الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

خبراء أميركيون: التغيير في واشنطن سيؤدي إلى تراجع دور أردوغان الإقليمي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تؤد الانتخابات الأميركية الى خبو الضوضاء التي كان يثيرها دونالد ترامب بشكل متواصل فحسب، بل أدّت كذلك الى «خفوت نجم» الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان شغل الفضاء الإعلامي والافتراضي في الآونة الأخيرة بكثرة تصريحاته الشعبوية.

ومن بين أصدقاء الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بين رؤساء الدول، كان أردوغان الأول الذي قدم التهاني للرئيس المنتخب جو بايدن، حتى في وقت كان ترامب لايزال يثير أزمة برفضه الخسارة والتنازل لمنافسه.

ويرى الخبراء الأميركيون أن تراجع حظوظ أردوغان في واشنطن سيؤدي الى تراجع دوره الإقليمي، وانحسار دعمه لـ«التنظيمات الإسلامية» في عموم المنطقة، وهو «ما قد يؤدي الى إعادة تشكيل بعض التحالفات الإقليمية».

ومع التغير الذي قد يلحق بـ «ميزان القوى» في منطقة الشرق الأوسط، بسبب تراجع نفوذ أردوغان، يرى الديبلوماسيون ممن عملوا على التوصل الى تسوية في الأزمة الخليجية، أن هذا التغيير قد يؤدي الى حلحلة، وامكانية تحقيق اختراق، والتوصل الى تسوية للأزمة الخليجية المندلعة منذ يونيو العام 2017.

«من يعرف المرشح لتولي منصب وزير الخارجية (انتوني) بلينكن يعلم أن الرجل يحرص على متانة التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، وهو لذلك سيدفع بقوة أكبر لتحقيق مصالحة خليجية»، يقول أحد الديبلوماسيين الأميركيين، اشترط عدم ذكر اسمه.

ويضيف: «ستعود تركيا الى كنف تحالف الأطلسي الذي تقوده أميركا، وستعود دول مجلس التعاون الخليجي الى تعاونها، وسيعمل بلينكن على ترميم كل التحالفات كخطوة أساسية لمواجهة كل الخصوم».

منذ خسارة ترامب أمام بايدن، أقرّ البرلمان التركي قانوناً ينص على سحب استثمارات الطاقة التركية في الخارج، في خطوة فسرها المراقبون الأميركيون بأنها تحسب لعقوبات ممكن أن يفرضها بايدن على تركيا بعد خسارة أردوغان، الصديق الوحيد المتبقي له في العاصمة الأميركية، من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، أي ترامب.

ويعزو المراقبون تمسك ترامب، بأردوغان الى عائدات «برجي ترامب» في اسطنبول، والتي بلغت قرابة ثلاثة ملايين دولار في الفترة بين 2015 و2018. ومقابل أرباحه المالية، تمسك ترامب بأردوغان على عكس نصائح أقرب مستشاريه وأركان حزبه، وقدم سلسلة من «الخدمات»، كان أبرزها ايعازه لوزارة العدل بطرد عدد ممن شغلوا منصب مدعي عام بسبب خوضهم في تحقيقات طالت «بنك هلك» الحكومي التركي.

وتتهم السلطات القضائية الأميركية البنك التركي بتجاوز العقوبات المفروضة على ايران، وتسعى لتكبيده غرامات بمليارات الدولارات، لكن ترامب حال دون ذلك.

كما أوعز ترامب لوزارة العدل بالضغط على القضاة للافراج عن المدعو رضا ضرّاب، وهو أحد شركاء بيرات البيرق، صهر أردوغان. وتتهم المحاكم الأميركية ضرّاب والبيرق بالقيام باختراق العقوبات الأميركية على ايران. وكان تم القاء القبض على ضرّاب اثناء رحلة عائلية كان يقوم بها الى «وورلد ديزني» في ولاية فلوريدا، فاعتقلته السلطات فور أن حطّت طائرته في مطار الولاية الجنوبية في مارس 2016، ونجحت منذ ذلك التاريخ بانتزاع معلومات قيمة منه حول شبكات تجاوز العقوبات.

أردوغان طالب مراراً بالافراج عن ضرّاب، فأبلغه بايدن في أنقرة، وكان مازال نائبا للرئيس، أن لا سلطة للبيت الأبيض على المحاكم الأميركية. على أن ترامب مارس الضغط الممكن لنقل ضرّاب من السجن الى الاعتقال في منزل.

كما طالب أردوغان باسترجاع الداعية التركي المقيم في أميركا فتح الله غولن، وهو عرّاب اردوغان السابق والذي يتهمه الرئيس التركي اليوم، بتدبير محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016.

وكان مستشار الأمن السابق لترامب الجنرال مايكل فلين، ومعه مدير الاستخبارات السابق جايمس وولسي، عقدا جلسة مع مسؤولين أتراك في واشنطن، اقترح فلين أثناءها عملية تخدير وخطف لغولن وارساله بطائرة خاصة الى تركيا. لكن وولسي أفشى السر للاعلام، واتهم ترامب وفلين، بالجنون.

أما آخر خدمات ترامب لأردوغان، فتمثلت باصداره أوامر مفاجأة بالانسحاب للجيش الأميركي المنتشر في مناطق حوض الفرات، بالاشتراك مع ميليشيات كردية تعتبرها أنقرة «ارهابية»، وهو ما سمح لقوات موالية لتركيا باجتياح المناطق الكردية، وأثار عاصفة من ردود الفعل الغاضبة بين الديموقراطيين والجمهوريين، ضد ما وصفوه تخلي ترامب عن حلفاء أميركا الذين لعبوا دوراً محورياً في القضاء على تنظيم «داعش».

ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن داميان مورفي، المسؤول عن الملف التركي لدى السناتور الديموقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز، أن «أردوغان كان قادراً على القيام بما يحلو له لمدة أربع سنوات لأنه كان لديه صديق في البيت الأبيض»، لكن «كل هذا سيتغير بالتأكيد من وجهة نظر الولايات المتحدة مع إدارة جديدة ذات نهج أكثر مسؤولية تجاه المنطقة وتجاه أردوغان».

ربما راهن أردوغان على ترامب ولم يتوقع خسارته الانتخابات الرئاسية، لكن مع فوز بايدن، صار من شبه المؤكد أن الموقف الأميركي تجاه الرئيس التركي سيتحول، وأن بايدن سيمارس ضغوطاً كبيرة على أنقرة، بما في ذلك دعم منافسين انتخابيا لالحاق الهزيمة بأردوغان.

وكان بايدن أدلى بتصريحات الى صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع هذا العام، قال فيها إنه سبق أن التقى أردوغان وقضى «الكثير من الوقت معه».

ووصف أردوغان بأنه «مستبد». وقال، «أعتقد أننا يجب أن ننتهج نهجاً مختلفاً تماماً تجاهه... ودعم قيادة المعارضة». وتابع بايدن أن على أردوغان «أن يدفع الثمن، وسنرى إن كنا سنواصل بيع أسلحة معينة له أم لا».

وأضاف المرشح بايدن: «أعتقد أنه إن أردنا الانخراط بشكل مباشر أكثر، يمكننا دعم عناصر في القيادة التركية التي لا تزال موجودة، والاستفادة منها بشكل أكبر، وتشجيعها على تولي زمام الأمور وهزيمة أردوغان، ليس عن طريق الانقلاب، ولكن بالعملية الانتخابية».

واعتبر أن أردوغان «انكشف في اسطنبول، وفي حزبه... تركيا لا تريد الاعتماد على روسيا، لكن (أردوغان) فهم أن (ترامب) لن يتعاطى معه بالطريقة نفسها التي كانت تعتمدها واشنطن، لذلك أنا قلق بشأن قواعدنا الجوية في تركيا وإمكانية الوصول إليها أيضا. وأعتقد أن الأمر يتطلب الكثير من العمل حتى نتمكن من الاجتماع مع حلفائنا في المنطقة والتعامل مع كيفية عزلنا لأفعال أردوغان، لا سيما في شرق البحر المتوسط، في ما يتعلق بالنفط وأشياء أخرى».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق