الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

الحياة في فلسطين أفضل من لبنان وسوريا




حسين عبدالحسين


في المخيلة العربية أن "فلسطين" منكوبة، يقف كل سكّانها صفوفا طويلة على حواجز الإسرائيليين، وتتعرض منازلهم للهدم المتواصل، وتتم مصادرة أراضيهم لمصلحة المستوطنين، وأن الفلسطينيين يتعرضون بشكل عام لمجازر وغارات واغتيالات واعتقالات. وفي المخيلة العربية أيضا أن الدول العربية ـ خصوصا التي كانت معروفة ماضيا بمحور "الصمود والتصدي" وصارت اليوم في محور "الممانعة" بقيادة إيران ـ تقف عزيزة وعصية على "املاءات الاستعمار"، وتخوض معركة إنقاذ الفلسطينيين من محنتهم.

كل هذا في المخيلة. أما في الواقع، فالدول العربية التي تتمتع بسيادة، مثل لبنان وسوريا، تعيش واقعا مزريا أكثر من فلسطين، المحكومة ذاتيا بلا سيادة. معايير النجاح والفشل يمكن قياسها بالنظر إلى مؤشرات الحوكمة. مثلا، يصنّف "البنك الدولي" أداء الحكومات على مقياس من واحد إلى مئة، ويمنح الدرجة الأعلى للأداء الحكومي الأفضل، وتظهر جداول البنك تقدم السلطة الفلسطينية على حكومتي لبنان وسوريا في أربعة محاور.

في "السيطرة على الفساد"، نالت السلطة الفلسطينية 49 نقطة، فيما نالت حكومة لبنان 12 نقطة وحكومة سوريا أقل من نقطتين. في "نوعية القوانين" والتشريعات، تفوقت السلطة الفلسطينية وحصلت على 57 نقطة، مقابل 39 للبنان وثلاثة فقط لسوريا. أما في "حكم القانون"، فتفوقت السلطة الفلسطينية مجددا، وحصدت 33 نقطة، مقابل 24 للحكومة اللبنانية، ونقطة واحدة فقط لحكومة "سوريا الأسد". وفي خانة "الاستقرار وغياب العنف والإرهاب"، تساوت حكومتا لبنان والسلطة بسبع نقاط لكل منهما، فيما تظهر تقارير "البنك الدولي" انهيار الاستقرار في سوريا، التي نالت نقطة واحدة فقط.

ولا يكتفي الفلسطينيون بتفوق أداء حكومتهم على حكومتي اللبنانيين والسوريين، بل أن الفلسطينيين يتمتعون باستقرار اقتصادي أسبابه متعددة، أولها استقرار النقد الذي يستخدمونه، وهو الشيكل الإسرائيلي، مقابل انهيار الليرتين اللبنانية والسورية بسبب نفاد مخزونات العملة الصعبة في بيروت ودمشق. وأدى التراجع الاقتصادي لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في لبنان بواقع 336 في المئة، ومثلها في سوريا، فيما انخفضت الأسعار في الأراضي الفلسطينية بنسبة ثلاثة في المئة بسبب الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن وباء كورونا المستجد.

ويتمتع الفلسطينيون بخدمات أساسية غير متوفرة للبنانيين والسوريين. مثلا، تبلغ سرعة الإنترنت في الأراضي الفلسطينية ستة آلاف كيلوبايت في الثانية، مقابل ألفي كيلوبايت في الثانية في إنترنت لبنان، وأقل من ذلك في سوريا. كما يتمتع الفلسطينيون بتغذية كهربائية حكومية على مدار الساعة، فيما يعاني اللبنانيون والسوريون من انقطاعات متكررة ومتواصلة. وإلى الانترنت السريع والكهرباء المتواصلة، تصل بيوت الفلسطينيين مياه الشرب والاستخدام، فيما لا تصل غالبية بيوت اللبنانيين المياه، في وقت تتفوق البلديات الفلسطينية على نظيرتها اللبنانية في جمع القمامة، التي تنتشر في شوارع لبنان وتنشر معها الأمراض والبؤس.

ثم أن الاستقرار الفلسطيني منح السلطة الفلسطينية تفوقا في السياحة، إذ زار ثلاثة ملايين سائح الأراضي الفلسطينية في العام 2018، مقابل حوالي مليوني سائح زاروا لبنان، وانعدمت السياحة في سوريا.

ليست حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية نعيما مطلقا، بل يعاني الفلسطينيون من حوالي 700 عائقا، منها 64 حاجزا إسرائيليا، حسب تقرير وكالة أوشا التابعة للأمم المتحدة. هدف هذه العوائق، حسب الوكالة، هو تحكم الإسرائيليين بحركة مرور الفلسطينيين للتعامل مع الأوضاع الأمنية، التي يفرض تدهورها إغلاقات، فيما يؤدي تحسنها لانفراجات. ومن يتذكر فلسطين قبل "الانتفاضة الأولى" في 1987، يعلم أن الفلسطينيين كانوا يتنقلون بسهولة في الضفة وإسرائيل وغزة بدون عقبات.

فلسطين ليست أطفالا يصارعون الجنود الإسرائيليين ونساء يبكين، بل ينقسم "فلسطينيو الداخل" إلى أربعة. القسم الأول هم عرب إسرائيل، الذين يبلغ عددهم حوالي مليونين ويحملون جوازات إسرائيلية، وأوضاعهم الأفضل بين الفلسطينيين اقتصاديا ومعيشيا، ويتظاهرون غالبا ضد إمكانية ضمّهم ومناطقهم إلى دولة فلسطينية محتملة. 

القسم الثاني هم الفلسطينيون الذين يعيشون تحت حكم "السلطة الفلسطينية" في مناطق الضفة الغربية ألف وباء، وعددهم ثلاثة ملايين، وتمتد مناطقهم على مساحة ألفي كليومتر مربع، وهي تحت سيطرة فلسطينية، يضاف إليهم فلسطينيو القدس الشرقية، الذين يعيشون تحت سيطرة إسرائيلية وينتخبون مجالسهم البلدية التي تدير شؤونهم. أما القسم الثالث، فهم فلسطينيو المنطقة جيم في الضفة الغربية، وعددهم حوالي 300 ألفا، يعيشون تحت سيطرة إسرائيلية، وهم أكثر من ينخرطون في صراعات مع السلطات الإسرائيلية والمستوطنين. أما القسم الرابع، فمليونا فلسطيني يعيشون في قطاع غزة الصغير المساحة، تحت طغيان إسلامي يحكمهم بقوة السلاح وبدعم من طهران، ووضع هؤلاء اقتصاديا ومعيشيا هو الأسوأ بين الفلسطينيين في المعمورة.

لا يحتاج الباحث للكثير من التدقيق للتوصل لخلاصة مفادها أن "السلطة الفلسطينية"، على فسادها، تقوم بأداء أفضل بكثير من أداء دول "الانتصارات" في لبنان وسوريا، بل أن تصفح موقع "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" الحكومي ومقارنته بنظيره اللبناني المعروف بـ "الإدارة المركزية للإحصاءات“، يؤكد أن أداء الحكم الفلسطيني، وتاليا حياة الفلسطينيين، أفضل بكثير من أداء الحكم في لبنان ومستوى حياة اللبنانيين، فالموقع الفلسطيني محترف، وباللغتين العربية والإنكليزية، ومحدّث بشكل دوري، فيما ما يزال الموقع اللبناني تتصدره أخبار وصور رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مع غياب فاضح في المعلومات وشبه انعدام في التحديث. أما موقع "المكتب المركزي للإحصاء في الجمهورية العربية السورية"، فأحدث تقاريره تعود للعام الماضي.

منتصف القرن الماضي، بدا أن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو الهدف الأسمى الذي تنجم عنه حياة رغيدة للمواطنين. لكن بعد سبعين عاما من التجارب، وهجرة الملايين من حكمهم الوطني إلى حكم مستعمريهم السابقين، صار أكيدا أن الحياة الكريمة تقاس بالحوكمة الرشيدة والأداء الاقتصادي، بغض النظر عن السيادة أو أصحابها.

الحكومة الفلسطينية، بقيادة رئيس الحكومة السابق سلام فيّاض، أدركت أن الحوكمة أهم من السيادة، فقامت بتحسين أداء الحكم الفلسطيني ومستوى الحياة للفلسطينيين. أما حكومتا لبنان وسوريا، تحت سيطرة ملالي إيران وهرطقة الممانعة والمقاومة، فوجدتا في السيادة أداة مفيدة لإخفاء فساد الحكام، وقباحتهم، وفشلهم في الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق