السبت، 22 أغسطس 2020

الخلاف الأميركي مع إيران في العراق ... هو حول العراق فقط!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

التزم رئيس حكومة العراق مصطفى الكاظمي الصمت أمام التعليقات التي سمعها من الرئيس دونالد ترامب، والمسؤولين الأميركيين عموماً، لناحية أن الولايات المتحدة تدعم بغداد في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه، وأن الإرهاب - حسب وجهة النظر الأميركية - يتضمن كل المجموعات المسلحة غير الحكومية، بمن في ذلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والميليشيات الموالية لإيران، والمعروفة بـ«الحشد الشعبي».المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، تتخذ بعداً مختلفاً عن المواجهة الإقليمية بينهما. في العراق، لا يهم واشنطن تصفية حسابات مع طهران حول ملفها النووي، أو حول دعمها لـ«حزب الله»، رغم إدراج واشنطن بعض قادة الحزب اللبناني - مثل الشيخ محمد كوثراني - على لائحة الإرهاب، بسبب نشاطاتهم في العراق. كما لا تسعى إلى مواجهة الإيرانيين في العراق بالوكالة، عمّا يجري في سورية أو اليمن. 
في العراق، تسعى الولايات المتحدة إلى تكريس سيادة الحكومة الفيديرالية، ودعمها عسكرياً واقتصادياً وديبلوماسياً، وحصر الأمن في أيدي الوكالات الحكومية دون غيرها. إيران تسعى إلى عكس ذلك، حسب المسؤولين الأميركيين، «إلى تقويض سيادة العراق وإقامة دولة موازية ذات تنظيم مدني وعسكري موالٍ لها وخارج سيطرة الحكومة الفيديرالية، واستخدام اقتصاده كاقتصاد رديف» للإيراني المحاصر والمتهاوي. 
«خلافنا مع إيران في العراق هو حول العراق فقط، ولا تسوية حسابات غير عراقية نقوم بها ضد الإيرانيين في العراق»، يقول مسؤول أميركي رفيع المستوى.
على هذه الخلفية، ومن باب تعويم الكاظمي والسيادة العراقية، دعت الإدارة الأميركية، رئيس الحكومة إلى واشنطن، ولم يتأخر ترامب نفسه في إعلان الموقف الأميركي بحضور الكاظمي في المكتب البيضاوي، مساء الخميس، «القوات الأميركية موجودة في العراق لمواجهة أي تحرك إيراني محتمل». 
الكاظمي لم يعلّق على الموقف الأميركي ضد «الحشد» والنفوذ الإيراني، لا سلباً ولا إيجاباً... لكنه حاول تقديم مساحات بديلة للتعاون، فشدد على الحرب ضد «داعش»، وعرج على مواضيع التعاون الاقتصادي. 
وكان الكاظمي استبق زيارته للعاصمة الأميركية، بالإيعاز لشركة النفط الحكومية باستدراج عروض تنقيب عن النفط من كبرى الشركات الأميركية، وهو ما أسعد ترامب، في وقت اعتبر بعض الخبراء الأميركيين - مثل ضابط الاستخبارات العسكرية السابق مايكل بريغنت - في تصريحات لـ«الراي»، أن «في التنقيب الأميركي عن النفط رسالة إلى الصين وإيران، مفادها بأن لا ثمار اقتصادية لهما، للمجهود الأميركي في التحالف مع العراق ودعم سيادته». 
وإلى مكافحة الإرهاب، حاول الكاظمي الإشارة إلى الاعتداءات التركية على السيادة العراقية، وتمركز قواتها داخل الأراضي الشمالية، وعمليات تهريب البضائع عبر معابر غير شرعية إلى داخل العراق، وهو ما يحرم الخزينة مداخيل التعرفات الجمركية، بالإضافة إلى تهريب النفط العراقي المسروق إلى داخل تركيا.
ووعد المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمهم ترامب، ضيوفهم العراقيين، بالتوسط لدى أنقرة لحملها على المساهمة في تعزيز سيادة العراق على أراضيه وعلى معابره الحدودية.
لكن الكاظمي لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى عوامل تقويض السيادة العراقية الأخرى، وفي طليعتها سياسة إيران والميليشيات الموالية لها، وهو ما حمل الأميركيين إلى التطرق للموضوع، حتى من دون أن يسمعوا أي تعليق في هذا السياق من رئيس الوزراء العراقي أو الوفد المرافق.
وكتب الباحثان تايلر ساتيبلتون وماسي ظريف على موقع «ذا هيل» المتخصص بشؤون الكونغرس أن على الكونغرس الضغط على العراق لإجراء إصلاحات حقيقية، وأن «دور إيران المزعزع للاستقرار قد يؤدي إلى تفكيك العراق بالكامل، وعلى المرء ألا ينظر أبعد من لبنان ليرى ما ينتظر العراق إذا استمر المشروع الإيراني من دون عوائق». 
وأضاف الباحثان أن «المخاطر كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، وما سيحدث في العراق في الأشهر المقبلة سيكون له تأثير كبير على موقف أميركا في الشرق الأوسط: هل ستعتمد واشنطن على المكاسب التي حققتها ضد الجماعات الجهادية مثل داعش والقاعدة؟ وهل تستطيع مواصلة الضغط لحرمان طهران من الموارد التي يمكن استخدامها لتعزيز طموحاتها في المنطقة»؟ 
وتساءل ساتيبلتون وظريف: «هل يقدر الشركاء المحليون على تحمل الأعباء الأمنية لأي تصعيد في وقت ينصب اهتمام الولايات المتحدة على التحديات العالمية الأخرى»؟ وختما القول: «سيتم الرد جزئياً على هذه الأسئلة داخل العراق نفسه».
بدوره، خالف كينيث بولاك، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، كلاً من ستايبلتون وظريف، وطالب، في مقالة في «ذا هيل» أيضاً، أن تدعم واشنطن الكاظمي بأقل شروط ممكنة. 
وكتب أنه «لدى الولايات المتحدة فرصة رائعة مع الكاظمي، فهو أفضل رئيس وزراء عراقي يمكن لأي أميركي أن يتخيله. وهو أفضل بكثير مما نستحقه بالنظر إلى السلسلة اللامتناهية من الأخطاء التي ارتكبناها منذ عام 2003».
وقال بولاك إن الكاظمي «يحظى بدعم السيد علي السيستاني، وقادة الشيعة المعتدلين الرئيسيين مثل عمار الحكيم، والحركة الاحتجاجية والجمهور العراقي الأوسع»، وأن «السنة والأكراد يرون أنه تكنوقراط قادر على العمل معهم ومعاملتهم بإنصاف».
وحذّر المسؤول السابق من أن تكون الفرصة الأميركية في العراق «عابرة». 
وقال إن الكاظمي لم يتمكن من الوصول إلى «رئاسة الوزراء، إلا بعد الحركة الاحتجاجية الواسعة التي بدأت في أكتوبر 2019، وبعد قتل إدارة ترامب للجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو ما ألقى بجهاز السياسة الخارجية الإيرانية في حالة من الفوضى». 
واعتبر بولاك أن الرئيس برهم صالح «انتهز اللحظة لتنصيب الكاظمي رئيساً للوزراء، وهو أمر كان سليماني قد منع حصوله في اللحظة الأخيرة في 2018».
وختم بأن «مشاكل العراق رهيبة، والكاظمي بحاجة للمساعدة، لأنه تكنوقراط، وليس لديه حزب سياسي يدعمه».
إلى ذلك، وفي ختام زيارته للولايات المتحدة، من المقرر أن يتوجه الكاظمي إلى عمان، لعقد قمة ثلاثية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله الثاني، لبحث الأوضاع في العراق، والانتهاكات التركية للأراضي العراقية والسورية والليبية، ومكافحة الإرهاب وانتشار الميليشيات المسلحة في المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق