الخميس، 3 سبتمبر 2020

ترامب ليس رجل بوتين... وأردوغان ليس حليفه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اعتبرت مصادر في الإدارة الأميركية، أن سلسلة الاغتيالات التي تطول مواطنين معارضين لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي مؤشر على ضعف موسكو، وفشل محاولاتها بث الفرقة بين أعضاء «تحالف الأطلسي»، في وقت تعاني روسيا من اهتزاز يطول الأنظمة القريبة الموالية لها، مثل بيلاروسيا، بعد تحول أوكرانيا من موالية لبوتين الى حليفة للغرب.

وكانت برلين أعلنت أن المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي تم نقله الى ألمانيا وهو في حالة غيبوبة، تعرّض لعملية تسميم في بلاده، ما استدعى مشاورات بين الدول الأعضاء في «الأطلسي». 
وانضم نافالني الى سلسلة من المعارضين الروس ممن سبق أن تعرضوا لهجمات بالسم أو غاز الأعصاب، مثل الكسندر لوتيفشنكو وسيرغي سكريبال وابنته يوليا. 
وتأتي عملية تسميم نافالني في وقت تعاني موسكو من اهتزاز نظام حليفها رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو، الذي يواجه سلسلة من التظاهرات، بعدما اتهمته المعارضة بالتلاعب بالانتخابات لضمان بقائه في الحكم. 
وبيلاروسيا هي ثالث دولة من الدول السوفياتية السابقة التي تتمرد على نفوذ روسيا وسطوتها عليها، بعد جورجيا وأوكرانيا. 
وسبق لبوتين أن وجه أصابع اللوم الى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون واتهمها بتمويل تظاهرات في روسيا والدول الحليفة لموسكو، في وقت رأى الخبراء أن الرئيس الروسي حاول أن يبادل ما يخالها محاولات الغرب تقويض مصالح موسكو في هذه الدول ببث الفرقة داخل «تحالف الأطلسي»، بل داخل الولايات المتحدة نفسها.
وشن بوتين حملة في العام 2016 أظهرت التحقيقات الأميركية أنه حاول من خلالها دعم فوز المرشح دونالد ترامب على كلينتون، وهي حملة تواطأ معها عدد من مستشاري الرئيس الجمهوري ممن تعرضوا لعقوبات بالسجن. كما حاول بوتين التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية عبر حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر «تهكير» كومبيوترات أميركية وسرقة وثائق حكومية وحزبية، ثم نشر هذه الوثائق علناً لتشويه سمعة أميركا حول العالم ولبث الفرقة بين الديموقراطيين والجمهوريين داخلها. 
وعلى مدى الأشهر التي تلت وصول ترامب الى البيت الأبيض، عمد الحزب الديموقراطي ووسائل الإعلام الموالية له على تصوير أن ترامب يعمل بإمرة بوتين، وأن الرئيس الأميركي مدين برئاسته لنظيره الروسي. وساهم ترامب في تأجيج هذه التقارير عبر عقده لقاءات منفردة مع بوتين من دون مشاركة أي من مستشاريه الرئيسيين. 
لكن سياسات ترامب لم تؤكد مخاوف الديموقراطيين، اذ على الرغم من كل المجاملة العلنية التي يبديها ترامب لبوتين، إلا أن الرئيس الأميركي قام بفرض عقوبات على إنشاء خطي أنابيب غاز «نورد ستريم 2»، الذي يضخ الغاز الروسي الى أوروبا، وترك المرحلة الأولى من «ستريم 2»، الذي يضخ الغاز الروسي الى تركيا.
وكان متوقعاً إتمام مدّ الأخير ليصل دول جنوب شرقي أوروبا، قبل أن تفرض واشنطن عقوبات على المرحلة الثانية وتفرض وقفها.
وعلى الرغم من أن تركيا بدت وكأنها تبتعد عن «الأطلسي» وتقترب من موسكو، وعلى الرغم من أن مواجهة عسكرية بدت شبه حتمية بين تركيا واليونان، إلا أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن لأنقرة سياسة فعلية مختلفة عن التي تعلنها، منها أن أنقرة لم تدل بأي تصريح ضد العقوبات الأميركية على خط الغاز الروسي - التركي، بل عمدت الى تخفيض وارداتها من الغاز الروسي بواقع الثلث، واستبدلتها بواردات من الغاز السائل عبر ناقلات الطاقة الضخمة.
ثم أعلنت أنقرة اكتشافها لاحتياطات غاز في مياهها الإقليمية، وأعلنت كذلك بناء «قناة إسطنبول»، التي ستتضمن إنشاء مرفأ لناقلات الغاز الذي يمكن نقله من هناك الى دول أوروبا، وهو ما يبطل الحاجة للغاز الروسي. كلها خطوات تشي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس حليفا لبوتين، كما يظهر أحيانا، بل منافساً له، يسعى الى السيطرة على مداخل الغاز الى أوروبا لمنافع اقتصادية وجيوسياسية تركية.
هكذا، شاركت تركيا عسكرياً في التدريبات العسكرية والمناورات التي قام بها «تحالف الأطلسي» الأسبوع الماضي، وهي مناورات شهدت قاذفات «بي 52» الأميركية، وأظهرت - حسب الخبيرين برادلي بومان وآكسل برايزواتر - أنه حتى «مع توتر العلاقات السياسية رفيعة المستوى بين بعض حلفاء الأطلسي، تظل العلاقات العسكرية داخل التحالف قوية». 
وقال الخبيران، في مطالعة على موقع «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، إن «من المعلوم أنه حتى في الوقت الذي يحاول فيه بوتين استمالة بعض القادة الأوروبيين وزرع الانقسام داخل التحالف، لا يزال الأطلسي قادراً على تقديم مثل هذا العرض الاستثنائي لوحدته وقوته التي لا يمكن لموسكو تكرارها».
هكذا، بعدما اعتقد كثيرون أن ترامب هو رجل بوتين، أظهرت العقوبات الأميركية على أنابيب غاز روسيا، أن هذا التصور ليس صحيحاً بالكامل. وبعدما بدا أن بوتين نجح في تفكيك «الأطلسي»، بدا أن «الأطلسي» متماسكاً، فيما بوتين يسعى لإحكام السيطرة على الدول السوفياتية السابقة التي يبدو أنها تفلت من أيدي موسكو، الواحدة تلو الأخرى.
ومثل ذلك، اعتقد كثيرون أن موسكو حصدت جائزة من تدخلها العسكري في سورية، ليتضح أنه من دون موافقة الغرب على تمويل إعادة الإعمار، لا أهمية استراتيجية ولا منافع مالية للروس من التدخل العسكري في الحرب السورية، وهو تدخّل كلفهم أموالاً طائلة. 
لكل هذه الأسباب، يرى مسؤولون أميركيون أن بوتين يشعر بالضعف، وهو الضعف الذي يدفعه الى الخوف غير المبرر وإقصاء أي من قد يراه خطراً على بقائه في الحكم، حتى لو كان الخطر خيالياً أكثر منه واقعياً. وللأسباب نفسها، عمد بوتين لإرسال مقاتلتي «سوخوي» تحرشت بواحدة من قاذفات «بي 52» الاستراتيجية أثناء تحليقها في الأجواء الدولية فوق البحر الأسود في طريق عودتها من مناورات «الأطلسي». 
وفي السياق نفسه، رصد مسؤولون أميركيون تقارير تشير الى أن عدد أحداث التحرش الروسية بقطع بحرية أميركية أو مقاتلات جوية وقاذفات، وصل معدلا غير مسبوق، وهو ما يدرجه المسؤولون الأميركيون في إطار الخانة نفسها المتعلقة بإحباط يفرض على بوتين القيام بتحرشات لإظهار قوة صورية تغطي على ضعف حقيقي.

موسكو لا ترى «مبرراً» 
لاتهامها في قضية نافالني

موسكو - أ ف ب - أعلن الكرملين أمس، أنه لا يرى «أي مبرر» لاتهام الدولة الروسية بأنها خلف تسميم المعارض أليكسي نافالني، داعياً الغرب إلى عدم إطلاق «أحكام متسرعة».
وأكد الناطق دميتري بيسكوف، استعداد موسكو «للحوار» مع برلين والأوروبيين في هذه القضية.
وشدّد على أن الأطباء الروس لم يرصدوا «أي مادة سامة» عند إدخال نافالني إلى المستشفى في سيبيريا أواخر أغسطس قبل نقله إلى برلين. 
وحضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موسكو الأربعاء، على تقديم توضيحات بعدما أظهرت تحاليل أجريت لنافالني تعرضه للتسميم بواسطة مادة من نوع «نوفيتشوك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق