الأربعاء، 10 مارس 2021

واشنطن مدعوة للتعامل مع العراق كـ... «دولة إستراتيجية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

تزامناً مع زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق، تعالت الأصوات الأميركية - من داخل الحكومة وخارجها - داعية ادارة الرئيس جو بايدن لاعتبار العراق «دولة استراتيجية» تسعى للسيطرة عليها قوى منافسة، مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران، فضلاً عن ان استقراره يؤدي لاستقرار المنطقة، ويساهم في حفظ الأمن العالمي ويمنع تشتت مواطنيه في العالم، كلاجئين.

كما دعا المهتمون بالشأن العراقي، الفريق الرئاسي الى عدم التعامل مع العراق كجزء من أزمة إيران النووية، بل باستقلالية عنها.

منذ تسلم بايدن الحكم في 20 يناير الماضي، شنت الميليشيات العراقية الموالية لايران هجمات على قواعد تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين، ما أدى الى مقتل متعاقدين، أحدهما أميركي. وردت واشنطن بضربة جوية ضد قاعدة للميلشيات في سورية.

ويخشى الخبراء الأميركيون أن لا تنظر واشنطن الى بغداد بمنظار مستقل عن الأزمة الايرانية، اذ سمحت الحكومة الأميركية لنظيرتها العراقية بالافراج عن أموال ايرانية مجمّدة تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار على الأقل، تمثل ثمن الكهرباء لمناطق الجنوب.

كما يخشى الخبراء أن تواصل ادارة بايدن تقديم بوادر حسن النية للايرانيين على شكل تنازلات في عموم المنطقة، اذ يبدو حتى الآن أن واشنطن تراجعت في اليمن، برفعها الحوثيين عن لائحة التنظيمات الارهابية، وفي افغانستان، وهو ما يعني أنها قد تقدم على التنازل عن بعض مطالب العراقيين لمصلحة طهران، مثل التخلي عن حل ميلشياتها.

ويرى متابعون، أن للولايات المتحدة مصلحة في مساعدة العراقيين على تثبيت الاستقرار، بما في ذلك الأمني والاقتصادي.

وفي دراسة صادرة عن مركز أبحاث «نيولاينز» الأميركي، كتبت الباحثة كارولين روز أن قوات الأمن العراقية لم تنجح في ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي من بعض القواعد، على اثر القضاء على تنظيم «داعش»، خصوصاً في منطقة القائم على الحدود العراقية - السورية، حيث يبدو العراقيون غير قادرين على ضبط حركة الميليشيات.

كما حافظت أميركا على وجودها في قاعدة التنف، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الميليشيات على أنواعها.

وكانت القوات الأميركية سلمت حقول النفط السورية، القريبة من الحدود العراقية، الى الميليشيات الكردية المتحالفة معها.

وقامت شركة «دلتا انيرجي» المغمورة بادارة الحقول لمصلحة الأكراد.

وكتبت روز أن قوات الأمن لا تزال بحاجة لأموال توازي ستة أو سبعة في المئة من الناتج المحلي، البالغ نحو ربع تريليون دولار، لتطوير نفسها وقدراتها.

لكن الميزانية العراقية غير قادرة على تأمين هذه الأموال، كما لا يمكن للمساعدة العسكرية الأميركية السنوية، ردم هذه الفجوة.

وبحسب دراسة صادرة عن مركز أبحاث «أميريكان بروغرس»، أعدها كل من ماكس بيرغمان والكساندرا شميت، يبلغ حجم المساعدة الأميركية، أربعة مليارات و120 مليون دولار، ما يجعل العراق الخامس عالمياً، من حيث حجم المساعدة العسكرية، بعد اسرائيل ومصر وباكستان والأردن.

على أن مشكلة العراق لا تكمن في عدم توافر الأموال فحسب، بل في الفساد الذي يرافق الانفاق الحكومي، والذي تحميه الميليشيات الموالية لايران.

وتبلغ موازنة العراق للعام الحالي مئة مليار دولار، تم تخصيص أربعة مليارات منها لـ «الحشد الشعبي»، على اعتبار أن عديد مقاتليه يبلغ 150 ألفاً.

لكن الرقم الفعلي لـ «الحشد» لا يتعدى الـ 70 ألفاً، ما يعني أن القيمين على الميليشيا، يتقاضون ضعفي رواتب المقاتلين، أي أن القادة يستفيدون من ملياري دولار، في وقت يتعذر على بغداد ضبط هذا الفساد، بسبب رفض «الحشد» أي عملية تدقيق في حساباته وانفاقه.

وتقول روز أنه «منذ حرب 2003، استثمرت الولايات المتحدة ما يقارب من 900 مليار دولار، وخسرت أكثر من 4500 جندي، بالتزامن مع البحث عن الذات في العراق»، ومع ذلك لم تتوصل الى «استراتيجية ناجحة».

وتضيف أن سحب المزيد من المستشارين العسكريين، البالغ عددهم 2500، «سيكون ضرورياً لأن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة لمزيد من الصراعات التقليدية ضد الصين وروسيا، لكن عليها أن تكون حذرة من التخلي عن العراق بالكامل».

وتعتقد أن «الأمن البشري والاستقرار في العراق ما زالا ضمن المصلحة الوطنية» الأميركية، وأن لا «حلاً سحريا لتحقيق الأمن».

بدلاً من ذلك، ترى أنه «يجب على إدارة بايدن تصميم إستراتيجية شاملة للعراق واستخدام مجموعة من الأدوات»، بما في ذلك الديبلوماسية، و»تعزيز التدريب المشترك لقوى الأمن، والدعم السياسي والاقتصادي كصيغة لدعم العمليات العسكرية العراقية».

وكان المجتمع الدولي رصد في المؤتمر الذي أقامته الكويت قبل عامين لجمع تبرعات إعادة اعمار المناطق المتضررة من حرب القضاء على «داعش»، نحو 30 مليار دولار.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب أدت الى تدمير أكثر من 40 ألف منزل، وان تكلفة اعادة بنائها تبلغ نخو 17 مليار دولار، فيما يبلغ اجمالي الأموال التي تحتاجها البلاد نحو 90 ملياراً.

وكانت الأوضاع المعيشية المتردية، والفساد، وسيطرة الميليشيات، دفعت العراقيين الى التظاهر منذ أكتوبر 2019، قبل أن تتوقف افساحاً في المجال أمام زيارة البابا فرنسيس.

لكن غالبية المتابعين يتوقعون عودة التظاهرات قريباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق