الثلاثاء، 9 يونيو 2020

البلاد التي أتى منها الإسرائيليون

حسين عبدالحسين

قال الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله إنه واثق أنه سيرى اليوم الذي يعود فيه الإسرائيليون "إلى البلاد التي أتوا منها". لم يقل نصرالله ما هي هذه البلاد، لكن الخطاب العربي الخشبي المعروف، ومعه وريثته الدعاية الإيرانية، تعتقد أن الإسرائيليين غزاة مستوطنون، جاؤوا من دول أوروبا، غالبا الشرقية، مثل بولندا والمجر وغيرها.

صادف تصريح نصرالله مع الذكرى التاسعة والسبعين لعملية "الفرهود"، التي بدأت في يونيو 1941، واستهدفت يهود العراق، وأدّت، مع حلول العام 1950، الى إسقاط الجنسية العراقية عن 120 ألفا منهم، وترحيلهم إلى إسرائيل، وكانت حملة العنف العراقية غالبا بتحريض من الدعاية النازية المعادية للسامية.

ويوم وافقت جامعة الدول العربية على "مبادرة السلام" في بيروت في العام 2002، والتي تنص على اعتراف عربي بإسرائيل وتطبيع مقابل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، علت أصوات عربية مطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة اسرائيل. يومذاك، قامت وزارة الخارجية الاسرائيلية بإحصاء عدد اللاجئين اليهود ممن تم تهجيرهم من الدول العربية، مع لائحة بسندات العقارات والممتلكات التي خلّفوها وراءهم، وتركوها على عجل، واستولى على معظمها عرب من غير اليهود فيما بعد.

في خضم احتدام النقاش حول اللاجئين من فلسطين وحقوقهم، واللاجئين إلى فلسطين وحقوقهم، دأبت الفضائيات العربية على استضافة الديبلوماسي الإسرائيلي الراحل فكتور نحمياس، الذي كان يتحدث العربية بطلاقة. في إحدى الحلقات، توجه مشارك عربي إلى نحمياس بدعوته لمغادرة فلسطين والعودة إلى بلاده، فأجابه نحمياس بالعامية المصرية: "نرجع فين يا سيدي؟ تقدر ترجعلي عمارة أبويا في درب نصير (في حارة اليهود في القاهرة)؟".

نحمياس قام بتوثيق أعداد اليهود عشية انقلاب الضباط الاحرار في 1952، وخلص الى أن عددهم كان 84 ألفا. وحسب الرحالة اليهودي الأندلسي بنيامين (توفي في 1173 ميلادية)، كان لليهود في القاهرة معبدين، واحد "ليهود فلسطين ويسمى كنيس الشاميين، والثاني ليهود بابل ويسمى كنيس العراقيين".

ومثل في العراق ومصر، تعرض اليهود العرب لمضايقات أجبرتهم على الرحيل، وبلغ أعداد اللاجئين اليهود إلى إسرائيل في سنيها الثلاث الأولى، 48 ألفا من اليمن وعدن، و45 ألفا من المغرب وتونس والجزائر، و31 ألفا من ليبيا.

ومع حلول العام 1956، كان عدد يهود إسرائيل مليونا ونصف، نصفهم من العرب، أي ما يوازي عدد اللاجئين الفلسطينيين ممن غادروا فلسطين في 1948. وللمقارنة، كان عدد سكان لبنان في العام 1956 مليونا وأربعمائة ألف.

لم يأت كل اليهود إلى إسرائيل من أوروبا، بل جاء نصفهم من دول العرب، حتى أن مرسوم إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود، في العام 1950، يظهر أن ثلاثة يهود عراقيين ممن غادروا بغداد كان اسمهم نصرالله: نصرالله حسقيل شنايي، مواليد 1895، ونصرالله خضوري مردخ، مواليد 1900، ونصرالله عزرا دعبول، مواليد 1916.

الأرجح أن حسن نصرالله، أثناء تحصيل دراسته الدينية الحوزوية، كان منكبا على قراءة "شرح ابن عقيل" و"الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية"، والغالب أن مناهج التعليم الديني الشيعية لا تعدّ طلابها للتخصص في تاريخ اليهود العرب، أو تاريخ فلسطين وإسرائيل، أو التاريخ بشكل عام، غير التاريخ الديني، الذي تخالطه الماورائيات، فتشارك الملائكة في المعارك العسكرية.

والغالب أن رأي نصرالله حول تاريخ فلسطين واليهود جاء من الكرّاسات الحزبية والمقالات السياسية، وأن رأيه في القانون الدولي جاء من فتاوى المراجع الشيعية في إيران حول ضرورة مقارعة الاستكبار ونصرة المستضعفين، وهي آراء حميدة، ولكن بدون سند لها في العلوم الإنسانية من تاريخ أو قانون دولي.

لو كان نصرالله يعرف النذر اليسير من القانون الدولي، لأدرك أن دولة إسرائيل، بالحدود التي أعلنتها في العام 1948، هي دولة تتمتع بشرعية دولية تامة وكاملة، وباعتراف أكثر من 160 من دول العام الـ 195 في العالم، منها دولة فلسطين (العضو المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة)، وأن الخلاف القائم حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتمحور حول أراضي 1967، أي الضفة وغزة والقدس الشرقية. حتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، المولود في صفد الواقعة اليوم في إسرائيل، سبق أن كرر أن العرب أخطأوا بعدم قبولهم تقسيم 1948، وقال إنه لا يتوقع أن تتضمن أي تسوية مع الإسرائيليين عودة الفلسطينيين من أمثاله إلى إسرائيل.

لنفترض أن كل هذه التفاصيل لا تهم، وأن الشرعية الدولية انهارت، ونجحت إيران ومعها نصرالله في تدمير دولة إسرائيل واحتلال أراضيها، كيف يعود الإسرائيليون إلى بلادهم؟ وأي بلاد؟ الإسرائيليون من الدول العربية يبلغ تعدادهم اليوم 3.5 مليون نسمة. أين يذهب نصف مليون يهودي عراقي إسرائيلي؟ يعودون إلى العراق ويحملون علما عليه عبارة "الله أكبر"؟ يستعيدون مبانيهم في "عكد (زقاق) اليهودية" بين السوق الكبير وشارع الصادق في النجف؟ يعودون إلى حارات زليتن ومسلاته وأموطين ويدر الليبية لينخرطوا في حرب ليبيا بين "الإخوان المسلمين" والعسكر؟ وهل تتسع العقارات اليهودية في الدول العربية، إن كانت ما تزال على حالها، لتأوي أعدادهم التي تضاعفت خمس مرات منذ هجروها؟ للمقارنة، لبنان، الذي يستقبل مليون لاجئا سوريا، يشتكي ليل نهار من عبء إقامتهم.

قول نصرالله أن الإسرائيليين سيعودون "إلى البلاد التي أتوا منها" هو تصريح أساطيري، شاعري، غير واقعي لناحية تنفيذه، هذا إن آمنا أن سبعة ملايين يهودي إسرائيلي، وترسانتهم، سيلقون سلاحهم ويرحلون، في وقت تطلبت معارك التغلب على ميليشيات من الهواة، في سوريا، سنوات.

تصريح نصرالله هو لاستثارة حماسة المناصرين وتصفيقهم وتهليلهم، ولتشتيت انتباههم عن شقاء معيشتهم بلا اقتصاد، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا هدف، غير انتظار انتصاراته الإلهية وملاحمه الأسطورية، التي لا تشبه الواقع في شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق