش والصواريخ البالستية العابرة للقارات».
وأضاف سوليفان وبيرنز: «عرف الإيرانيون منذ المحادثات السرية (في سلطنة عمان) أننا رأينا الاتفاقية كعملية تتطلب تحديثاً وتطويراً، بما في ذلك ضبط الأسلحة الأخرى، فكانت الاتفاقية النووية الحجرالأساس لمزيد من المفاوضات، وكان القصد من الاتفاق النووي أن يكون بداية، وليس نهاية، للديبلوماسية مع إيران».
وختم الرجلان: «إذا طلبتم منا اقتراح مسار للديبلوماسية مع إيران، فإننا نقترح عدم البدء من حيث نحن اليوم، لكننا نحن حيث نحن، ونعلم إلى أين نتجه... ويجب أن نغتنم فرصة الديبلوماسية».
ليس محسوماً أن بايدن سيعود على الفور إلى الاتفاقية النووية في حال فوزه بالرئاسة، فوعود الحملات الانتخابية تمحوها تفاصيل الواقع، وهو ما حدث تماماً لأوباما الذي أصرّ على أنه سيسحب القوات الأميركية من العراق في ستة أشهر من تسلمه الرئاسة مطلع 2009... ولم تنسحب هذه القوات حتى نهاية 2011، وهو ما يشي بأن ما سيفعله بايدن لن يكون عكس سياسة ترامب تجاه إيران، بل سيبني عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق