الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

واشنطن تطوي صفحة حرب العراق

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد 17 عاماً، ومقتل 4582 جندياً أميركياً، وانفاق مئات مليارات الدولارات، بدأت الولايات المتحدة رحلة مصالحتها مع حرب العراق وطوي صفحتها حتى تبدأ ذاكرة الحرب بالتلاشي مع مرور الزمن، على غرار ما حصل مع فيتنام، التي صارت اليوم إحدى أكبر شركاء الولايات المتحدة تجارياً وسياسياً. وشكّل لقاء رئيسة الكونغرس وإحدى أبرز معارضي الحرب في العراق، الديموقراطية نانسي بيلوسي، مع رئيس حكومة العراق مصطفى الكاظمي أثناء زيارة الأخير لواشنطن، أبرز المؤشرات الى أن أميركا لم تعد ترى في العراق مشكلة تؤدي لاستنزاف رصيد السياسيين داخلياً وتالياً تجبرهم على الدعوة الى «ترك العراق وحاله»، بل صارت ترى العراق دولة حليفة، وشريكاً تجارياً، واقتصادياً، وديبلوماسياً.
ولأن العراق وقضاياه والانسحاب منه، لم تعد مواضيع تتصدر نشرات الأخبار الأميركية، بالكاد لاحظ الأميركيون محاولة الرئيس دونالد ترامب تسجيل بعض النقاط الانتخابية بإعلانه تخفيض عديد القوات في العراق من خمسة آلاف إلى ثلاثة آلاف، بل إن مراكز الأبحاث والخبراء مضوا يكيلون المديح لما يرونه تحسناً كبيراً في الوضع العراقي.
الباحث في «معهد بروكنغز» مايكل أوهانلون، كان من أوائل الخبراء ممن سعوا الى رصد كل الأرقام المتعلقة بالوضع العراقي، وشكّلت جداوله عن معدلات القتلى في صفوف الجيش الأميركي وبين المدنيين العراقيين، المستند الأبرز الذي راح معارضو الحرب يلّوحون به في وجه إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن. 
تقرير أوهانلون يشير إلى أن الصورة انقلبت تماماً في العراق، وأن أرقام العنف الناجم عن عمليات عسكرية أو إرهابية انخفضت الى أدنى مستوياتها منذ ما قبل اندلاع الحرب في مارس 2003. 
وأظهر التقرير أن عدد القتلى في صفوف القوات الأميركية، والذي وصل أعلى مستوياته في 2007 مع تسجيل 904 ضحايا، بلغ سبعة هذا العام، بما في ذلك جندي مات بسبب سكتة قلبية وآخر بحادث سير.وفي سياق مشابه، انخفض عدد القتلى المدنيين جراء مواجهات مسلحة من نحو 30 ألفاً في 2006 الى 384 هذا العام، في وقت انخفض عدد المهجّرين من أكثر من ثلاثة ملايين عراقي، في ذروة الحرب ضد تنظيم «داعش» بين 2014 و2016 الى أقل من مليون ونصف المليون هذا العام.
بدوره، عكس الوضع الاقتصادي العراقي تحسناً كبيراً، وان كان غير كاف، منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، حيث كان إجمالي الناتج السنوي يبلغ أقل من مئة مليار دولار، ليتضاعف اليوم ويتخطى عتبة المئتي مليار. 
ويعزو الاقتصاديون النمو الكبير الى إنتاج وصادرات النفط التي ارتفعت من مليونين ونصف المليون برميل يومياً، في زمن النظام السابق، الى أربعة ملايين ونصف المليون، تقوم بغداد بتصدير أربعة ملايين منها. والثروة العراقية النفطية، بالتزامن مع استتباب الأمن، أعادت احياء اهتمام كبرى شركات الطاقة الأميركية في التنقيب عن الطاقة واستخراجها. وكانت «اكسون» العملاقة تخلت عن عقد إنتاج في حقل مجنون الضخم، قبل أكثر من عشر سنوات، بسبب غياب الأمن. 
ونقل تقرير بروكنغز عن استفتاء المجموعة «المستقلة» لآراء العراقيين، اعتقاد 32 في المئة منهم فقط أن «إيران هي حليف للعراق يمكن الاعتماد عليه»، فيما اعتبر 46 في المئة منهم أن «الولايات المتحدة هي حليف يمكن الاعتماد عليه». 
وأظهر الاستفتاء أنه رغم إنفاق إيران على حملة دعائية واسعة داخل العراق، بما في ذلك تمويل عدد من القنوات الفضائية وتعليق صور الزعماء الإيرانيين في شوارع بغداد، الا ان العراقيين ما زالوا أقرب الى أميركا منهم إلى ايران.
كل هذه المؤشرات الإيجابية دفعت مايكل روبين، الخبير في مركز أبحاث «أميريكان إنتربرايز انستيتيوت»، الى القول إنه رغم أن «قرار جورج دبليو بوش الإطاحة بالديكتاتور صدام حسين أدى إلى إثارة نقاش حاد في واشنطن حول السياسة الخارجية، الا أن العراق اليوم بلد مختلف تمام». 
وقال روبين، وهو كان من أكبر مؤيدي الحرب في العراق ابان اندلاعها، إن «أكثر من 40 في المئة من العراقيين ولدوا بعد حرب 2003، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، كانت آراء العراقيين مختلفة اختلافاً جوهرياً عن الجدل الأميركي المتعلق بالعراق». 
وتابع في مقالة في مجلة «ذي ناشونال انترست»، أن «الوقوف إلى جانب بيلوسي يعني حقبة ديبلوماسية جديدة، حيث يمكن للوقائع على الأرض العراقية أن تطغى على الجدال الأميركي».
وأضاف أن «العراقيين - بغض النظر عن طائفتهم - عبّروا عن استيائهم من إغراق طهران، العراق، بالسلع رخيصة الصنع، الأمر الذي أدى إلى تقويض الانتعاش الصناعي وكساد البضائع العراقية». 
ومما قاله روبين أن العراقيين «يرحبون بالاستثمارات الخليجية». 
ولفت الى أن «عراق ما بعد عام 2003 هو عراق ديموقراطي، وقد أصبح العراقيون معروفين بأنهم لا يرحمون السياسيين الساعين للبقاء في مناصبهم، وبالتالي نمت الفجوة في الثقافة السياسية» بين بغداد وبعض الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
وختم روبين بأن «الكاظمي رجل تكنوقراط، ولكنه مثقف أيضا، ويتمسك بالقومية العراقية والرغبة الصادقة في إرساء أسس مستقبلية ثابتة للعراق أكثر من تمسكه بأي اعتبارات حزبية، ما يعني غياب أي دعم انتخابي حقيقي لرئيس الحكومة الحالي، وهو ما يدفعه للعمل باسم الشعب العراقي ككل ولا يسمح للمصالح الخارجية بتقييد خياراته».
ميدانياً، قُتلت امرأة وأصيب 3 من رجال الأمن، أمس، بانفجار سيارة مفخخة على طريق تكريت - كركوك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق