الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

«قانون نافالني» أوروبي على طراز «ماغنيتسكي» الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ولم تتأخر الولايات المتحدة عن حملة القوانين التي تستهدف فساد مسؤولي حكومات العالم وتبييض الأموال، إذ وافق الكونغرس بإجماع حزبيه على مشروع قانون من شأنه إغلاق كل الثغرات القانونية التي يمكن استغلالها للتهرب من الضرائب ولتبييض الأموال في الداخل، بما في ذلك القضاء على ظاهرة الشركات الوهمية المنتشرة بكثافة في الأوساط الأميركية مع حسابات لها في المصارف.

وعمد مشرعو الحزبين الديموقراطي والجمهوري، في غرفتي الكونغرس، النواب والشيوخ، الى إلحاق القانون المالي الجديد بقانون الدفاع السنوي، بقيمة 740 مليار دولار، وهو الذي يمول وزارة الدفاع والقوات الأمنية، وهو القانون الذي يصدر سنوياً بالاجماع وبقليل من العراقيل.

الرئيس دونالد ترامب، وقبل 42 يوماً من نهاية رئاسته بعد فشله في الفوز بولاية ثانية، يسعى بكل ما أوتي من قوة لمنع مرور قانون الدفاع المذكور - الذي وافق عليه مجلس النواب بغالبية ساحقة، الثلاثاء، ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ عليه هذا الأسبوع - مهدداً باستخدام الفيتو الرئاسي الذي يعيد التشريع الى الكونغرس لإعادة النظر به والتصويت عليه، فإذا ما تمت المصادقة عليه مرة ثانية بغالبية الثلثين في كل من الغرفتين، يعود الى البيت الأبيض ويجبر الرئيس على توقيعه.

ترامب أعلن أن معارضته لقانون الدفاع ترتبط بالبند الذي ينص على إعادة تسمية كل القواعد العسكرية الأميركية التي تحمل أسماء ضباط ممن قاتلوا في صفوف الكونفيديرالية الجنوبية في زمن الحرب الأهلية، التي انتهت بانتصار الفيديرالية الشمالية.

ويؤيد الكونفيديرالية الجنوبية، التي انفصلت عن الاتحاد الفيديرالي بعد اصدار الرئيس الراحل ابراهام لينكولن أمر تحرير العبيد ورفضت تحريرهم، جزء من موالي ترامب وحزبه الجمهوري، خصوصا من أميركيي الجنوب.

لكن المراقبون الأميركيون اعتبروا أن حجة ترامب هي خطوة تحريض شعبوية للتعمية على ما يرفضه هو فعليا، أي قانون مكافحة الشركات الوهمية التي تسمح بتبييض الأموال والتهرب من الضرائب، خصوصاً أن لترامب وأصدقائه تجارب مع هذا النوع من الالتفافات المالية التي تكلف الخزينة الأميركية سنوياً خسائر تقدر بمئات مليارات الدولارات.

في أوروبا، يسعى المسؤولون الى استصدار تشريع اتحادي على طراز «ماغنيتسكي» المخصص لمكافحة فساد المسؤولين في حكومات العالم وتجاوزهم لحقوق الإنسان.

ويقول الديبلوماسيون الأوروبيون في العاصمة الأميركية إن القانون يتم اعداده لاستهداف حكومتين تقومان بـ«استخدام سلاح الارهاب» على الأراضي الأوروبية، وهما روسيا وإيران.

حكومة روسيا، حسب الديبلوماسيين الأوروبيين، عمدت لاستهداف عدد من معارضيها المقيمين في أوروبا في محاولات لتسميمهم واغتيالهم.

كما حاولت سرقة ملفات اللجنة المكلفة مكافحة تناول المنشطات الرياضية في الألعاب الأولمبية.

وكانت اللجنة الأولمبية علّقت عضوية روسيا بعدما ثبت تورطها في عمليات رعاية تناول رياضييها، المنشطات.

ويقوم المسؤولون الروس بعمليات تبييض أموال واسعة النطاق في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي عمليات تمتد من قبرص الى بريطانيا، وتتضمن ايداعات نقدية وشراء شقق فاخرة.

هذه الأموال والشقق ستكون عرضة للتجميد مع صدور القانون الأوروبي، الذي اقترح بعض المسؤولين الأوروبيين اطلاق تسمية «قانون نافالني» عليه، تيمناً بالمعارض الروسي اليكسي نافالني، الذي تعرّض قبل أشهر لمحاولة تسميم أدت الى دخوله في غيبوبة، وتم نقله من روسيا الى ألمانيا حيث تمت معالجته، وهو بصدد التعافي ويعد بالعودة الى بلاده.

وفي فيينا، تجري حالياً محاكمة أحد الديبلوماسيين الإيرانيين، بتهمة تهريبه عبوة ناسفة وارسالها الى باريس، عبر ايرانيين في بروكسيل، لتفجير كان يستهدف الحفل السنوي لتنظيم «مجاهدين خلق» المعارض.

وتحمل غالبية هؤلاء المعارضين، جنسيات أوروبية، وتمثل أي حادثة اعتداء على أرواحهم اعتداء على دول أوروبا، وهو ما يدفع الاتحاد الى تشريع قانون لمحاسبة المسؤولين الايرانيين، على غرار الروس، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم في أوروبا وحرمانهم تأشيرات الدخول لهم ولأفراد عائلاتهم.

ويقول المسؤولون الأوروبيون، إن قانون العقوبات المزمع المصادقة عليه، سيستهدف مسؤولين في ميانمار أيضاً، بسبب تورطهم بأعمال قمع بحق الأقلية من المسلمين، ومثل ذلك ضد مسؤولين صينيين متورطين بارتكابات ضد الأقلية المسلمة في الصين وضد معارضين في هونغ كونغ.

والى دول آسيا، يعتقد الأوروبيون أن عقوباتهم ستتضمن ما يحاكي «قانون قيصر» الأميركي، والذي يفرض عقوبات قاسية على سورية، وأركان نظام الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن عقوبات بحق مسؤولين لبنانيين بتهم فساد.

ختاماً، تسعى الوزارات والوكالات الاستخباراتية الأميركية لدى نظيراتها الكندية لحثّها على إقرار تشريعات تستهدف وقف تدفق الأموال الإيرانية الى كندا.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن الأموال الإيرانية في كندا ليست لاستخدام المسؤولين وعائلاتهم فحسب، بل أن النظام يستخدم هذه الأموال لتمويل أنواع مختلفة من نشاطاته في كندا والولايات المتحدة، مثل تمويل عمل اللوبي الموالي له في البلدين، وتمويل شراء تقنيات عسكرية ومدنية تحتاجها طهران ويتم تهريبها إليها.

ومثلما في كندا، كذلك في استراليا، حيث تقيم جاليتان إيرانية ولبنانية ضخمتان، تقوم ايران والتنظيمات الحليفة لها باستخدام بعض افراد هاتين الجاليتين لتبييض أموال والافادة من وصول أفراد هاتين الجاليتين الى النظام المصرفي العالمي.

وكان لبنانيون يحملون جوازات سفر أسترالية وكندية ساهموا في هجمات لمصلحة ايران و«حزب الله» اللبناني على الأراضي الأوروبية، وهي مشكلة يسعى مسؤولو كندا واستراليا الى التعامل معها، بمساعدة أوروبية وأميركية.

مع عودة جو بايدن إلى البيت الأبيض وترميم تحالف الأطلسي، لن تعود «الحرب الباردة» بين أميركا وروسيا أو بين أميركا والصين، كما كانت في السابق، بل إن «الحرب الباردة الجديدة»، بأشكالها الاقتصادية والمالية والاستخباراتية، ستأخذ شكل المواجهة بين كتلتين، الكتلة الغربية بقيادة أميركا وأوروبا ومعها الحلفاء في كندا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ضد كتلة بقية العالم الذي لا يلتزم القوانين الدولية، الإنسانية والمالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق