الخميس، 31 ديسمبر 2020

واشنطن تُلوّح لطهران بقاذفات «بي 52»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حلّقت قاذفتا «بي 52» العملاقة فوق الخليج للمرة الثانية في غضون شهر، وذلك للمرة الأولى منذ نشر بعضها في الخليج في مايو 2019... وفي المرّات الثلاث للسبب نفسه: رصدت الاستخبارات العسكرية الأميركية «تحركات مريبة» داخل إيران، وتدفعها للاعتقاد بأنها تستعد للتعرض لأهداف أميركية أو حليفة في المنطقة.

في المرة الأخيرة التي زارت القاذفات الأميركية الخليج وحطّت في قاعدة العديد في قطر، مرّت ستة أشهر قبل أن تشن إيران - حسب الاعتقاد الأميركي - هجمات بنحو 25 صاروخاً ومسيرات «درونز» ضد منشآت نفط سعودية في أبقيق، وحصل ذلك منتصف سبتمبر من العام نفسه.

هذه المرة، لا تعتقد الأوساط الأميركية أن إيران ستنتظر كل هذه المدة قبل تنفيذ هجومها، بل تخشى أن تقوم بشن هجوم خلال أيام، في الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني والقيادي في «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، في بغداد.

ولثني إيران عن إمكانية شنها أي ضربة، أرسلت واشنطن قاذفاتها العملاقة في طلعتين فوق الخليج.

لم تستخدم الولايات المتحدة هذه القاذفات، القادرة على حمل رؤوس نووية، في منطقة الخليج منذ حرب تحرير الكويت في 1991، حيث استهدفت وقتها تجمعات عسكرية عراقية.

ويمكن لـ «بي 52» استهداف أهداف متعددة في الوقت نفسه، أو توجيه ضرباتها من دون التحليق في المجال الجوي، بل على علوّ مرتفع جداً لا تطوله أي من أجهزة الدفاع الجوي.

وفي أبريل 2016، نفذت هذه القاذفات غارات ضد مواقع تابعة لتنظيم «داعش» في شمال العراق الغربي.

في حالة الترقب لهجوم إيراني محتمل، يمثل اعتبار التلويح بـ «بي 52» رسالة لطهران مفادها بأن واشنطن مستعدة للضرب في الداخل، أو حتى لاستهداف قواعد إيرانية في العراق، من قبيل «قاعدة جرف الصخر» التي تسيطر عليها الميليشيات الموالية.

ويعتقد كثيرون أنها تؤوي ضباطاً رفيعي المستوى في الحرس الثوري.

في وزارة الدفاع الأميركية ملفات وخطط للتعامل مع معظم البقع في العالم.

حتى للجارة الشمالية، الحليفة كندا، ثمة خطط في البنتاغون لاجتياحها إن اقتضى الأمر.

وتقوم الوزارة بتحديث خططها دورياً.

في الحالة الإيرانية، تسعى المؤسسة العسكرية للإبقاء على مجموعة من خيارات الرد، في حال قامت طهران بأي تحرك، ويقوم بذاك كبار الجنرالات بتقديم لائحة للرئيس الأميركي بعدد من الخيارات يصنفونها عادة بشكل تراتبي، من الأصغر حجماً الى الأكبر.

في نهاية العام الماضي، وبعدما أوعزت إيران لميليشياتها العراقية باختراق السور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد وإحراق بعض نقاط المراقبة، اعتبر الرئيس دونالد ترامب أن طهران كانت تعمل على إحراجه سياسياً وتشويه صورته حول العالم، بوصفه من الرؤساء الضعفاء، أو على ما يقول الخبراء الأميركيون «حاولت إيران أخذ مقاسات ترامب لمعرفة أين ترسم الخطوط الحمر في المواجهة معه».

وكان سبق لإيران أن أسقطت مسيّرة أميركية تبلغ تكلفتها 140 مليون دولار.

واتفق ترامب مع القيادة العسكرية على الرد بتدمير القاعدة التي انطلق منها الصاروخ.

لكن الرئيس الأميركي تراجع في اللحظة الأخيرة، وأوقف الرد، وهو ما يعتقد الخبراء أنه شجع إيران على التمادي ومباشرة التحرش بالأميركيين في العراق في مواصلة لعملية معرفة أين «الخطوط الحمر» مع ترامب.

لكن تبين أن مقاس ترامب كبير جداً، بل ضخم وغير مسبوق، إذ هو اختار من لائحة الخيارات التي قدمتها له المؤسسة العسكرية، تصفية سليماني، وهو قرار فاجأ المقربين، والعالم كله.

منذ ذلك التاريخ، لم تساهم طهران في مقتل أي أميركي، في أي بقعة من العالم، لعلمها أن ترامب جعل من الدماء الأميركية «خطا أحمر محرما تجاوزه»، تحت طائلة ردة فعل أقسى بكثير من الفعل.

هذه المرة، بعدما رصد الأميركيون تحركات إيرانية، تسعى واشنطن لتفادي التصعيد والمواجهة بإرسالها «بي 52» الى الخليج لإقناع الإيرانيين بأن الخيارات الأميركية ستتضمن رداً داخل إيران نفسها.

ويعتقد الخبراء أنه قد يسعف الولايات المتحدة أن تؤسس «ميزان رعب» مثل الذي أقامته إسرائيل مع «حزب الله» في 2006، وهو الميزان المعروف إسرائيلياً بـ«عقيدة الضاحية»، وهي تقضي برد ساحق ضد كل لبنان رداً على أي عمل يقوم به الحزب.

ويرى أميركيون كثر أن «عقيدة الضاحية»، هي المسؤولة عن تفادي «حزب الله» القيام بأي استفزازات أو تحرشات ضد الدولة العبرية.

ومثل الوضع الإسرائيلي في لبنان، يعتقد خبراء أميركيون أنه يمكن تأسيس معادلة مشابهة مع إيران، مفادها بأن أي تحرش بأميركيين في المنطقة أو بمصالح حيوية تابعة للولايات المتحدة أو حلفائها، سيكون الرد عليها ساحقاً في الداخل الإيراني، وبقاذفات «بي 52».

هل هي معادلة أميركية تنتهي مع انتهاء صلاحيات ترامب الدستورية منتصف يوم 20 يناير؟ يعتقد المتابعون أن المؤسسة العسكرية صارت من أنصار استخدام القوة المفرطة ضد إيران نفسها لثنيها عن إيقاع خسائر أميركية، بهجمات مباشرة أم غير مباشرة، أي أنه لا يمكن أن توعز بوكلائها في المنطقة بتنفيذ هجمات من دون أن تتعرض إيران نفسها لردود فعل أكبر مما يمكن للنظام تحمله.

وحتى يتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن منصب الرئاسة، يمكن الاستعانة بمواقف وزير خارجيته المعيّن انتوني بلينكن، الذي اعتبر أن عودة أميركا للاتفاقية النووية لن يشمل أي من المواضيع الأخرى، وهو ما يعني أن «بي 52» قد تغير داخل إيران، حتى لو عادت الاتفاقية النووية الى ما كانت عليه قبل انسحاب ترامب منها في مايو 2018.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق