الخميس، 4 يونيو 2020

ترامب «الخائف» من خسارة السود يُقارن نفسه بمحرّرهم... لينكولن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تراجع دونالد ترامب عن خطابه الداعي إلى «مبادلة العنف بالعنف»، ربما بسبب انحسار عمليات تكسير واجهات المحال التجارية والسرقة، وربما بسبب خوفه من النقمة المتصاعدة تجاهه بين الأفارقة الأميركيين، الذي يشكّلون 13 في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 340 مليوناً، وهو ما بدا جليّاً في تغريدات الرئيس الأميركي، التي غابت عنها الدعوة إلى استخدام القوة ضد مثيري أعمال الشغب، وحلّت مكانها سلسلة من التغريدات التي حاول فيها التباهي بما يحسبها فضائله على السود، والإنجازات التي حققها لهم.
وقام ترامب بتثبيت تغريدة على رأس صفحته قال فيها: «قدمت إدارتي لمجموعة السود أكثر من أي رئيس منذ أبراهام لينكولن، وقمنا باقرار قانون مناطق الفرص بالاشتراك مع السيناتور تيم سكوت، فضلا عن قانون ضمان التمويل لجامعات السود، وبرنامج اختيار المدارس، وإصلاح العدالة الجنائية، (كما حققنا) أدنى معدلات بطالة عند السود، و(أدنى معدلات) فقر، و(أدنى) معدلات جريمة (في مناطق السود) في التاريخ».
وفي تغريدات أخرى، وجه الرئيس الأميركي سهام هجومه ضد جو بايدن منافسه الديموقراطي، في انتخابات الرئاسة في الثالث من 3 نوفمبر المقبل، وكتب: «في ثلاث سنوات ونصف السنة، فعلت الكثير لسكاننا السود أكثر مما فعله جو بايدن في 43 سنة. في الواقع، (بايدن) أعادهم الى الوراء مع قانون الجريمة الذي أقرّه، وهو قانون لا يتذكره أحد حتى». 
وتابع ترامب: «لقد قدمت أكثر للأميركيين السود، أكثر من أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، مع الاستثناء المحتمل لرئيس جمهوري آخر، الراحل العظيم، أبراهام لينكولن». 
وختم مؤكداً: «الديموقراطيون يعرفون ذلك، وكذلك (وسائل) الأخبار المزيفة، لكنهم يرفضون كتابة ذلك أو قوله لأنهم فاسدون بطبيعتهم»!
لكنه على الرغم من محاولاته اليائسة، بما في ذلك مقارنة نفسه بالرئيس لينكولن، الذي حرّر السود من العبودية، والذي يعتبره الأميركيون أعظم رئيس لهم في التاريخ، لم ينجح ترامب في تسليط الاهتمام على ما يراها فضائله على الأفارقة الأميركيين، بل ان الأضواء تسلّطت على الرئيس السابق باراك أوباما، الأسود الذي يحظى بشعبية عارمة في أوساط أبناء جنسه. 
وفي حوار عبر الانترنت نظمته جمعيته، أطلّ أوباما ومعه وزير عدله السابق اريك هولدر، وهو من السود كذلك، وشاركا في حوار للتعليق على آخر المستجدات. 
ومنذ خروجه من الحكم مطلع العام 2017، انخرط أوباما، ومعه هولدر، في مشروع انهاء التلاعب برسم الدوائر الانتخابية داخل الولايات، والتوصل الى قانون عادل ينصف كل الناخبين ويجعل تمثيلهم عادلاً في مجلس النواب. وتركزت جهودهما على اللجوء الى المحاكم لإبطال ترسيم الدوائر الانتخابية التي يرونها غير عادلة.
ومنذ اندلاع التظاهرات وأعمال الشغب، على اثر قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد، في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الشمالية، قبل نحو عشرة أيام، حاول أوباما تهدئة غضب السود، وانخرط في عملية اتصالات واسعة مع قادة المجموعة الأفريقية الأميركية، وكتب مقالتين، وكانت الندوة عبر الانترنت آخر إطلالاته. 
ورحب أوباما، الأربعاء، بـ«تغيير العقلية» لدى المتظاهرين ضد العنصرية والعنف الذي تمارسه الشرطة، معتبراً أنه قد يؤدي إلى إصلاحات على المستوى الوطني. 
وقال أوباما (58 عاماً)، إن الاحتجاجات الحالية ترسم «صورة أكثر تمثيلاً لأميركا» من حركات الحقوق المدنية التي حدثت في ستينات القرن الماضي. 
فعلياً، تحول أوباما إلى الرئيس «معنوياً» لقطاعات واسعة من الأميركيين، خصوصا بعدما بدا ترامب على عادته، غير جدي ومنهمكا في الدعاية الانتخابية وتسويق نفسه.
على أن أوباما يخشى من أن تشكل سرقته الأضواء خرقاً للتقاليد الأميركية القائلة بوجوب التزام الرؤساء السابقين، الصمت، أو تعليقهم على مواضيع الساعة من دون ذكر الرئيس الذي يسكن البيت الأبيض. 
هكذا، قام كل من الرئيسين الديموقراطيين السابقين جيمي كارتر وبيل كلينتون بمهاجمة ترامب وسياساته، من دون تسميته، ومثلهما فعل الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، الذي هاجم ترامب وسياساته من دون أن يسميه.
المسألة الثانية التي تقيّد يدي أوباما، هي سعيه الى عدم سرقة الأضواء من صديقه ونائبه سابقاً ومرشح حزبه للرئاسة حالياً بايدن، الذي يسعى بدوره إلى تقديم صورة الرئيس البديل والعاقل الذي يسعى الى رأب الصدع، وجمع الأميركيين، والقضاء على بقايا التمييز العنصري التي تطاول الأفارقة الأميركيين. 
هكذا، تقتصر دعوات أوباما على نبد العنف والتمسك بسلمية كل التظاهرات، وفي الوقت نفسه، تكرار الدعوات للسود للاقتراع بكثافة، لا لبايدن ضد ترامب فحسب، بل للمرشحين لمناصب محلية في حكومات مقاطعاتهم وولايتهم. 
وفي الولايات الخمسين، 3141 مقاطعة (كاونتي) لكل منها جهاز شرطة خاص بها، وهو ما يعني أن اصلاح الاجهزة التي لا تزال تمارس العنف بشكل أكثر من المقبول ضد الأميركيين يجري على مستوى محلي جداً، بعيداً كل البعد عن واشنطن والحكومة الفيديرالية، باستثناء خطوط عامة مشتركة، مثل مبدأ «الحصانة المخصصة»، وهو مبدأ يوازن بين التعديل الرابع للدستور، والذي يحظر على أي سلطة تجاوز خصوصيات المواطنين، بما في ذلك أي ما يحملونه (مثل هواتفهم) أو أي ما يقودونه (مثل سياراتهم) أو أي ما يسكنونه (مثل بيوتهم وحتى غرف فنادقهم)، وبين صلاحيات الشرطة في تفتيش المشتبه بهم.
ومبدأ «الحصانة المخصصة» يحمي رجال السلطة ممن يقومون بتطبيق القوانين من المحاكمات بحقهم، اذ ان قيامهم بقتل أي مواطن يكون عادة في إطار وظيفتهم الحكومية، لا لثأر شخصي. 
ومنذ كانت الولايات المتحدة عاصمة الجريمة في العالم في الثمانينات، قامت أجهزة الشرطة بتبني أساليب أكثر قسوة في التعامل مع أي من يتجاوز القوانين، وهي أساليب نجحت في تخفيض معدلات الجريمة الى أدنى مستوياتها، وأعادت المدن الى الحياة الطبيعية. 
لكن مواصلة بعض أجهزة الشرطة لهذه الأساليب أدى الى رفع معدلات القتل التي ترتكبها الشرطة اثناء قيامها بمطاردة أو اعتقال مواطنين، حتى ممن لا تثبت عليهم أي تهم. لذا، تقوم عدد من الجمعيات الحقوقية بالترافع أمام المحكمة الفيديرالية العليا لاعادة النظر بمدى الحماية التي يقدمها مبدأ «الحصانة المخصصة»، وهو نقاش ما زال مندلعاً.
على أن الضغط الشعبي أدى الى بعض التغييرات، اذ تظهر الأرقام انخفاضا بمعدل 30 في المئة في عدد ضحايا الشرطة في 30 مدينة أميركية، منذ العام 2014، وذلك بسبب الاصلاحات الجاري تطبيقها. 
الأرقام نفسها تشير الى ارتفاع في نسبة القتلى في المقاطعات، خصوصا الريفية، التي لم تطبق الاصلاحات بعد، وهو ما أدى لارتفاع في نسبة القتلى في صفوف البيض والأميركيين من أصول أميركية جنوبية، مقارنة بالسود الذين تسكن غالبيتهم المدن.
إصلاح أجهزة الشرطة التي تعاني من زيادة في استخدام العنف في صفوفها جار على قدم وساق، ومعه النقاش حول القوانين المانحة للحصانة للشرطة. أما دعوة أوباما للمشاركة في الانتخابات، فهي أثمرت حتى الآن انتخاب الأفريقية الأميركية ايلا جونز لمنصب عمدة مدينة فيرغيسون، في ولاية ميسوري، وهي مدينة شهدت تظاهرات في 2014 على اثر قتل شرطي أبيض لمراهق أسود من دون سبب واضح. 
وقالت جونز إن أولى أولوياتها سيكون إصلاح قسم الشرطة، وهو ما يشي بأن الاصلاح جار من كل حدب وصوب. وحده ترامب، الذي لا ينخرط في عملية الاصلاح هذه، يحاول الافادة من الاحداث لتحفيز قاعدته من البيض وإظهار نفسه على أنه حاميهم القوي، رجل الأمن والنظام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق