الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

رسالة واشنطن الى العراق ولبنان: اما المجتمع الدولي أو ايران وميليشياتها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

جريدة الراي


لا يعد توجّه الولايات المتحدة لإقفال سفارتها في بغداد مفاجئاً أو اعتباطياً، بل جاء في سياق السياسة الأميركية القاضية بتحميل العالم، بما فيه أوروبا وإيران والدول التي تنشط فيها ميليشيات موالية لطهران، مثل العراق ولبنان، مسؤولية هذه الميليشيات ونشاطاتها.

وفي واشنطن، يجمع المعنيون بالسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أن العالم أمام مشكلة اسمها «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة والعالم»، وتتصدر هذه النشاطات انتشار ميليشيات إيرانية في الشرق الأوسط.

وينقسم الجمهوريون والديموقراطيون حول كيفية مواجهة هذه النشاطات الإيرانية، لكنهم يجمعون على ضرورة مواجهتها.

ولا يعارض الجمهوريون الاتفاقية النووية مع إيران لأسباب تتعلق بملف إيران النووي فحسب. هذا الملف، يمكن معالجته ببساطة بتحويل البنود الموقتة إلى دائمة. مشكلة الجمهوريين عموماً، وإدارة الرئيس دونالد ترامب خصوصاً، هي أن رفع العقوبات عن إيران للاتفاق معها نووياً منحها أموالاً قامت طهران باستثمارها في دعم الميليشيات الموالية لها في العراق وسورية ولبنان واليمن، وهو ما يدفع الجمهوريين للاعتراض على الاتفاقية النووية، والاعتراض على سياسة الرئيس السابق باراك أوباما التي سمحت بالفصل بين اثنين: نووي إيران وميليشياتها.

أما الديموقراطيون، منذ رئاسة أوباما، فاعتبروا أن الفصل بين الملفين يسمح بالتوصل لاتفاقية حول النووي، وهو ما يؤدي إلى بناء ثقة بين واشنطن وطهران، ثم يمكن البناء على هذه الثقة للتخلص من الميليشيات الموالية لإيران. وكان المرشح الديموقراطي للرئاسة، في الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر، نائب الرئيس السابق جو بايدن، أشار في مقالة نشرها على موقع شبكة «سي أن أن»، إلى أنه سيعمل على إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية مع إيران، في حال دخوله البيت الأبيض مطلع العام المقبل، لكنه سيعمل في نفس الوقت على مكافحة «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، بما في ذلك تقديم كل الدعم لاسرائيل في مواجهتها مع هذه الميليشيات.

إذاً، الانقسام داخل واشنطن بين الجمهوريين والديموقراطيين يقتصر على موقف الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، ولا يشمل الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسورية ولبنان، خصوصاً «حزب الله» اللبناني، الذي تعمل إدارة ترامب بجهد، ومن المرجح أن تواصل إدارة بايدن في حال فوزه بالرئاسة بالعمل بجهد مشابه، لإقناع العالم بضرورة إدراج هذه الميليشيات على لوائح الارهاب، وفرض عقوبات مالية عليها، وملاحقة أفرادها حول العالم.

في هذا السياق، قامت وزارة الخارجية الأميركية بتكثيف حركتها الديبلوماسية تجاه عواصم العالم، خصوصاً الأوروبية منها، لإقناعها بإدراج «حزب الله» اللبناني و«كتائب حزب الله» العراقية على لائحة الارهاب، مع ما يعني ذلك من حظر دخول موالي هذين التنظيمين وتجميد أموالهم المنقولة وغير المنقولة.

وكانت وزارة الخارجية أعلنت إيفاد منسق مكافحة الإرهاب، ناثان سايلز، إلى كل من سلوفينيا وإيطاليا، حيث سيخصص لقاءاته لحض هاتين الدولتين على تصنيف «حزب الله» وكل الميليشيات الموالية لإيران تنظيمات إرهابية. وكانت أميركا نجحت في إقناع برلين والاتحاد الأوروبي بإدراج «حزب الله» على لوائح الإرهاب، وما تزال الديبلوماسية الأميركية تعمل على توسيع الإدراج ليشمل أكبر عدد ممكن من الدول حول العالم.

ويشرح مسؤولون أميركيون أن إقناع الدول بتصنيف «حزب الله» اللبناني إرهابياً «أمر يسير نسبياً»، إذ ان علاقات إيران الدولية ضيقة وليس لطهران أصدقاء كثر، وغالبية الدول عندما تخيرها الولايات المتحدة بين العلاقة معها أو مع الميليشيات الموالية لإيران، تختار هذه الدول العلاقة مع أميركا.

على أن الجديد في سياسة واشنطن، في عهدة الجمهوريين، والديموقراطيين في حال استعادتهم الحكم، يكمن في محاسبة الدول المضيفة لهذه التنظيمات.

في منتصف التسعينات، عندما كانت الولايات المتحدة تنوي إدراج «حزب الله» على لوائحها للتنظيمات الإرهابية، حاول رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري إقناع واشنطن بعدم القيام بذلك، وعندما لم ينجح في مسعاه، أقنع الحريري إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون بتحييد دولة لبنان عن المواجهة بين أميركا والحزب اللبناني المسلّح.

لكن بعد انسحاب قوات الرئيس بشار الأسد وزوال الوصاية السورية على لبنان، بدا أن «حزب الله» تحول إلى القوة المهيمنة ذات الوصاية على الدولة اللبنانية، وعلت أصوات أميركية مطالبة بمحاسبة دولة لبنان على نشاطات الحزب الذي يتخذ من أراضيها مقراً له. لكن أصواتاً مضادة رأت أن دولة لبنان هي ضحية «حزب الله»، وتالياً الأفضل يكمن بدعمها وتقويتها للوقوف في وجهه. بعض الأصوات بين الجمهوريين رأت أن لا فائدة من تقوية دولة لبنان، وأن الحل هو بتحميلها المسؤولية.

وأثناء رئاسة أوباما وفترة التقارب مع إيران، وهو التقارب الذي نجم عنه تسوية في لبنان أفضت لانتخاب ميشال عون رئيساً وعودة سعد الحريري رئيساً للحكومة، استعادت دولة لبنان السياسة القائلة إن «حزب الله» مشكلة إقليمية لا طاقة للحكومة اللبنانية التعامل معها. اليوم، تقول مصادر في إدارة ترامب: «إذا كان لا يمكن لدولة لبنان ضبط (حزب الله)، فالحريّ بها على الأقل أن تبتعد عنه كي لا تتأذى من المواجهة الدولية المقبلة ضده».

لكن دولة لبنان لم تبتعد، بل واصلت المناورات السياسية ومحاولات الإفادة من المواجهة الدولية ضد الحزب سياسياً لمصلحة الطبقة الحاكمة. ومثل لبنان، فعلت حكومة العراق، التي لم تفد من موقف المرجعية الشيعية علي السيستاني الداعي لحلّ كل الميليشيات في العراق، بل راح حكام العراق يفاوضون واشنطن تارة والميليشيات طوراً في محاولة لتحقيق أكبر مكاسب سياسية، بغض النظر عن النتائج الفعلية لهذا النوع من السياسات المصالحية الضيقة.

«إعلان الولايات المتحدة نيتها إغلاق سفارتها في العراق هو خطوة تجاه تحميل بغداد مسؤوليتها: إما تواجه الميليشيات سياسياً وأمنياً وتستعيد سيادتها ومسؤولية حماية البعثات الديبلوماسية على أراضيها وإما أن واشنطن لا ترغب في رؤية ديبلوماسييها رهائن لاستهداف الميليشيات الموالية لطهران لهم»، يقول مسؤول أميركي رفيع المستوى، فضّل عدم ذكر اسمه.

هي رسالة أميركية للحكومات التي تعمل على أراضيها ميليشيات موالية لإيران حتى تختار هذه الحكومة جهة من اثنتين:«إما واشنطن والمجتمع والاقتصاد الدوليين، وإما طهران وميليشياتها والعقوبات عليهما».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق