الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

العراقيات والإيرانيات يواجهن الملالي والميليشيات

حسين عبدالحسين

قتل مسلحون الناشطة العراقية رهام يعقوب في مدينة البصرة الجنوبية، لتنضم المغدورة إلى لائحة من الناشطين المعارضين لنفوذ ملالي إيران في العراق ممن تمت تصفيتهم في الأسابيع القليلة الأخيرة. الصور التي انتشرت للضحية تظهرها على رأس تظاهرة نسائية كانت نظمتها مع اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة العراق والوصاية الإيرانية، وهي احتجاجات أدت إلى إحراق قنصليات إيرانية في العراق وتمزيق صور ملالي إيران، الراحل الخميني والحاكم علي خامنئي.

وفي فيديو، تظهر يعقوب وهي تقود تظاهرة فيها نساء ورجال يرددون بعدها عبارة "أنت منو (من)"، وهي تصيح باللهجة العراقية: "اني الاجيت (أنا الذي جئت) ومحترق… ما يهمني حر ولا برد… اني الرافض كل الدول… اني الحسيني المن (عندما) صَدَق… اني الولائي للوطن… اني البطل وابن البطل… اني الما منتمي (الذي لا أنتمي) لحزب".

كلمات يعقوب واضحة، تعبّر عن ألم عراقي معيشي، وتصرخ ضد التدخلات في بلادها، وتقول أن ولاءها للعراق، وأنها لا تنتمي إلى أي من الأحزاب المسلّحة العراقية. ومشكلة الولاء والسلاح مشكلة مستعصية في الدول العربية التي تعاني من نفوذ نظام إيران الإسلامي داخلها، وهو نظام يموّل ويدرّب ويسلّح مجموعات محلية على شرط أن يقسم مقاتلوها ولاء شيعيا سياسيا عابرا للحدود، مثل ميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق وميليشيا "حزب الله" في لبنان.

ومرشد إيران خامنئي، كأي طاغية حول العالم وعبر التاريخ، لا يحتمل ولا كلمة بحقه غير التبجيل والتمجيد. في لبنان، تظاهر نفر يوما أمام سفارة إيران، فخرج إليهم عناصر من "حزب الله" بوجوههم المكشوفة التي رصدتها الكاميرات، وقاموا بإشباع المتظاهرين ضربا إلى أن قتلوا الناشط هاشم سلمان، وهو لبناني شيعي يعارض نفوذ إيران في بلاده. 

ومن نافل القول أن القضاء اللبناني، الذي أظهر استطلاع لمركز "الباروميتر العربي" أن واحد من كل أربعة لا يثقون به ولا بأحكامه، لم يتحرك لملاحقة الجناة في جريمة قتل سلمان، فظلوا أحرارا طلقاء، ربما يروعون لبنانيين آخرين ويهددونهم بالثبور وعظائم الأمور لو هم صرخوا ضد طغيان خامنئي في إيران وممثله حسن نصرالله في لبنان.

وقبل يعقوب، قتل مسلحون في بغداد، وجوهم مكشوفة وظاهرة على كاميرات المراقبة، العراقي هشام الهاشمي، الأرجح لأن الأخير نجح في كشف أسماء شبكة من اللبنانيين والعراقيين يقودون عمليات تبييض أموال داخل العراق لتمويل الميليشيات الموالية للمرشد خامنئي في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

لماذا تخيف ناشطة يافعة مثل الراحلة رهام يعقوب، ملالي إيران وميليشياتهم في العراق؟ الأنها شيعية ويصعب اتهامها بأنها من إرهابيي داعش السنة؟ الأنها عراقية محلية بلا علاقات مع جهات خارجية، ما جعلها صادقة في ما تقوله وأظهر قتلتها المرتزقة كذبة في ولائاتهم؟

ملالي إيران يخافون الحقيقة ويخشون الصدق. قبل رهام يعقوب، أرسلوا قناصا أطلق النار على قلب ندى سلطاني، التي كانت تشارك في تظاهرات "الثورة الخضراء" ضد حكم المرشد في 2009. لم يختر قنّاص النظام الإيراني هذه الشابة التي تظهرها الفيديوهات الخاصة محبة للحياة، تغني وترقص وتفرح وتبتسم. 

لا يحب المرشد والملالي الفرح والحياة، بل ينافقون في افتعال البكاء لتمجيد الموت ومن يموتون عبر التاريخ. المتظاهرون الإيرانيون قبضوا على القنّاص القاتل، لكن النظام أطلق سراح القاتل وهدد أهل القتيلة، واعتقل الشهود ممن تعرّفوا على الجاني.

في الدول التي لا تصلها يد الإرهاب الإيراني، تصلها تهديدات إعلام نظام طهران وتحرشات الذباب الإلكتروني. معصومة (ماسي) علي نجاد، التي تسكن في الولايات المتحدة، تعرضت لحملة تهديدات بالقتل من أزلام النظام في افتتاحيات الصحف الإيرانية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لم تتراجع معصومة. وضعت في شعرها وردة صفراء، ونشرت صورتها على مواقع التواصل، وكتبت: شعري الذي يخيف طغاة إيران. 

والحقيقية أنه ليس شعر معصومة وحدها الذي يخيف ملالي الجريمة والظلام، بل شعر كل امرأة في إيران أو في مناطق نفوذ ميليشياتها في الدول العربية.

ملالي إيران وأزلامهم العرب يخافون شعر المرأة. ربما يعتقدون أنه لو شعر النساء بالهواء الطلق يداعب شعورهن لاستطيبوا الشعور بالحرية، وطلبوها أكثر فأكثر. ملالي ايران يفضّلون الوجه العابس المتزمت، لإخافة الناس، وكتم أنفاسهم، وإقناعهم أن فقرهم وعوزهم وبلاءهم سببه — لا فساد الملالي وسرقاتهم وسوء حكمهم — بل الإمبريالية وإسرائيل وأميركا، وكل الدول الأخرى التي ينعم ناسها بالحرية والديموقراطية في اختيار حكامهم. فقط في إيران، والآن في لبنان والعراق، لا حرية في الملبس، ولا في اختيار الحاكم، ولا في اختيار السياسة الخارجية، بل لباس موحّد، ورأي واحد، وحرب متواصلة، وموت دائم.

هذا الأسبوع، يعقد الشيعة حول العالم مجالس عاشوراء للتعبير عن الأسى على مقتل الإمام الثالث الحسين بن علي في كربلاء العراقية في 680 ميلادية. في بعض الروايات، بعدما قتل جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الحسين والذكور، ما عدا ابنه العليل منهم علي السجّاد، اقتاد الأمويون النساء سفورا إلى دمشق في رحلة السبايا. في بلاط يزيد وفي حضرته، وقفت أخت الحسين زينب، ومقامها جنوب دمشق حسب البعض، وأدلت بكلمة حق في وجه سلطان جائر. لهذا، يصف الشيعة الثائرات بالزينبيات.

ندى سلطاني ورهام يعقوب كانتا زينبيتين، ومثلمها الزينبية معصومة. العراقيات والإيرانيات يقفن في وجه طغيان ملالي إيران والميليشيات، فيما الملالي والميليشيات يقتلونهن لإسكاتهن، مثلما قتل عبدالرحمن بن ملجم علي بن أبي طالب، ومثلما قطع الشمر رأس الحسين. التاريخ يتذكر الضحايا ويلعن القتلة، ومن لا يصدق، هذه عاشوراء أمامكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق