السبت، 13 يونيو 2020

الجمهوريون «يبتعدون» عن ترامب ويحبسون أنفاسهم حتى صدور كتاب بولتون

واشنطن - من حسين عبدالحسين

التغيير في الولايات المتحدة يجري على نطاق أوسع وأعمق بكثير مما يقدمه الإعلام الأميركي أو تتصوره بقية العالم.
كل موقع، وكل شركة، وكل مؤسسة، أصدرت بيانات تشرح فيها الإجراءات التي باشرت باتخاذها لمناصرة السود ومكافحة التمييز.
تفتح موقع «نتفلكس»، تظهر صفحة تعلن أن الموقع أعدّ سلسلة من الأفلام الوثائقية وغير الوثائقية التي تشرح معاناة الأميركيين من أصول أفريقية. تطلب مأكولات من خدمة التوصيل الى المنازل، يصل مع الأكل بياناً مطبوع يشرح فيه المطعم الخطوات التي اتخذها لزيادة عدد العاملين السود فيه، ولزيادة رواتبهم ومساواتها بنظرائهم من الأعراق الأخرى، والأهم، منحهم يوم الانتخابات عطلة مدفوعة الأجر. هكذا، يدرك رأس المال الأميركي فداحة الموقف والتغيير الجذري والواسع في المزاج العام الذي يطول الولايات المتحدة بعد مقتل الأسود جورج فلويد على أيدي الشرطي الأبيض ديريك شوفين في ولاية مينيسوتا الشمالية. حتى أعتى مؤسسات البيض المؤيدة للجمهورين، مثل «جمعية سباق السيارات» المعروفة باسم «ناسكار»، أصدرت سلسلة من القرارات كان أهمها منع رفع أي من الجمهور اعلام الكونفيديرالية الأميركية، الدولة الجنوبية التي أعلنت انشقاقها منتصف القرن التاسع عشر لرفضها تحرير العبيد، فأشعلت حرباً أهلية ضد الشمال الذي فاز في الحرب وحرر العبيد، وأعاد توحيد البلاد.
لكن بعض البيض لايزال يرفع أعلام الكونفيديرالية الجنوبية، وهو ما يزعج السود لأنه يمثل الدولة التي رفضت انهاء العبودية.
التغيير الواسع طال معاقل الجمهوريين ووصل الكونغرس، فأعلنت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الجمهورية، بدء تغيير اسماء عشرة قواعد عسكرية تحمل اسم جنرالات ومسؤولين راحلين من كونفيديرالية الجنوب. وفي مجلس النواب، انضم زعيم الأقلية الجمهورية كيفين ماكارثي الى الغالبية الديموقراطية وأعلن تأييد كتلته وحزبه لقوانين إصلاح الشرطة والعدالة من أجل الأميركيين من أصول أفريقية.
وحده ترامب بقي عصياً على التغيير الذي يجتاح البلاد، اما من دون علم، واما بعلم ولكن لاعتقاده أن قوته الانتخابية تكمن في الصورة التي رسمها عن نفسه كحامي البيض من التغيير ومن أي تعديلات لمصلحة الأقليات. هكذا رفض اقتراح تغيير اسماء القواعد العسكرية، قبل أن يقول المشرعون الجمهوريون في الكونغرس كلمتهم. مع ذلك، افترق جمهوريو الكونغرس عن رئيسهم، وأعلنوا بدء تشريع لفرض تغيير هذه الأسماء.
و«ناسكار» وجمهوريو الكونغرس لم يكونوا وحدهم ممن تركوا ترامب، اذ رصد المتابعون تغييراً واسعاً في صفوف القاعدة الجمهورية، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، برزت موجة من اليمين المحافظ المطالبة بإصلاح الشرطة وانصاف السود، فيما أظهرت استطلاعات الرأي تأييداً واسعاً لدى البيض لعملية تعزيز المساواة مع السود.
أما ترامب، فراح يتمسك بشعارات رفعها متطرفو الحزب الديموقراطي، وعارضها قادة الحزب بكل أطيافهم، من رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي والمرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن، الى المرشح السابق للرئاسة السناتور الذي يتمتع بنفوذ لدى اقصى يسار الحزب بيرني ساندرز.
الديموقراطيون عارضوا الدعوات لحجب التمويل عن أجهزة الشرطة أو تفكيكها، لكن ترامب تمسك بالشعار لتفنيده، وراح يتهم الديموقراطيين، في تغريدات، بأنهم يريدون تفكيك الشرطة حتى تعم الجريمة، وأنه الوحيد الذي سيمنع ذلك.
على الرغم من محاولاته، لم يلاق تحريض ترامب ضد الديموقراطيين صدى واسع، بل إن الرئيس عانى من بعض التهكم بعدما أعلن منظمو خطاباته الانتخابية الحاشدة، التي ينوي استئنافها هذا الأسبوع، أن حملته ستجبر مناصريه على توقيع وثيقة اعفاء مسؤولية في حال إصابتهم بفيروس كورونا المستجد أثناء مشاركتهم.
وكان ترامب أجبر الحزب الجمهوري على نقل المؤتمر الحزبي العام لترشيحه لولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، من ولاية جورجيا إلى ولاية فلوريدا، بعدما اشتبك مع مسؤولي جورجيا، الديموقراطيين، حول امكانية السماح للمشاركين في المؤتمر بمشاركتهم من دون كمامات طبية للوقاية من مخاطر انتقال فيروس كورونا.
وفلوريدا يديرها جمهوريون، وكان ترامب أعلنها ولاية إقامته بعدما نقل إقامته إدارياً من نيويورك، بعدما باشر مسؤولو نيويورك الديموقراطيون في التحري عن بياناته الضريبية.
وفلوريدا هي من الولايات المتأرجحة دائماً، والتي يتسابق الحزبان على الفوز بها في الانتخابات الرئاسية كمفتاح وصول مرشحيهما إلى البيت الأبيض. ويأمل ترامب أنه، بعدما أعلنها ولايته، أن يساهم ذلك في فوزه فيها، لكن استطلاعات الرأي تشير الى تأخره عن منافسه بايدن في الولاية بنقطتين ونصف نقطة مئوية.
والى تأخره في فلوريدا، يعاني الرئيس تفوق بايدن عليه في ويسكونسن وميشيغن، اللتين فاز بهما ترامب في العام 2016 بأقل من نقطة مئوية واحدة، وساهمتا في تتويجه رئيساً. لكن هذه المرة، يتأخر ترامب في ويسكونسن وميشيغن بأكثر من ست نقاط مئوية في كل منهما، وهو فارق شاسع، ان استمر، يعني استحالة فوز ترامب بولاية ثانية.
في جورجيا وتكساس، يكتب الخبير جيفري سكيلي على موقف «فايف ثيرتي آيت» المتخصص، «لا يزال ترامب في الصدارة بفارق نقطة واحدة ونقطتين على التوالي، وهذا هامش ليس كما يفترض أن يتوقع المرء لترامب، خصوصاً إذا ما اخذنا في الاعتبار، أنه فاز بجورجيا بخمس نقاط وتكساس بتسع في 2016».
ويضيف سكيلي: «إذا صار ثلاثي الولايات متأرجحاً وسط احتمال أن تميل أريزونا إلى الديمقراطيين، سيعطي ذلك بايدن العديد من المسارات الإضافية لتخطي عتبة الـ270 صوتاً» المطلوبة في الكلية الانتخابية للفوز بالرئاسة.
وزاد في مصاعب ترامب الجمهورية، قبل ذهاب واشنطن الى عطلة نهاية الأسبوع، البيان الذي أصدرته دار نشر «سايمون اند شوستر» وقدمت فيه مقتطفات من كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، الذي سيصدر في 23 يونيو الجاري بعنوان عنوان «ذا رووم وير إت هابند: وايت هاوس ميموار» (الغرفة التي حدث فيها ذلك: مذكرات البيت الأبيض)، قال فيها إن «مجلس النواب في الكونغرس ارتكب خطأ بالسعي لمحاكمة ترامب بالتركيز بشكل ضيق على أوكرانيا، فيما تجاوزات ترامب في الواقع تشمل النطاق الكامل لسياسته الخارجية».
وحذر ترامب مطلع العام الحالي، بولتون من نشر الكتاب طالما أنه موجود في البيت الأبيض، بينما أكد محامو الرئيس أن أجزاء كبيرة من المعلومات الواردة في كتاب المذكرات سرية.
لكن دار النشر في بيان وزع على الصحافيين في إطار حملتها للترويج للكتاب «هذا هو الكتاب الذي لا يريدك دونالد ترامب أن تقرأه».
وفي تحدٍ للبيت الأبيض يقول بولتون في الكتاب «أشعر أنني تحت ضغط كبير يتمثل بضرورة ذكر قرار واحد مهم اتخذه ترامب خلال فترة عملي لم يكن مدفوعا بحسابات إعادة انتخابه».
وكان صانع السياسات الجمهوري المحافظ المتشدد، استقال من منصبه في سبتمبر الماضي بعد خلافات مع الرئيس الأميركي، خصوصاً حول كوريا الشمالية وحركة «طالبان» في أفغانستان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق