الثلاثاء، 12 يناير 2021

عودة حل الدولتين و"عقدة 67"

حسين عبدالحسين

أعلن الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، الديمقراطي، غريغوري ميكس، أنه ينوي العمل مع الرئيس (المنتخب) جو بايدن، الديمقراطية كذلك، لإعادة التمويل الذي كانت حجبته إدارة الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، عن السلطة الفلسطينية وعن وكالات الأمم المتحدة المخصصة لغوث اللاجئين الفلسطينيين.

وعودة الديمقراطيين إلى الحكم في واشنطن تعني نهاية ”صفقة العصر“ التي قدمتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي كانت تقضي بحكم ذاتي فلسطيني، على أضيق رقعة أرض ممكنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل تكثيف الدعم المالي والاقتصادي لتحسين حياة الفلسطينيين، وتوقيع الفلسطينيين على "وثيقة إنهاء الصراع".

عودة الديمقراطيين تعني كذلك إمكانية إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية للتوصل إلى حل الدولتين، وهي التسوية التي صادقت عليها "جامعة الدول العربية" في قمة بيروت في العام 2002، ومثلت افتراقا عن لاءات الخرطوم الثلاث للعام 1967، والقاضية بـ ”لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض“ مع إسرائيل.

ويندر أن صاحَب التغير في الموقف الرسمي العربي نقاشا شعبيا، أو نخبويا على الأقل، حول ما ينشده العرب وما يمكن التوصل اليه بالاتفاق مع إسرائيل، بل أن شريحة من العرب تابعت ممارسة عدائها المتجذر، لا للإسرائيليين فحسب، بل لليهود ككل، غالبا وفق تفسيرات متطرفة لنصوص قرآنية. وساهم في توسيع العداء العربي لليهود، انتشارُ الاسلام السياسي، خصوصا منذ ثورة ايران في العام 1979، وهو ما حوّل اتفاقيات مصر والأردن للسلام مع إسرائيل إلى اتفاقيات باهتة باردة، أقرب إلى هدنة منها إلى سلام.

أما في إسرائيل، فلم يتوقف النقاش حول كيفية التعامل مع المحيط العربي والفلسطينيين، وكان آخره كتاب "عقدة 67" لميكا غودمان، الذي حاز اهتماما واسعا في الأوساط الإسرائيلية، وتمت ترجمته إلى الإنكليزية. والعنوان استعارة من رواية أميركية شهيرة "كاتش 22"، ويرمز إلى وضع معقد لا تسوية له. أما استخدام رقم 67، فلإظهار محورية حرب 1967، والتي كانت نتيجتها سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وغزة وسيناء، قبل أن تعيد سيناء لمصر، بعد سنوات، وتنسحب من غزة.

وغودمان حائز على دكتوراه، ويعمل كباحث في معهد شالوم هارتمان في القدس، وتظهر كتاباته — التي كان آخرها "اليهودي المتأمل" الصادر قبل أسابيع — معرفة عميقة بتاريخ الصهيونية وتأسيسها، وبقيام دولة إسرائيل وتاريخ تياراتها من اليمين واليسار، وهو في كتبه يسعى دائما لاستعراض وجهات نظر الطرفين، اليمين واليسار، وإظهار نقاط القوة والضعف فيهما، ثم محاولة التوصل إلى حل وسط.

في "عقدة67" يستعرض غودمان النقاط التي يقدمها اليسار العلماني الإسرائيلي، التي تشبه إلى حد بعيد الموقف الفلسطيني، ومفادها أن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية غير أخلاقي، ويلطّخ سمعة إسرائيل وصورتها حول العالم. ويشير غودمان إلى المشكلة الديموغرافية، ويقول إن الخطة الصهيونية الأساسية كانت تهدف لإقامة غالبية سكانية يهودية في فلسطين، لكن قيام النازية بقتل ستة ملايين يهودي أفقدت الصهاينة القدرة على إقامة غالبية سكانية واضحة.

وأضاف غودمان أنه لو قيض لليهود ضمان الغالبية، لكانوا وافقوا على منح الفلسطينيين الجنسية الاسرائيلية بدون الخوف الديموغرافي من أن يصبح العرب أكثرية، وأن تسمح هذه الأكثرية للعرب بتسلم السيادة على اليهود، ديمقراطيا، إذ أن في صلب إقامة اليهود دولتهم هو حصر السيادة في أيديهم، والتخلي عن آلاف السنوات التي عاشوها بذلّ تحت حكم غير يهود.

كذلك يستعرض غودمان نقاط اليمين الديني الإسرائيلي الداعية للإبقاء على الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، ويقول إن الوضع القانوني ليس احتلالا، لأن إسرائيل لم تغزُ الضفة، بل وجدت نفسها تحكمها على إثر حرب دفاعية، لكن غودمان يصفه احتلالا من الناحية الاخلاقية، إذ لا يجوز أن تكون إسرائيل ديمقراطية داخلها فيما تحكم آخرين عسكريا خارجها، وتحرمهم الديمقراطية.

دفاع اليمين عن احتلال الضفة يتمحور حول نقطتين: أن الأرض منحة إلهية لليهود والتخلي عنها كفر، وأن الحفاظ على الأرض ضروري لغايات استراتيجية دفاعية. ويردف غودمان القول إن الأرض كانت منحة المجتمع الدولي لليهود، وأن نبوءة التخلي عن الأرض أمر مستحيل أظهرت بطلانها مع انسحاب إسرائيل من سيناء وغزة، وتفكيكها المستوطنات فيهما.

الصراحة التي تميز نقاش غودمان تتجلى في اعتباره أن لا تسوية ترضي كل الأطراف الاسرائيلية والفلسطينية، وهو ما يدفعه للبحث عن قاسم مشترك يرضي الجميع، بدون ضرورة إضفاء طابع النهائية عليه.

يقول غودمان إنه يمكن لإسرائيل الانسحاب من معظم الضفة، وإبقاء وجود عسكري في حوض الأردن وعلى قمة التلال حيث المستوطنات الاسرائيلية الكبيرة الأقرب من الساحل. ويمكن لإسرائيل ضمان أن أراضي الفلسطينيين متواصلة، ويمكن لهم التجول فيها بحرية بدون المرور عبر نقاط اسرائيلية أو التعاطي مع إسرائيليين.

وعلى عكس الحكمة الاسرائيلية الحالية المعارِضة لقيام دولة فلسطينية، يقول غودمان إن من مصلحة إسرائيل تعزيز قدرات الفلسطينيين على حكم أنفسهم وتحسين حياة مواطنيهم، ويمكن لإسرائيل تقديم أحياء في القدس لا يسكنها يهود وجعلها عاصمة الفلسطينيين.

أما المطلوب من الفلسطينيين، مقابل التنازلات الإسرائيلية، فسلام، دون التوقيع على وثيقة إنهاء صراع. يعي غودمان أن حماس قد توافق على هدنة عشر سنوات، على غرار هدنة الحديبية التي عقدها رسول المسلمين مع حكّام مكة. هكذا، يحصل الفلسطينيون على أقرب ما يمكن للدولة والحياة الكريمة، دون تنازلهم عن حق العودة ومطالبهم الأخرى، وينهي الإسرائيليون المعضلة الأخلاقية المتمثلة بحكمهم فلسطينيين عسكريا.

ويقول غودمان إن التسوية التي يقدمها لا تخوض في وضع عرب إسرائيل.

على مدى العقود الثلاثة الماضية، انغمس الإسرائيليون في نقاش حول شكل التسوية الممكنة، وقدموا أفكارا متنوعة وكثيرة. أما العرب، فلا نقاش، بل هتافات وشعارات حول "حقوق شعبنا كاملة"، ولعن الاحتلال، بلا حلول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق