الثلاثاء، 9 يونيو 2020

واشنطن تترقب موجة تغيير شعبية انتخابية قادمة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لا يعرف السياسيون الأميركيون حجم التغيير الذي أطلقه مقتل المواطن الأسود جورج فلويد على أيدي الشرطي الأبيض ديريك شوفين. لكن السياسيين، من الحزبين، يعلمون على وجه اليقين أن التغيير في صناديق الاقتراع قادم، وأن عليهم التحسب له، ومحاولة مماشاته، وركوب الموجة الشعبية التي أطلقها.
حتى الرئيس دونالد ترامب، الذي قلّما يتراجع في مواقفه، بدا مربكاً بعدما أظهر أحدث استطلاعات الرأي الذي أجرته شبكة «سي أن أن» انخفاض شعبيته إلى ما دون أربعين في المئة، وحاول تبرير ذلك بالقول إنه قام بتوظيف شركة متخصصة بالاستطلاعات، أبلغته أن الاستطلاع تشوبه مشكلة معروفة بـ«كبح أصوات» الجمهوريين. 
واتهم ترامب، الديموقراطيين بنشر نتائج من هذا النوع لإحباط عزيمة الناخبين الجمهوريين والإيحاء لهم بأن الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل محسومة ضدهم، ما يدفعهم إلى البقاء في المنازل وعدم الخروج للتصويت.
وقال ترامب في تغريدة إنه «على الرغم من ثلاث سنوات ونصف السنة من صيد الساحرات»، وهو الاسم الذي أطلقه على التحقيقات في تورط حملته مع جهات حكومية روسية للتأثير في مسار انتخابات العام 2016، «إلا أننا نفوز، وسننهي الموضوع في 3 نوفمبر». 
وفي بيان أصدرته شركة «ماكلوفلين وشركائه» التي وظفها ترامب، ذكرت أن «الاستطلاعات الإعلامية الأخيرة منحرفة بشكل مقصود، إذ من الواضح أن شبكات أن بي سي وأي بي سي وسي أن أن، يعمل فيها ناشطون ديموقراطيون من أمثال تشاك تود وجورج ستيفانوبولوس وغيرهم من الديموقراطيين ممن يشرفون على العمليات الإخبارية، ويحرضون على إجراء استطلاعات رأي يكون الجمهوريون فيها أقل تمثيلاً بين المستفتين، وهو ما يؤدي إلى نتائج متحيزة».
وأضاف البيان أن من المستفتين، شكل الديموقراطيون 32 في المئة، فيما شكل الجمهوريون 25 في المئة فقط. 
ويظهر الاستطلاع أن 44 في المئة من المستفتين عرّفوا عن أنفسهم كمستقلين لا ينتمون إلى أي من الحزبين، وهو ما يعني «أن التحيز إستراتيجية مقصودة لقمع تصويت الجمهوريين في نوفمبر، وأن الأوان قد فات لإلحاق الهزيمة (بالمرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق) جو بايدن، وأنه فات الأوان كذلك لفوز الرئيس ترامب». 
ومضت الشركة التي استأجر ترامب خدماتها في اجتهاداتها السياسية الخارجة عن خبرتها في عالم الأرقام، فحاولت النيل من مصداقية الاستطلاع، بالإشارة إلى أنه جرى قبل يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي صدرت فيه بيانات وزارة العمل التي أظهرت أن الاقتصاد الأميركي أضاف مليونين ونصف المليون وظيفة في مايو. «يبدو أن استطلاع سي أن أن منحاز في كل من تصميم العينة، والاستبيان، وذلك بهدف تصنيع نتيجة مناهضة لترامب» من باب الدعاية الانتخابية ضده، ختم البيان.
كما أعاد ترامب بث تغريدة ردّ فيها مكتب الرئيس السابق جورج بوش على مقالة كانت نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» نفى فيها أن الرئيس السابق لا ينوي انتخاب ترامب. 
وأوضح المكتب أن بوش متقاعد ومعتزل السياسة منذ خروجه من الحكم في العام 2009، وهو لا ينوي التدخل في مجريات السياسة الأميركية. 
وكان بوش لفت الأنظار عندما أصدر بياناً، على غير عادته، على إثر مقتل فلويد، دعا فيه إلى حوار بين الأعراق.
وفي هذا السياق، أعلنت الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، الإثنين، أنّ الملياردير الجمهوري الساعي للفوز بولاية ثانية سيستأنف في غضون أسبوعين تجمعّاته الانتخابية التي جمّدها بسبب جائحة «كوفيد - 19». 
وأكّدت الحملة بذلك معلومات أوردتها مجلة «بوليتيكو» مفادها بأنّ ترامب وفريقه باتا على قناعة بأنّ التظاهرات الضخمة المناهضة للعنصرية ستقلّل من شأن الأصوات التي تعتبر استئناف التجمّعات الانتخابية في ظلّ تفشّي فيروس كورونا المستجدّ أمراً سابقاً لأوانه.
وبعدما فنّد ترامب الاستطلاعات التي تشير إلى تأخره، انتقل إلى الهجوم، وواصل بناء حملته على أساس قوته وضعف الديموقراطيين، والقوة هي التي تنشر الأمان والاستقرار وتؤدي إلى خفض معدلات الجريمة، حسب الرئيس الأميركي، الذي قال إن «هذا العام شهد أقل عدد من الجرائم في تاريخ بلدنا، والآن يريد الديموقراطيون الراديكاليون اليساريون وقف تمويل الشرطة والتخلي عنها». وتابع: «أنا آسف، لكني أريد القانون والنظام!». 
طبعا لم يذكر ترامب أن الانخفاض غير المسبوق في معدلات الجريمة سببه الحجر الصحي والإقفال شبه التام الذي عاشته البلاد.
وبدا جلياً أن الرئيس الأميركي يسعى للإفادة من شعار طرحه المتظاهرون يدعو إلى وقف تمويل أجهزة الشرطة، وقال في تغريدة ثانية: «القانون والنظام، وليس وقف تمويل الشرطة وإلغاؤها. لقد ذهب الديموقراطيون الراديكاليون إلى حد الجنون!».
وأكد الرئيس الأميركي خلال اجتماع لمسؤولي وكالات إنفاذ القانون الاتحادية والمحلية في البيت الأبيض، الاثنين: «نريد التأكد من أنه لا يوجد أي أعضاء سيئين هناك... لكن 99 في المئة منهم عظماء».
على أن الديموقراطيين أدركوا فداحة الشعار الذي يطرحه مؤيدوهم في الشارع، فسارعوا للقيام بسلسلة من الخطوات التي تعارض وقف تمويل الشرطة، وأقرّ مجلس النواب في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الديموقراطيين، قانوناً تضمن إصلاحات واسعة وجذرية لكيفية عمل أجهزة الشرطة. 
والقانون هو الأول من نوعه الذي يتعامل مع دوائر الشرطة على المستوى الفيديرالي بإصدار تشريع من الكونغرس، إذ إن هذه الدوائر تعيش في ظل لا مركزية واسعة، فتمويل كل دائرة شرطة يأتي من المقاطعة (كاونتي) التي تعمل بها (في الولايات المتحدة 3141 مقاطعة)، ويقوم سكان المقاطعة بانتخاب قائد الشرطة، المعروف باسم شريف، ونائبه. 
وفي حال وافق الجمهوريون على إصلاحات الديموقراطيين، تصبح معظم دوائر الشرطة خاضعة لسلسلة من القوانين الفيديرالية، التي تسمو على القوانين المحلية. 
ومثل الكونغرس، سارع المرشح الديموقراطي بايدن إلى إعلان معارضته لشعار وقف تمويل الشرطة. وقال أندرو بايتس، مدير «دائرة الاستجابة السريعة» في حملة بايدن، في بيان: «كما ورد في اقتراحه بشأن العدالة الجنائية قبل شهور، لا يعتقد نائب الرئيس بايدن أنه يجب وقف تمويل الشرطة». 
وتابع أن بايدن يدعم «الحاجة الملحة للإصلاح»، التي قال إنها تتضمن «تمويل المدارس الحكومية، والبرامج الصيفية، والصحة العقلية، وعلاج تعاطي المخدرات، بأموال منفصلة عن تمويل الشرطة، للسماح للشرطة بالتركيز على وظيفتها».
وختم بايتس بيانه بالإشارة إلى «خطة العدالة الجنائية» التي سبق لبايدن أن أعلنها، وتتضمن إنفاق مبلغ 300 مليون دولار إضافي لأعمال الشرطة والمجتمعات التي تستضيفها بشكل «سيحسن العلاقات بين الشرطة والسكان» وسيقدم «التدريبات اللازمة لتجنب الوفيات المأسوية غير المبررة».
كما طالب مشرعون ديموقراطيون (وكالات)، ترامب، بأن يتم فوراً تفكيك السياج الذي أقيم الأسبوع الماضي حول ميدان لافاييت في واشنطن، بسبب الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد. وذكرت الخدمة الصحافية لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الاثنين، إن بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بعثا رسالة إلى ترامب، جاء فيها أن «ساحة لافاييت يجب أن تظل، رمزاً للحرية والانفتاح، وليس مكاناً يرتجف فيه رئيس البلاد، خوفاً من المتظاهرين الذين يطالبون بالعدالة».
إلى ذلك، جثا نواب ديموقراطيون في الكونغرس على ركبة واحدة، في تكريم صامت لفلويد.
وتقدمت نانسي بيلوسي، النواب الذين جثوا على ركبهم لمدة 8 دقائق و46 ثانية، وهي المدة ذاتها التي ضغط فيها ضابط أميركي على رقبة فلويد ما أدى إلى وفاته في 25 مايو الماضي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق