الثلاثاء، 29 يونيو 2021

واشنطن تجدّد حملتها لحض الحلفاء على مواصلة مقاطعة الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر في إدارة الرئيس جو بايدن، أن الإدارة تنوي إطلاق حملة ديبلوماسية ثانية لدى حلفائها الأوروبيين والعرب لحضهم على عدم إعادة علاقاتهم الديبلوماسية مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وسبق لواشنطن أن تواصلت مع الحلفاء قبل أشهر في السياق نفسه، وهي ستجدد ما سبق أن قالته لهم، لناحية أن أي تعامل مع الأسد هو عرضة للعقوبات الأميركية المفروضة على نظامه بموجب «قانون قيصر» الصادر باجماع الكونغرس بحزبيه.

وتقيم حالياً خمس من دول الاتحاد الأوروبي، والبالغ عددها 27، علاقات ديبلوماسية مع الأسد، وهي بلغاريا وتشيكيا والنمسا واليونان وقبرص.

أما الدول الأعضاء في الجامعة العربية، والبالغ عددها 21، عدا سورية ذات العضوية المعلقة، فتقيم سبعة منها علاقات مع الأسد.

على أن المعنيين في العاصمة الأميركية رصدوا حماسة عربية، في أبريل الماضي، للوقوف الى جانب الأسد والسعي لإعادة ما انقطع معه، وكان ذلك خلال عملية تجريد سورية من حقوقها في التصويت في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وهو قرار أيدته 87 دولة، فيما امتنعت 8 دول عربية عن التصويت، بما فيها الأردن والعراق، رغم أن سكان العراق من الأكراد سبق أن تعرضوا لهجمات كيماوية خلال عهد صدام حسين.

وبرز من الأعضاء الآخرين ممن عارضوا تجريد سورية من حق التصويت، دولة فلسطين، وانضمت بذلك الى إيران وروسيا والدول العربية السبع الأخرى.

وعلت أصوات في العاصمة الأميركية، دعت بايدن الى تعيين مبعوث خاص ليتسلم الملف السوري وليسعى لسن سياسات هدفها تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 2254، والذي يدعو الى عملية انتقال سياسي للحكم.

وفي هذا السياق، أصدر وزراء خارجية 19 دولة، على هامش لقاء عقدوه في روما في إطار الحرب على «داعش»، أول من أمس، بياناً حول شؤون المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين السوريين.




وعبّر بيان هذه الدول، ومنها 7 عربية، هي لبنان والعراق والأردن ومصر وقطر والسعودية والإمارات، عن دعمه للقرار الأممي ولعملية انتقال السلطة في سورية.

وجاء في البيان أن الدول رحبت «بالإحاطة التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن»، وأنها أكدت مجدداً الدعم القوي للجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتنفيذ كل جوانب القرار 2254، بما في ذلك الدعم المستمر لوقف إطلاق النار الفوري في عموم البلاد، وإيصال المساعدات من دون عوائق وبشكل آمن، ودعم تشكيل لجنة صياغة الدستوري، فضلاً عن (الدعم) لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره.

وأضاف البيان أنه بسبب حرص الدول«على وحدة سورية وسلامة أراضيها»، تتابع التزامها«مواصلة العمل للوصول إلى حل سياسي موثوق به ومستدام وشامل استناداً إلى القرار 2254»، وهو الحل«الوحيد الذي سينهي الصراع السوري الذي دام عقداً من الزمن»، والذي«يضمن أمن الشعب السوري ويحقق تطلعاته».

وشدد الوزراء«على الأهمية الحاسمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية»للسوريين،«بما في ذلك المساعدة لإنقاذ حياة الناس والاستجابة لأزمة وباء فيروس كورونا عبر مساعدة جميع السوريين المحتاجين، بما في ذلك من خلال توفير وتوسيع آلية الأمم المتحدة عبر الحدود التي لا يوجد بديل لها».

وختم البيان بالتأكيد على«أهمية استمرار الدعم للاجئين السوريين والدول المضيفة، حتى يتمكن السوريون من العودة طواعية إلى ديارهم بأمان وكرامة بما يتماشى مع معايير المفوضية».

في سياق متصل، وعلى اثر الغارة الجوية التي شنتها مقاتلات أميركية ضد ميليشيات عراقية موالية لإيران، على طرفي الحدود العراقية - السورية، ليل الأحد، تعرضت قاعدة أميركية في حقل العمر ليل الاثنين - الثلاثاء لقصف صاروخي، لم يؤد الهجوم الى وقوع إصابات.

وكتب واين ماروتو، الناطق باسم التحالف في بغداد، في تغريدة، أن القوات الأميركية ردت«دفاعاً عن النفس بقصف مدفعي على مواقع إطلاق الصواريخ».

ويقع حقل العمر، أكبر الحقول النفطية في سورية، في ريف البوكمال، على الحدود بين العراق وسورية.

قصة الجمهورية الإسلامية في لبنان

حسين عبدالحسين

على عكس التاريخ اللبناني الذي تمت إعادة كتابته وتوزيعه عبر مواقع يمولها النظام الإيراني، مثل "ويكي شيعة"، لم يبدأ "حزب الله" مسيرته كحركة "مقاومة" ضد إسرائيل، فالعملية العسكرية الأولى التي شنها الحزب المذكور ضد أهداف إسرائيلية كانت بعد "الاجتياح الثاني".

"حزب الله" تأسس بهدف اقامة "جمهورية اسلامية" في لبنان، وتصرّف في أولى سنواته كحزب يهتم ببناء شبكة مجتمعية إسلامية، وهي مرحلة غالبا ما يسميها الإسلاميون مرحلة "التمكين"، كانت خلالها سياسة الحزب مترفعة عن السياسة اللبنانية ومتكبرة عليها، ففي وقت كان لبنان ينقسم إلى شرقية مسيحية وغربية مسلمة، رفع "حزب الله" شعار "لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية". 

"حزب الله" انهمك آنذاك في أسلمة المجتمع اللبناني، على غرار ما فعل النظام الإسلامي في إيران، فتم تفجير محال مبيعات الكحول أو اغتيال من يديرونها، واستهدفت حفلات الأعراس ذات الموسيقى الصاخبة بمتفجرات صوتية، وتعرضت النساء من غير المحجبات أو ممن يلبسن ألبسة "غير شرعية" إلى الضغط المجتمعي الذي وصل حالة العنف اللفظي والجسدي. 

لهذه الأسباب، لم يكترث الحزب الموالي لإيران لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، بل عارضه، على عكس الإجماع اللبناني، وهو ما عزل "حزب الله"، وأجبره على المشاركة الخجولة في انتخابات 1992، وكانت تلك تجربة بهدف البقاء السياسي.

نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي كان فاز بوصاية بموافقة دولية على لبنان، كان لديه وظيفة للحزب المذكور، إذ هو أراد الحفاظ على ميليشيا لابتزاز الغرب عبر استهداف إسرائيل. لكن الأسد لم يكن مستعدا أن يكون للميليشيا أي ممول وراع عربي قد ينافسه على النفوذ في لبنان، من أمثال صدام حسين العراقي ومعمر القذافي الليبي. 

هكذا رأى الأسد في إيران راع لا ينافسه على لبنان، ولم يوافق الأسد على الإبقاء على سلاح "حزب الله"، إلا بعدما كان كرّس سيادته على لبنان مستفيدا من التصدي العربي لإيران كوسيلة لردعها في حال استقوت عليه.

التوازن الدقيق الذي أقامه حافظ الأسد، الذي كان معروفا بدهائه السياسي، بدأ مع إعلان إيران حملتها العسكرية لاحتلال البصرة العراقية عام 1987. العرب خشوا أن تكون البصرة مفتاحا لتوسع إيران عسكريا نحو الخليج، فرموا بثقلهم خلف صدام للتصدي لإيران، فتعثرت إيران. 

في تلك اللحظة التي كان يتسابق فيها العرب وإيران على أصدقاء وحلفاء في المنطقة، استغل الأسد لحظة ضعف كل منهما، فاستند إلى العرب وأمر قواته باجتياح "ثكنة فتح الله" أو مقر قيادة "حزب الله" في بيروت، ونفذت قوات الأسد إعدامات ميدانية ضد عناصر الحزب. 

وعندما هبّ المسؤولون الإيرانيون إلى دمشق لاستجداء الأسد لوقف اكتساحه الميليشيات الإيرانية في لبنان، أبقى الأسد الموفد الإيراني ينتظره في دمشق لأيام قبل أن يقابله. بعد ذاك، كرس الأسد أن "حزب الله" يعمل عسكريا في لبنان بتسليح وتمويل إيراني، وانما بتعليمات من دمشق حصرا.

وفي 1993، نسي "حزب الله" الترتيب المذكور، وحاول الاعتراض على مفاوضات السلام مع إسرائيل بتسييره تظاهرة قرب "جسر المطار"، فما كان من وزير الداخلية اللبناني، الذي كان يعمل بأوامر الأسد، إلا أن أمر بإطلاق النار، ما أودى بحياة تسعة لبنانيين من مناصري الحزب، وأكد الأسد أنه لو أراد لسوريا ولبنان توقيع سلام مع إسرائيل، فكان سيكون ذلك على الرغم من أنف "حزب الله" وإيران. 

اليوم صرنا نعرف أن الأسد لم يكن مهتما يوما بالسلام، إذ هو نظام يعتاش على الأزمات، وهو استخدم "حزب الله" لابتزاز الولايات المتحدة عبر استهداف إسرائيل، ويقول مبعوث السلام السابق، دينيس روس، في كتابه، إن الأسد وافق مرة على كبح "حزب الله"، بطلب أميركي مقابل تنازل أميركي للأسد في موضوع آخر.

الأسد الابن لم يكن سر أبيه، ولا هو أدرك مكامن قوة نظام العائلة بالإفادة من العداء بين العرب وإيران، بل هو تكبر على العرب وابتعد عنهم، فاحتضنته إيران حتى خنقته، ولم تكد تنقضي السنة الخامسة على وفاة الأسد الأب، حتى أجبر اللبنانيون والعالم الأسد الابن على سحب قواته من لبنان، وفهم "حزب الله" أنه تولى الحكم اللبناني، وأقام مهرجان "شكرا سوريا"، الذي كان الأجدى تسميته "وداعا لوصاية الأسد على لبنان". 

أخذ "حزب الله" لبنان معه إلى أحضان إيران و"محور المقاومة". هذه المرة، لم يعد "حزب الله" مهتما بإقامة "دولة إسلامية" اجتماعيا، بل هو استنسخ النموذج الإيراني الذي صار بموجبه زعيم الحزب حسن نصرالله مرشدا أعلى للبنان، على غرار إيران ومرشدها علي خامنئي. 

أما الأهم، فهو أن نصرالله استنسخ للبنان "اقتصاد المقاومة" الإيراني، وهذا اقتصاد مبني على فكرة الاكتفاء الذاتي، وتأسيس وحدة اقتصادية مع الاقتصادات المتهالكة الحليفة، مثل إيران واليمن وفنزويلا، وعزل لبنان عن الاقتصاد العالمي كوسيلة للاستقلال عن الغرب والإمبريالية والنظام العالمي بأكمله.

هذا النموذج الاقتصادي لم يكن صدفة أو وليد الظروف، ففي دستور الجمهورية الإسلامية في إيران أن "الأصل في مجال ترسيخ الأسس الاقتصادية هو سد حاجات الإنسان في مسير تكامله ورقيه، لا كما في سائر النظم الاقتصادية التي ترمي إلى جمع الثروة وزيادة الربح". 

وينتقد الدستور الإسلامي الإيراني "الاقتصاد في المذاهب المادية" لأنه "غاية بحد ذاته… بينما الاقتصاد في الإسلام مجرد وسيلة، والوسيلة لا يطلب منها إلا العمل بأفضل صورة ممكنة لبلوغ الغاية العليا". وبناء عليه، يضيف دستور "ولاية الفقيه"، يجب "على الحكومة الإسلامية أن تؤمن الإمكانات اللازمة بصورة متساوية، وأن توفر ظروف العمل لجميع الأفراد".

يستعير دستور إيران الإسلامية من المبادئ الماركسية للمساواة، لكنها استعارة جاءت يوم كانت إيران من أقوى اقتصادات العالم. ربما اعتقد الملالي المؤسسون، الذين نصّبوا أنفسهم اقتصاديين، أن الثروات متوفرة من تلقاء نفسها في إيران، وأن كل ما عليهم فعله هو إعادة توزيعها على الناس، وأن لا حاجة للانهماك بمسألة نمو الاقتصاد التي تتطلب أكبر انفتاحا ممكنا على العالم، بما في ذلك الغرب، على غرار ما كانت تفعل حكومة شاه إيران الراحل. أما نتائج الاقتصاد الإسلامي في إيران ولبنان، فعزلة وفقر وجوع، ومزيد من العزلة والفقر والجوع.

الاثنين، 28 يونيو 2021

هل تضرب واشنطن أهدافاً داخل إيران؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تحمل الضربة الجوية التي وجهتها الولايات المتحدة، لثلاثة مبانٍ تستخدمها ميليشيات «كتائب حزب الله» و«كتائب سيد الشهداء» العراقية الموالية لإيران، على طرفي الحدود العراقية - السورية، في طياتها، ما هو أبعد من الضربة التي وجهها الرئيس جو بايدن للميليشيات نفسها في فبراير الماضي.

هذه المرة، قامت طهران بتغيير قواعد اللعبة بتغييرها الأدوات التي تستخدمها في هجماتها، حسب المصادر الأميركية. في الماضي، كانت الميليشيات الموالية تستخدم صواريخ غير موجهة تطلقها كيفما اتفق على القواعد العراقية التي تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين.

لكن في الآونة الأخيرة، بدأت الميليشيات باستخدام طائرات من دون طيار (تعد أكثر دقة بكثير من الصواريخ) مفخخة لشن هجمات ضد أهداف أميركية.

وأصاب آخر الضربات، «مركز دعم الديبلوماسيين»، وهو يؤوي مستشارين عسكريين وعاملين في الاستخبارات وديبلوماسيين.

لم يؤد الهجوم إلى وقوع قتلى أو جرحى في صفوف الأميركيين، لكن «الدرونز الإيرانية المفخخة» أصابت مكاتب الأميركيين في المبنى الذي يعملون فيه، وهو ما يشي بأن طهران ترصد الأميركيين، وأنها قد تنجح في إيقاع الأذى بهم في هجمات مستقبلية.

للرد على «الدرونز»، قامت مقاتلات أميركية من طرازي «إف - 15» و«إف - 16» - انطلقت من قواعد في الخليج - بإطلاق صواريخ موجهة بالأقمار الاصطناعية، مستهدفة مبنيين على الجهة السورية من الحدود مع العراق تستخدمهما الميليشيات، لايواء مقاتلين وتخزين أسلحة، وكذلك على مبنى على الجهة العراقية يُستخدم كمطار صغير تقلع منه «الدرونات» وفيه مركز قيادة وتحكم لإدارتها.

وذكر الناطق باسم البنتاغون جون كيربي، في بيان، أنه «بتوجيه من الرئيس بايدن، شنت القوات العسكرية الأميركية غارات جوية دفاعية دقيقة ضد منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة الحدودية بين العراق وسورية».

وأضاف أنه «تم اختيار الأهداف لأن هذه المنشآت تُستخدم لقيادة هجمات بطائرات من دون طيار ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق».

وتابع: «على وجه التحديد، استهدفت الضربات منشآت عملياتية وتخزين أسلحة في موقعين في سورية وموقع واحد في العراق».

وأوضح أن هدف الضربة «عرقلة وردع هجمات الميليشيات» ضد القوات أميركية، المتواجدة «في العراق بدعوة من الحكومة، لغرض وحيد هو مساعدة قوات الأمن في جهودها لهزيمة داعش».

وفي روما، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، للصحافيين أمس، «اتخذنا إجراء ضروريا ومناسباً ومدروساً يهدف للحد من مخاطر التصعيد، وكذلك لتوجيه رسالة ردع واضحة لا لبس فيها».

وتأمل إدارة بايدن في أن تؤدي الضربة إلى وقف هجمات الميليشيات، ضد الأميركيين، لكن في حال لم تتوقف وأدت إلى وقوع أصابات، يتباحث الأميركيون في الخطوات التصعيدية الممكنة، والتي تتضمن، حسب أحد المصادر في البيت الأبيض، «إمكانية شن ضربات أميركية جوية ضد أهداف داخل إيران»، من قبيل تدمير مواقع صناعة «الدرونات المفخخة».

ولا ترى مصادر إدارة بايدن ارتباطاً بين محادثات فيينا غير المباشرة، حول ملف إيران النووي، وتصعيد الميليشيات.

وكان قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، قال في مقابلة مع مجلة الشؤون العسكرية «ميليتاري تايمز» في فبراير، أنه «خلال العام ونصف العام الماضيين، سعت إيران لإجبارنا على مغادرة العراق، من خلال الوسائل السياسية».وأضاف: «(لكن) بعد أن أدرك الإيرانيون أنهم لن يصلوا إلى هدفهم، سياسياً، تحولوا إلى نهج عسكري، وهذا هو الوضع الذي نحن فيه الآن».

والضربة الأميركية ضد أهداف على الحدود مع سورية، هي الثانية من نوعها منذ تولي بايدن الحكم في يناير الماضي. وهي المرة الثانية أيضاً التي يتفادى فيها الرئيس الأميركي استهداف مواقع داخل العراق لتفادي إحراج رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.

لكن الضربة لا تعني اجماعاً أميركياً على كيفية التعامل مع الملف الإيراني، إذ إنها كانت نتيجة مجهود احترافي إداري وعسكري واستخباراتي، بعيداً عن السياسيين الذين عينهم بايدن لإدارة الشأن الإيراني، وفي طليعتهم وزير الخارجية انتوني بلينكن ومسؤول ملف إيران روبرت مالي.

وكان الأخير سرّب للإعلام ما مفاده بأن أميركا مستعدة لرفع العقوبات عن المرشد الأعلى علي خامنئي، لإثبات حسن نيتها تجاه النظام الإيراني على طريق عودة الطرفين الى الاتفاقية النووية.

لكن طهران ردت بتصريح غابت عنه أي مرونة، وجاء فيه أنها ستعود للاتفاقية، لا بعد رفع كل العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب فحسب، بل بعد التأكد من ذلك أيضاً، وهو ما يعقّد من مهمة مالي، المستميت على إعادة إحياء الاتفاقية بأي ثمن.

لكن لا يصب التصعيد العسكري الأميركي، رداً على هجمات الميليشيات، في خانة تعزيز الثقة بين الطرفين في المفاوضات النووية، ولا في دفع أي مفاوضات أخرى.

السبت، 26 يونيو 2021

كيف تواجه الجامعة الأميركية في بيروت الأزمة؟

حسين عبدالحسين

يتباحث القيمون على الجامعة الأميركية في بيروت في الخيارات المتاحة لهم وسط الانهيار اللبناني الذي لا قعر له. في عضوية مجلس أمناء الجامعة نافذون ممن يتمتعون بعلاقات واسعة في واشنطن والعواصم الغربية، كما يمكن للجامعة الاستعانة بشبكتها الضخمة من الخريجين، وعدد كبير من هؤلاء من كبار المتمولين حول العالم.

أي خيار قد تتخذه الجامعة مبني على تقييم للوضع اللبناني، وهو ما يخلق مشكلة لا حلول واضحة لها، فالوضع اللبناني متحرك، أو بالأحرى متدهور، ولا يمكن للجامعة إعداد خطط طوارئ مع انهيار متواصل في سعر صرف الليرة اللبنانية، وهو ما يترك الجامعة أمام خيار وحيد، وهو التصرف بالاستناد حصرياً الى التبرعات، ومن دون التعويل على عائدات الأقساط الطالبية أو على عائدات المستشفى.

على أن المشكلة تكمن في ضخامة موازنة الجامعة، التي يبلغ عدد طلابها حوالى العشرة آلاف وتقارب موازنتها السنوية الجارية مبلغ النصف مليار دولار.

تملك الجامعة وقفية من 780 مليون دولار، ويمكن الاستعانة بهذه الأموال موقتاً لتمويل العجز السنوي، لكن مع تدهور سعر صرف الليرة، قد يستهلك العجز الوقفية بأكملها في غضون سنتين بالأكثر، حتى لو تقشفت الجامعة.

فكرة أخرى ممكنة تقضي بالعودة الى زمن التسعينات من القرن الماضي، يوم كان عدد طلاب الجامعة خمسة آلاف بموازنة تشغيلية سنوية كانت تبلع 110 ملايين دولار. في هذه الحالة، ستضطر الجامعة الى إلغاء عدد كبير من الكليات، ودمج بعضها ببعض، وإغلاق أقسام في المستشفى، وتسريح عدد كبير من العاملين لديها، لا من الموظفين العاديين ممن لا تشكل رواتبهم ذاك العبء الكبير، بل الأساتذة الذين يحملون في غالبيتهم المطلقة شهادات دكتواره من كبرى جامعات الولايات المتحدة. هؤلاء، بقوة شهاداتهم، يمكنهم البحث عن بديل للجامعة، حول العالم، يفيهم قيمتهم السوقية، وهو ما يجبر الجامعة على المنافسة بأسعار السوق، أي بالدولار، للحفاظ على بقاء الدكاترة من الأطباء والأساتذة في الكليات ومنع نزيف الأدمغة، الذي بدأ منذ سنتين.

لكن حتى مبلغ 110 ملايين دولار سنوياً هو مبلغ كبير بالنظر الى أن عائدات الأقساط والاستشفاء ستتحول الى هباء مع استمرار تدهور الليرة اللبنانية، اذ قد يصل الدولار عتبة الخمسين ألفاً في غضون عام، وهو ما يعني أن الأقساط لا تدفع حتى ثمن المازوت المطلوب لتشغيل الكهرباء للمستشفى في شكل متواصل، ناهيك بإضاءة حرم الجامعة الضخم.

هذا يعني أن خيار الجامعة الأميركية في بيروت سيتمحور حول تقليص عدد الطلاب الى أقصى حد ممكن، وإغلاق عدد كبير من الكليات وأقسام المستشفى، وتفادي الأقسام الأكثر تخصصية، والتي تكون عادة أكثر تكلفة، وهو ما يعني أن الجامعة ستسعى الى مواصلة العمل بأصغر كادر ممكن، على أمل أن تنخفض الموازنة التشغيلية الى ما دون 50 مليون دولار سنوياً، وهو ما يعطيها فرصة البقاء لفترة عقد بالاستناد الى التبرعات وتغطية العجز من عائدات الوقفية، أو بتسييل الوقفية نفسها مع الوقت لسد الحاجة، الى أن تنفد الأموال، فتقفل الجامعة أبوابها نهائياً.

والجامعة الأميركية في بيروت عاصرت حروباً كونية ومجاعات من دون أن تقفل أبوابها. الفارق هو أنه في الماضي، كان يمكن تشغيل الجامعة بالاستناد الى العطايا والمنح التي تجمعها إدارتها، بما في ذلك استخدام النقد الذهبي الذي كان يحمله الإرساليون الأميركيون معهم من بلادهم الى بيروت للاستغناء عن التعامل بالنقد التركي الذي انهار أثناء الحرب العالمية الأولى.

هذه المرة، لا ذهب ولا تغطية كاملة من التبرعات، بل ضرورة الاستناد الى العائدات بالدولار، ولبنان دولة نفد منها الدولار، وصار صعباً على الجامعة الأميركية في بيروت مواصلة عملها في ظل دولة تنهار.

الفكرة الوحيدة التي يقدمها القيمون على لبنان من أرباب "اقتصاد المقاومة" هي الصمود، والصمود يعني الصبر على الفقر والعوز، والاستعانة عليه بحصص تموينية، حزبية أو عشائرية، أو على منح الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية الدولية.

و"اقتصاد المقاومة" هذا ليس مصادفة، بل هو مفصّل في مقدمة دستور "الجمهورية الإسلامية في إيران"، الذي يدين نماذج الاقتصادات الرأسمالية بسبب سعيها الدائم للربح، ويعتبر أن المال وسيلة وليس غاية. أصلاً في لبنان، لم يعد هناك مال غير الليرة اللبنانية الورقية التي تنهار قيمتها مع انهيار صدقية دولة لبنان. غياب المال هذا صار سلاحاً مسلطاً فوق رؤوس اللبنانيين ينذر بمجاعة، هذه المرة ستكون مجاعة لا تستثني الارساليات أو المؤسسات الأجنبية.

على عكس الأدبيات اليسارية التي شاعت في القرن الماضي، لم ينهض الغرب باستغلاله موارد الشرق، بل باقامته دولاً هي الأكثر نجاحاً تنظيمياً واقتصادياً. ثم بزغ الإسلاميون، واستعاروا من الفكر اليساري ما أمكنهم لتعزيز عدائهم للغرب، وهو عداء مدفوع غالباً بالدين وبعض أساطيره، فصارت "اقتصادات المقاومة" مزيج من الفشل السوفياتي والعناد الديني. لكن السوفيات غيّروا يوم انهاروا. أما الدين فلديه قدرة أكبر بكثير على بيع الأوهام وتسكين الناس، كما قال كارل ماركس نفسه.

الجامعة الأميركية في بيروت خياراتها محدودة، بين التقليص الى الحد الأدنى الى أن ينفد الاحتياطي فيأتي الاغلاق، أو البحث عن دول غير لبنان، تكون طبيعية، عملتها ثابتة وقوانينها نافذة وسيادتها ناجزة. أما لبنان، فمهمته البحث من طريق العودة الى الدولة، وهي الطريق التي أضلّها، والتي لا يبدو أن أياً من القيمين عليه يعرفون كيف يعودون اليها.

الأربعاء، 23 يونيو 2021

الولايات المتحدة تواجه معضلة «اقتصاد المخدرات» في سورية ولبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يقول ديبلوماسي أميركي مخضرم، كان ممن شاركوا في «هندسة» إنهاء الحرب الأهلية في لبنان وتسليم حكم البلاد إلى وصاية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أن واشنطن وافقت على غض النظر عن بقاء الجيش السوري في لبنان واكتساحه «الجيب المسيحي» في المنطقة الشرقية من بيروت، مقابل مطلبين: الأول حل كل الميليشيات المسلحة التي شاركت في الحرب الأهلية، والثاني قضاء دمشق على «اقتصاد المخدرات» الذي نشأ على مدى 15 عاماً من الحرب اللبنانية، خصوصاً في سهل البقاع الخصيب، شرق البلاد.

ويتابع الديبلوماسي، أن «الأسد التزم وعوده، فقضى على شبكات المخدرات وزراعة الحشيشة في لبنان، وحلّ كل الميليشيات باستثناء واحدة - هي حزب الله الموالي لإيران - وربط بقاءه بالتوصل لسلام عربي - إسرائيلي، في وقت كان السلام يبدو ممكناً وحل الحزب المذكور يبدو غير بعيد».

لم يأتِ السلام ولم يتم حل «حزب الله». لكن موت الأسد وتولي ابنه بشار الحكم بعده، أضعف نظامه. فلم تكد تمر خمس سنوات حتى وجد الأسد الابن نفسه مجبراً على سحب قواته من لبنان، ولم تكد تمر ست سنوات بعد ذلك حتى وجد نفسه في مواجهة ثورة شعبية، حاول قمعها عسكرياً، فغرقت البلاد في حرب أهلية لم تخرج منها حتى اليوم.

وفي علم الاقتصاد، أن الحروب الأهلية تؤدي إلى دمار اقتصادات الدول التي تدور هذه الحروب على أراضيها. لكن الحروب الأهلية تؤدي في الوقت نفسه إلى قيام ما يسميه الخبراء «اقتصاد الباب الخلفي»، أي اقتصاد مبني على سائر أنواع النشاطات المحرمة قانونياً، محلياً ودولياً، مثل عمليات الجريمة المنظمة، والخطف مقابل فدية، وتجارة السلاح، وزراعة وتجارة المخدرات.

وحسب تقرير صادر عن «مركز التحليل العملي والأبحاث»، تمثل الحروب الأهلية الحاضنة الأفضل لنشوء ونمو اقتصادات المخدرات والشبكات المرتبطة بها. في الحالة السورية، يرى التقرير أن «من المستحيل رسم صورة لصعود دولة المخدرات السورية من دون تحديد جذورها مع بدء إنتاج عقار الكبتاغون في سورية، كنتيجة غير مباشرة للتشدد في تطبيق قوانين المخدرات في أوروبا، خصوصاً بلغاريا، في أوائل العقد الماضي».

ويضيف التقرير: «أدى القضاء على تصنيع الكبتاغون في أوروبا إلى دفع الإنتاج إلى الدول الهشة بالقرب من الأسواق الاستهلاكية، مثل لبنان، حيث ضعف الدولة المركزية سمح بصناعة العقار».

ووفق ما ورد في التقرير، فإن القوات الإيرانية «رعت بدء الصناعة اللبنانية من خلال تزويد حلفائها المحليين بمعدات الأدوية الاصطناعية في أعقاب حرب يوليو 2006، وفي 2007 تم اكتشاف أول مختبر تم الإبلاغ عنه رسمياً إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة».

أما سورية، فلم تبلغ عن اكتشاف معمل «كبتاغون» واحد حتى أواخر 2011، رغم اعتراف الحكومة بـ الطلب الكبير على المخدر محلياً، وتضاعف المضبوطات بين عامي 2008 و2009.

وبحسب التقرير، فإن معظم شبكات الاتجار بالمخدرات وتصديرها في سورية تخضع لسيطرة الحكومة منذ 2018، أو قبل ذلك بكثير، وقد تكون السيطرة على طرق التهريب، مثل ريف حمص الغربي وجبال القلمون، لعبت دور المحفز الأكبر لجهود استعادة هذه المناطق من قبل قوات النظام و«حزب الله»، الذي يحتفظ بوجود كبير في المواقع الحدودية، حيث يمكنه أن يوفر الاستقرار الاقتصادي والحماية لمنتجي المخدرات.

وعلى إثر قيام السعودية بضبط شحنة من «الكبتاغون» قادمة من لبنان، أعلنت بيروت اعتقال حسن دقو، وهو أحد مواطني المناطق الحدودية. وتظهر صور وفيديوات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، «ملك الكبتاغون» مع نواب ومسؤولين في «حزب الله».

وبسبب انتشار تجارة المخدرات في سورية ولبنان، تعتقد واشنطن والعواصم الحليفة، أن لا خيار بديلا عن دعم السلطات الشرعية المحلية لمكافحة هذه التجارة المحرّمة دولياً.

ويشير الخبراء في واشنطن، إلى أن موازنة القوات الأمنية اللبنانية السنوية، قبل بدء انهيار العملة المحلية صيف 2019، كانت تبلغ أكثر من ملياري دولار وتمول عمل أكثر من 80 ألفاً من أفراد الجيش والأمن العام والدرك والجمارك وأمن الدولة. أما اليوم، ومع خسارة العملة لقرابة 90 في المئة من قيمتها، أصبحت فعالية عمل القوات الأمنية مهددة، وهو ما دفع الولايات المتحدة الى التشاور مع حلفائها، وقامت بعد ذلك باريس بالدعوة لمؤتمر دولي للتعهد بتقديم سيولة مالية، على شكل عملة صعبة، لتمويل رواتب القوات الأمنية، لمنع تحول لبنان الى بؤرة ثانية لتجارة المخدرات، تجاور البؤرة السورية.

لكن المصادر الأميركية تقول إن مبلغ ملياري دولار سنوياً هو مبلغ كبير بالنسبة للمانحين، ويتم في الوقت الحالي تدارس تقديم مساعدات مالية للجيش وبعض القوى الأمنية تغطي تكاليف مرتبات هذه القوات فقط، وبالعملة الصعبة، من دون أن تغطي باقي مصاريف هذه القوات، مثل الصيانة والأمور اللوجستية الأخرى.

أما سورية، فمكافحة المخدرات المتدفقة منها أمر أكثر صعوبة وتعقيداً. ويؤكد المسؤولون الأميركيون لأنه بسبب التعقيدات السياسية، ستكتفي العواصم الغربية بمحاولة إدارة الأزمة والحد من تأثيراتها، مع الأخذ بالاعتبار أن أي حل جذري يرتبط بحل جذري مشابه للأزمة المندلعة في البلاد منذ عقد من الزمن.

الثلاثاء، 22 يونيو 2021

فوز رئيسي يتسبّب بـ «خيبة أمل» لـ «أصدقاء إيران»... الأميركيين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسبّب انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، بخيبة أمل واسعة في صفوف «أصدقاء ايران» في واشنطن، الذين انقسموا إلى فريقين في توجيه أصابع الاتهام حول الطرف المسؤول عن غرق إيران في المزيد من التطرف.

الفريق الأول، الذي يقوده «معهد كوينسي»، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة الأميركية يديره إيراني - أميركي ويموله الملياردير الأميركي الديموقراطي جورج سوروس، اتهم اليمين الأميركي بالتسبب بنجاح رئيسي، فيما الفريق الثاني، من أمثال الصحافي الذي كان معتقلاً في إيران جايسون راضيان، اعتبر أن انتخاب رئيسي هو آخر المطاف، وهو يشي بأن النظام غير مهتم بأي إصلاحات لتحسين أوضاع الإيرانيين.

على موقع «كوينسي»، استعاد ريان كوستيلو تصريحات لمسؤولين أميركيين من الحزب الجمهوري سبق أن عبروا فيها عن أملهم بنجاح المتطرفين في إيران، حتى يظهر الوجه الحقيقي للنظام.

وقال إن المسؤول السابق عن ملف إيران إليوت أبرامز كتب مقالاً في مايو عام 2017 بعنوان «لماذا أنا منحاز للمتشددين في الانتخابات الإيرانية: هتاف لإبراهيم رئيسي!»

وتابع كوستيلو أن أبرامز كان مدركاً أن رئيسي كان من القضاة الذين «أشرفوا على إعدام آلاف السجناء السياسيين في الثمانينات»، وأن «رئاسته يمكن أن تجعله الخلف الواضح للمرشد الأعلى علي خامنئي، الأمر الذي قد يكون له عواقب بعيدة المدى لعقود مقبلة».

وبحسب أبرامز، فإن انتخاب «متشدد مثل رئيسي من شأنه أن يقرب الجمهورية الإسلامية من الانهيار ويقدم رؤية أوضح لطبيعة النظام».

وكان الرئيس «المعتدل» حسن روحاني، هزم رئيسي قبل أربعة أعوام، بنسبة 57 إلى 38 في المئة، وسط إقبال كبير على التصويت، وهو ما أظهر «استمرار الدعم الشعبي للتسوية الدولية، ولرفع العقوبات، وللوعود بالإصلاحات في الداخل».

واعتبر كوستيلو أن المتشددين الأميركيين هم من سعوا إلى إفشال روحاني، بناء على دعوة «صقور» من أمثال جون بولتون ومايك بومبيو داخل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ومجموعات خارجية مثل «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي مركز أبحاث مقره واشنطن، فخرج ترامب من الاتفاق النووي الذي كان احتفل به العديد من الإيرانيين، وأدى ذلك الى ضغوط على روحاني وتبرئة منتقديه الذين كانوا حذروا من أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة.

على أنه ورغم إحباط «اللوبي الإيراني» في واشنطن من فوز رئيسي، واتهام اليمين بالتسبب بالفوز، إلا أن هذا اللوبي لم يدافع عن الرئيس الإيراني المنتخب.

وفي هذا السياق، كتب كوستيلو أن روحاني سيترك منصبه مع غياب أي إنجازات يمكن الاشارة إليها، وأن الايرانيين يشعرون باليأس وخيبة الأمل وسط استمرار القمع، والتضخم الناجم عن العقوبات الدراماتيكية، والوباء المدمر، «وسط عدم اكتراث الناخبين الإيرانيين... و(قيام) قادة إيران بتزوير اللعبة (الانتخابية) بوقاحة لصالح المرشح الذي تغنى به المتشددون الأميركيون والإيرانيون: إبراهيم رئيسي».

بدوره، كتب راضيان في صحيفة «واشنطن بوست»، أن رئيسي «يمكن أن يكون أكثر شخصية قمعية حتى الآن لشغل» منصب رئيس إيران، مضيفاً أن «رئيسي ليس صديقاً للتقدم، ولا لحقوق الشعب الإيراني»، وأن «أبرز ما فعله في حياته المهنية هو دوره كقاضٍ شاب عمل في لجنة أرسلت آلاف المعارضين إلى حتفهم من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة في عام 1988»، وهو ما تم توثيقه، حسب الكاتب الإيراني الأميركي، «من قبل هيئات مراقبة حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية»، ما يعني أن رئاسته ستؤدي «إلى تكتيكات أكثر قمعية من قبل الدولة، ومساءلة أقل لأولئك الذين يسيئون استخدام السلطة».

وانتقد راضيان «رفض مجلس صيانة الدستور الموافقة على ترشيحات العديد من الشخصيات السياسية المعروفة الأخرى، فجاءت عملية فحص المرشحين، بلا خجل، غير ديموقراطية، وسيطرت عليها هيئة غير منتخبة تقوم بتقديم عطاءات مرشد أعلى غير منتخب».

ورغم التلاعب بالترشيحات، رأى راضيان أن نتيجة الانتخابات كانت ستكون مهمة للشعب، و«لاحتمالات عودة النظام الإيراني والولايات المتحدة إلى الامتثال للاتفاق النووي».

كما انتقد «المرشحون السبعة الذين سُمح لهم في النهاية بالترشح». وقال إن «جميعهم موالون لمبدأ واحد يشترك فيه كل مرشح سابق، وهو الالتزام ببقاء النظام»، أما الاختلافات بين المرشحين، فهي حول «الكيفية التي يتصورون فيها ضمان استمراريته: إما من خلال الانفتاح الأكبر على الغرب، أو من خلال التمسك بنظام ثوري يرغب عدد متزايد من الإيرانيين في القضاء عليه».

وختم راضيان أن النتيجة «تعكس كيف فشلت في نهاية المطاف الفصائل الإيرانية المطالبة بالإصلاح، وذلك بسبب مزيج من خيبة الأمل بعد 8 أعوام من الوعود التي لم يتم الوفاء بها من قبل روحاني، وقرار النظام بالتلاعب بالعملية الانتخابية أكثر من المعتاد».

عزّ العرب من بغداد العباسيين إلى إمارات اليوم

حسين عبدالحسين

كتب أبو العبّاس أحمد اليعقوبي، المتوفى سنة 897 ميلادية، أنه اختار أن يفتتح "كتاب البلدان" الذي ألّفه بذكر بغداد، لأنها كانت في زمانه "المدينة العظمى، التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة، وكبرا، وعمارة"، ولأن "سكنها من أصناف الناس، وأهل الأمصار، والكور، وانتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية، وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، فليس من أهل بلد إلا ولهم فيها محلة، ومتجر، ومتصرّف، فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا". 


ونقل اليعقوبي عن الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور، الذي تحاول الميليشيات العراقية الموالية لايران اقتلاع تمثاله في بغداد انتقاما لتاريخه المعادي لأئمة الشيعة، أنه يوم وقف المنصور في بغداد، قال إنه اختارها لتكون عاصمة الإمبراطورية الإسلامية لأنها "جزيرة بين دجلة والفرات… مشرعة للدنيا، كل ما يأتي في دجلة من واسط والبصرة والأبلة والأهواز، وفارس وعمان واليمامة والبحرين وما يتصل بذلك، فإليها ترقى، وبها ترسى".

وأضاف المنصور، حسب اليعقوبي، أنه اختار بغداد كذلك بسبب كل البضائع التي تردها من "الموصل وديار ربيعة وأذربيجان وأرمينية، مما يحمل في السفن في دجلة… وما يأتي من ديار مصر، والرقة والشام والثغر ومصر والمغرب مما يحمل في السفن في الفرات".

يوم كانت الحضارة العربية في ذروتها، كانت بغداد عاصمة العالم، ومركز تجارته، وقبلة المهاجرين والباحثين عن حياة كريمة. وعلى عكس بعض الحضارات المجاورة، مثل الإيرانية، التي مجّدت الفروسية والحرب واحتقرت التجارة وأصحاب الحرف، أعلت الحضارة العربية من شأن التجارة، وبارك بها الاسلام. 

لا يذكر القرآن ولا تراث المسلمين، أن رسولهم اشتهر لكونه محاربا أو غازيا، على عكس جد السلالة العثمانية التركية الغازي عثمان. كان رسول المسلمين تاجرا، اقترن بخديجة وأدار لها تجارتها، وسيّر قوافل إلى الشام واليمن، وهي التجارة التي أطعمت قريش من جوع. 

الأرض العربية قاحلة بغالبها، وبالكاد تطعم سكانها. لذا، أدرك العرب أن خلاصهم في التجارة، واستغلوا موقع ديارهم بين قارتي الهند وأوروبا ليديروا الرحلات التجارية في الاتجاهين ويثروا أيّما ثراء. هكذا فعل نبط الأردن، ومثلهم فعل تدمريو سوريا، وعرب الخليج، وهكذا أعلن العباسيون بغداد مدينة السلام، لأن السلام شرط التجارة والازدهار. 

وهكذا حاول رئيس حكومة لبنان الراحل تحويل بيروت إلى مدينة سلام، حتى يُثري لبنان من التجارة. لكن الحريري دفع حياته ثمنا لمشروع أجهضه من يرون في الحرب كرامة وشرفا يرقيان على السلام والبحبوحة. 

وهكذا حاولت الإمارات العربية المتحدة، ونجحت، في استعادة دور العرب التجاري التاريخي، وحوّلت مدنها — دبي وأبو ظبي — إلى عواصم سلام وتجارة وازدهار، وصارت الإمارات، كبغداد العباسيين، قبلة المهاجرين، وملتقى الحضارات، ومركز التجارة. 

بعد الامارات، أدركت دول الخليج الأخرى أهمية هذا النموذج التجاري العربي، فأعلنت السعودية "رؤية 2030"، القاضية باستبدال اعتماد اقتصاد المملكة على النفط باقتصاد يعتمد على السياحة وتصدير الخدمات التعليمية والاستشفائية والمصرفية والمالية وغيرها.

ومثلها فعلت الكويت، التي أعلنت "رؤية 2035" الساعية إلى استبدال اعتمادها على النفط بإقامة "مدينة حرير" على رأس الخليج تلعب الدور الذي لعبته بغداد قبل 1250 عاما، ولعبته قبلها محمرة الأهواز في القرنين اللذين سبقا وتليا التأريخ الميلادي. 

قبل أسبوعين، استقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، نظيره الكويتي، نواف الأحمد، وحسب سفير الكويت في السعودية، علي الخالد، توافق الزعيمان على أن "التنوع الاقتصادي يعد هدفاً مصاحباً لخطط التنمية المتتابعة لضمان استدامة الاقتصاد… وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد قابل للنضوب". 

وأضاف الخالد أن الضيف الكويتي أشاد بمبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي يقترحها ولي العهد السعودي، مبديا استعداد الكويت للتعاون مع السعودية لتحقيق أهداف هذه المبادرة. 

في العالم نماذج ثلاثة في الحكم، الأول: هو الغربي القائم على الحريات والديموقراطية والاقتصاد الحر، والثاني: الصيني القائم على إدرة الدولة للاقتصاد حتى ينمو فيؤدي النمو لأمن اجتماعي واستقرار، والثالث: هو الريعي مثل روسيا وإيران، وهو الذي يحتكر الموارد القليلة، إن كانت من عائدات صادرات المواد الأولية أو من الفساد، لتمويل نظام قمعي يفرض الاستقرار فوق جثث من ماتوا من العوز والجوع. 

يدرك العرب المتنورون اليوم أن أهمية النفط، وتاليا الاقتصاد الريعي، تنحسر عالميا، وأن البديل الوحيد المتاح في منطقة تعاني من شح في المياه والمواد الأولية هو العودة إلى ما درج عليه الآباء والأجداد، أي إعلان مدن العرب مدن سلام، وفتحها للقاصي والداني، واعتماد التجارة كمصدر رئيسي للنمو الإقتصادي بدلا من النفط. 

أما عرب إيران، فهم مثل إيران، يهددون العالم بالعنف مقابل السماح لهم ببيع النفط وتمويل الأنظمة وأجهزتها القمعية التي تحافظ على الاستقرار عنوة في غياب الأمن الاجتماعي بسبب انتشار الفقر. 

الحريري حاول وفشل، والإمارات حاولت ونجحت، والسعودية والكويت تسعيان لتكرار النموذج الإماراتي. أما باقي العرب، فينشغلون في الصراخ، وأناشيد البطولة، وخطابات مكافحة الإمبريالية، وسائر الشعارات التي لا تغني ولا تسمن. 

الخميس، 17 يونيو 2021

بايدن يرفض عرض بوتين «فوائد» مصالحة الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كشفت مصادر مطلعة في الإدارة الأميركية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض على نظيره الأميركي جو بايدن، أثناء قمة جنيف، الأربعاء، أن تقوم موسكو بوساطة بين الرئيس السوري وواشنطن، بما في ذلك «طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة».

وتعهد أن يقوم بشار الأسد بتنفيذ كل ما يتم التوصل إليه في الاتفاق مع واشنطن، بما في ذلك «الإصلاحات السياسية».

وقالت المصادر إن بوتين حاول إقناع بايدن بـ«فوائد» انفتاح الولايات المتحدة على الأسد ونظامه، وأعلن أنها متعددة الجوانب، يتصدرها الأمني، إذ «يمكن للأسد أن يلعب دوراً محورياً في الحرب العالمية ضد الإرهاب».

وأكدت أن بوتين أوحى لبايدن أنه من دون الأسد، ستسيطر ميليشيات إسلامية متطرفة على سورية، وسيصبح «أمن حلفاء الولايات المتحدة وأمن حدودها في خطر»، في تلميح صريح إلى أن الأسد يمكنه أن يضمن أمن وسلامة الحدود السورية الجنوبية مع إسرائيل.

وقال الرئيس الروسي إن «للأسد تاريخاً مؤكداً في ذلك».

وأضاف بوتين أن الأسد يمكنه أيضاً أن يستعيد مناطق شرق الفرات، حيث تنتشر الميليشيات الإسلامية على أنواعها، منها «داعش»، ومنها ميليشيات موالية عراقية وأفغانية موالية لإيران.

حتى أن الأسد، بحسب بوتين، «كان قادراً على ضبط نوعية وكمية الأسلحة، التي كان يتم شحنها الى الميليشيات في عموم المنطقة»، في تلميح روسي ثان إلى أنه يمكن للأسد أن يسيطر على نوعية وكمية السلاح الإيراني الذي يصل إلى حزب الله اللبناني.

أما بعد اندلاع الحرب السورية، فبات الأسد غير قادر على ذلك، وراحت الميليشيات تتسلّح بسلاح نوعي كثيف.

وانتقل بوتين في تسويقه الأسد لدى الرئيس الأميركي من الأمني إلى السياسي، وقال إن دول المنطقة تعاني من نفوذ وهيمنة على بعضها البعض.

ولم يسمّ الرئيس الروسي، إيران بالاسم، لكنه ألمح إلى أن ما يقصده هو أن التعاون مع الأسد يبعده عن طهران ويعيده إلى الصف العربي، وهو ما يضعف حكماً النفوذ الإيراني شرق المتوسط.

ثم بعد الأمني والسياسي، حاول بوتين إقناع بايدن بأن التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن نسبة النمو في سورية ستتعدى الـ 20 في المئة في حال توقفت الحرب وأنهت الولايات المتحدة وأوروبا عزلة الأسد، ورفعت عقوباتها عنه، وأن هذا النمو يفتح الأبواب أمام شركات عالمية، منها روسية وأميركية، للاستثمار في سورية، وتحصيل أرباح كبيرة.

كما أشار إلى أن التقديرات تعتبر أن الشاطئ السوري قد يتمتع بمخزون من الغاز، وكذلك البادية الجنوبية، وأنه يمكن لكونسورتيوم نفطي دولي تطوير هذه المناطق النفطية بما يعود بالفائدة على شركات الطاقة الدولية الروسية والأميركية.

وبعدما أنهى بوتين مطالعة دامت أكثر من عشر دقائق تحدث فيها عن الأسباب الاستراتيجية التي دفعت روسيا الى إنقاذ الأسد «من مخالب الإرهاب»، رد عليه بايدن بأن «الأسد خسر ثقة العالم، وفي طليعته الولايات المتحدة، وأن لا واشنطن ولا أي من عواصم العالم مستعدة أن تتعامل مع رئيس قصف مواطنيه بأسلحة كيماوية».

وقال بايدن إن تقارير الوكالة الدولية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، التابعة للأمم المتحدة، أكدت بشكل قاطع قيام الرئيس السوري باستخدام غازات محظورة دولياً لقصف المدنيين، وأن لا مكان في العالم لزعماء من هذا النوع.

ولم يفنّد بايدن النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه «لم يعد جائزاً أخلاقياً».

في هذا السياق، قال آرون ستاين، مدير الأبحاث في «معهد أبحاث السياسة الخارجية» في واشنطن، إن إدارة بايدن بدأت مراجعة سياستها تجاه الأسد منذ توليها الحكم في يناير الماضي، وأن المراجعة «سعت إلى طي صفحة سياسات إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب، التي حوّلت أولويات الولايات المتحدة في سورية من الهدف الضيق المتمثل في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى توسيع المهمة بمواجهة إيران وحماية النفط السوري من الأسد».

وأضاف أن «النظام السوري هش وغير كفء، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران، كما صمد في وجه التمرد لمدة عشر سنوات، وهو لا يسيطر على البلاد بالكامل، لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة أي أراض».

وتابع ستاين أن سورية تواجه «كارثة اقتصادية ناجمة عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير فيروس كورونا، والعقوبات الأميركية، والجفاف الشديد الذي قلّص من المحاصيل الزراعية، والبنية التحتية المدمرة».

على أن الوضع السوري المتردي لا يؤثر في سياسة أميركا، التي تتمحور الآن حول هدفين هما «زيادة المساعدة الإنسانية والاحتفاظ بالوجود العسكري لمحاربة داعش» شرق سورية.

وأشار الباحث الأميركي إلى أن إدارة بايدن أفرجت عن 50 مليون دولار كمساعدة لتحقيق الاستقرار، والتي كان تم تجميدها في زمن ترامب، والتي تُنفق بشكل أساسي في شمال شرقي سوريا.

هذا التمويل، يضاف إلى 600 مليون دولار للتمويل الإنساني لكل سورية، بما في ذلك للاجئين في الدول المجاورة.

ويختم ستاين أن إدارة بايدن قرّرت «الاحتفاظ بقوات برية والدعم الجوي لقوات سورية الديموقراطية (قسد)، القوة الشريكة التي تصدرت محاربة داعش، وهي الأولوية الثانية للإدارة»، وهو أمر يزعج بوتين بلا شك.

ويبدو أن محاولات بوتين إقناع بايدن بالتنازل في سورية، أو على الأقل مقايضتها حتى يتسنى للرئيس الروسي الإفادة من الاستثمار الكبير العسكري والمالي له في سورية، لم تثمر، على الأقل في عهد هذا الرئيس الأميركي.


الثلاثاء، 15 يونيو 2021

المؤسسة العسكرية الأميركية «محتارة» في كيفية التعامل مع الملف الإيراني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كشف ابحار سفينتين عسكريتين إيرانيتين عبر المحيط الأطلسي باتجاه فنزويلا عمق الانقسامات التي تعانيها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف الايراني.

القيادة العسكرية ترغب في اعتراض السفينتين واعادتهما من حيث جاءتا، أما القيادة السياسية، خصوصا وزير الخارجية انتوني بلينكن ومسؤول الملف الايراني روبرت مالي، فتسعى الى تقديم أكبر عدد ممكن من التنازلات لحمل طهران على العودة الى الاتفاق النووي.

عسكريا، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن احدى السفينتين، اللتين اجتازتا رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا واستدارتا باتجاه الشمال الغربي، تحمل على متنها سبعة من الزوارق السريعة، التي غالبا ما تستخدمها بحرية «الحرس الثوري» في التحرش بالبوارج العسكرية الأميركية في الخليج.

وفي جلسة استماع لوزير الدفاع أمام مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، رفض لويد أوستن الافصاح عمّا تعتقد بلاده أن السفينتين الايرانيتين تحملانه، لكن الاجماع العام في العاصمة الأميركية أنهما محملتان بالأسلحة.

ومن الأسلحة التي تثير قلق المؤسسة العسكرية خصوصاً، الصواريخ البالستية والطائرات المفخخة من دون طيار، على طراز التي تزودها ايران للميليشيات الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط.

ويعتقد القادة العسكريون أن «آخر ما تريد أن تراه الولايات المتحدة قاعدة للصواريخ والدرونات المفخخة الايرانية على مقربة من الحدود الجنوبية» للبلاد، وهو ما يدفع العسكر الى اعتبار ان اعتراض السفينتين ومنع وصولهما الى فنزويلا قد يكون الخيار الأنسب، في وقت أرسلت واشنطن الى كراكاس رسائل ديبلوماسية حذرتها فيها من استقبال السفينتين أو افراغ حمولتيهما.

لكن أي تحرك عسكري لمنع سير السفينتين سيكون بمثابة تصعيد يناقض ما دأب بلينكن ومالي على فعله منذ أشهر، لناحية تقديم سلسلة من التنازلات لإيران لحثّها على العودة للاتفاقية النووية.

وحتى الآن، شملت التنازلات الأميركية تحرير قرابة خمسة مليارات دولار تعود لطهران كانت مجمدة لدى حكومتي كوريا الجنوبية والعراق ثمن نفط وكهرباء.

كما قامت واشنطن برفع بعض العقوبات في قطاعات تستميت ايران من أجل رفع العقوبات عنها، وهي الطاقة والشحن البحري والتأمين التابع له.

ورصد المتابعون قيام إدارة الرئيس جو بايدن، في السياق نفسه، برفع العقوبات عن عدد من أركان نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في أحدث بوادر حسن النية التي تستعرضها الولايات المتحدة على إيران.

على أن هذه الخطوات أثارت حفيظة مشرعين من الحزبين، قال بعضهم، بتهكم، إنه في الوقت الذي ستتحول المفاوضات مع ايران من غير مباشرة الى مباشرة، ستكون واشنطن قدمت كل ما يمكنها من تنازلات بشكل لا يعود هناك ما هو مطلوب التفاوض عليه.

وذهب أعضاء الكونغرس من الجمهوريين أبعد من زملائهم الديموقراطيين، ووجه ثلاثة منهم رسالة الى وزيرة الخزانة جانيت يلين طالبوها بتزويدهم بالوثائق التي بنت الإدارة موقفها عليها في عملية رفع ايرانيين وسوريين عن لائحة الكيانات التي تشملها العقوبات بسبب تورطها في أعمال مرتبطة بالإرهاب.

وقال عضو الكونغرس براين ستيل، في بيان، إن «إدارة بايدن ألغت العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات المرتبطة بتمويل الإرهاب... في الوقت الذي تواصل فيه إدارة بايدن مناقشات الاتفاق النووي مع النظام الإيراني».

وأضاف: «أريد إجابات حول ما إذا كان هؤلاء الأفراد والكيانات، الذين تم رفع العقوبات عنهم، لا يزالون يرتكبون السلوك نفسه الذي تسبب بالعقوبات عليهم أصلاً، مثل تمويلهم نظام (الرئيس بشار) الأسد الوحشي في سورية، أو الإرهاب في سائر أنحاء العالم».

وتابع ستيل: «مازلت أشعر بالقلق من أن هذا هو تنازل آخر من جانب الولايات المتحدة في محاولة لاسترضاء إيران والانضمام مرة أخرى إلى اتفاق إيران النووي المعيب».

أما في رسالة ستيل وزميليه الجمهوريين في الكونغرس جيم بانكس وجو ويلسون الى وزارة الخزانة، فورد التالي: «نحن ملتزمون التحقيق في أي وجميع حالات تخفيف العقوبات المقدمة إلى إيران وحلفائها، (اذ) لم يكن هناك تشاور كاف مع الكونغرس قبل إزالة هؤلاء الأفراد والكيانات من قائمة الارهاب (في وقت) ذكر بيان صحافي لوزارة الخزانة أن عمليات الشطب هذه، هي نتيجة لتغيير تم التحقق منه في السلوك من جانب الأطراف الخاضعة للعقوبات، وإثبات التزام الحكومة الأميركية رفع العقوبات في حالة حدوث تغيير في سلوك الأشخاص الخاضعين للعقوبات».

وجاء في الرسالة: «هذا تفسير غير كافٍ لأننا لم نر أي دليل يدعم هذا الادعاء، لذلك، نطلب من وزارتكم تقديم نسخ عن كل المستندات والمراسلات المتعلقة بعمليات الشطب إلى الأعضاء وموظفي الغالبية والأقلية المناسبين في لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، كما نطلب منكم التحقق من أن هؤلاء الأفراد والكيانات لم يشاركوا في سلوك آخر خاضع للعقوبات».

بدوره، اعتبر ايمانويل اوتلنجي، الخبير في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، وهو مركز للأبحاث مقره واشنطن، أن سبب استفزازات طهران هو اعتقادها أن واشنطن لن ترد.

وكتب على موقع المركز بحثا ذكر فيه أنه «بينما تعتقد واشنطن أن التنازلات هي مفتاح الانفراج في العلاقات مع طهران، الا أن هذه الإجراءات هي بمثابة ضعف في نظر طهران».

ورأى اوتلنجي أن «إرسال قافلة عسكرية إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة هو أكثر من مجرد اختبار لقدرة الملاحة البحرية الايرانية، بل هو بيان مفاده بأن إيران تستفز الولايات المتحدة لأنها تستطيع القيام بذلك».

وتابع الخبير الأميركي أن الأحداث التي أعقبت الصفقة النووية تكشف «سبب شعور إيران بقدرتها على إرسال سفن حربية إلى الفناء الخلفي لأميركا مع إفلاتها من العقاب».

وقال إنه «لم يكن الحبر قد جف بعد على خطة العمل الشاملة المشتركة»، في العام 2016، «عندما بدأت طهران باستخدام شركة الطيران الوطنية، إيران للطيران، لنقل الآلاف من مقاتلي الميليشيات إلى سورية في ذروة الحرب الأهلية هناك، وهي الشركة نفسها، التي بصفتها (مستفيداً رئيسياً) من خطة العمل الشاملة المشتركة، كانت على وشك شراء مئات الطائرات الغربية الصنع».

وختم بالقول: «لماذا تعرّض إيران الاتفاق النووي وفوائده الاقتصادية للخطر؟ لأنه يمكنها ذلك، ولأنها تلاعبت بواشنطن بشكل صحيح في الماضي، وتعلمت أن الولايات المتحدة لن ترد».

خيارات لبنان للخروج من جحيمه

حسين عبدالحسين

يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مسبوقة منذ المجاعة التي عانى منها قبل حوالي قرن. أسوأ ما في أزمة لبنان أنها ما تزال في بداياتها، وأن القادم أسوأ، وأنه سيحوّل حياة اللبنانيين إلى مأساة تشبه الخيال. ثاني أسوأ ما في أزمة لبنان أن مخيلة اللبنانيين نضبت، وأنه لا يمكنها أن تسعفهم في الخروج من جحيمهم. 

ومآسي اللبنانيين ليست قدرا، بل خيارا يتخذه اللبنانيون، غالبا بسبب الشحّ الهائل في ثقافة غالبيتهم حول شؤون الحكم والوطن والمواطنية.

قبل ثلاثة عقود، تسلّم رئيس الحكومة المغدور، رفيق الحريري، لبنان بعد حرب أهلية دامت 15 عاما. بذكائه الفطري الهائل، أدرك الحريري أن حجر زاوية إعادة إحياء لبنان يتمثل بتكريس استقراره، وتحويله دولة ذات جاذبية لقطاعات الخدمات على أشكالها، السياحية والتعليمية والصحية والمصرفية. 

استقرار لبنان كان يتطلب استقرار نقده، وتمويل إعادة إعماره، لإطلاق عجلة اقتصاده. كانت الحرب الأهلية أنهكت اقتصاد لبنان وأفرغت خزائنه، وهو ما تطلب تمويل نمو الاستقرار بالاستدانة، وهي عملية شائعة وإن كانت محفوفة بالمخاطر، مثل إمكانية عدم تحقيق نمو اقتصادي يمكنه تمويل الاستدانة وتسديد الديون لاحقا. 

نظريا، توافرت أمام لبنان كل العناصر المطلوبة حتى يتحول إلى دولة تنمو اقتصاديا على طراز "نمور آسيا"، لكن كانت هناك مشكلة حاول الحريري الالتفاف عليها، فالتفّت هي على عنقه وسلبته حياته. المشكلة كانت تكمن في أن الحرب الأهلية لم تكن انتهت بالكامل، إذ (بتعليمات من حكام لبنان في دمشق آنذاك) تم استثناء ميليشيا "حزب الله" من قرار حل الميليشيات الذي تلا الحرب الأهلية. ثم تم تشريع ميليشيا الحزب، شعبيا وسياسيا لا دستوريا، واعتبارها "مقاومة" مشروعة لاحتلال إسرائيل للجنوب اللبناني، وهو ما أبقى الحرب في الجنوب، مع جولات حرب شاملة طالت عموم البلاد بين فينة وأخرى.

الحكومات تستدين بفوائد، والحكومات التي تعاني من حروب، تستدين بفوائد أعلى بسبب المخاطر على المستثمرين. عقبات حروب "حزب الله" والاستدانة بفوائد عالية لم تثن الحريري، المعروف بصلابة عزيمته، الذي نجح في التوصل إلى ما يشبه الهدنة مع إسرائيل في "اتفاقية نيسان" عام 1996. ومع انسحاب إسرائيل بعد أربعة أعوام، حاول الحريري توسيع الهدنة إلى استقرار كامل، فراح يعقد جلسات مكثّفة مع زعيم "حزب الله" نصرالله لإقناعه بالتخلي عن السلاح. لم يتخلَّ نصرالله عن سلاحه، وتم اغتيال الحريري.

لم يؤد اغتيال الحريري إلى انهيار فوري للبنان، بل بقي نموذجه المبني على استقرار النقد قائما، وإنما دون استقرار في البلاد يسمح بنمو الاقتصاد، وهو ما أعطى اللبنانيين شعورا زائفا بإمكانية مزاوجة الاستقرار مع استمرار "المقاومة". لكن الشعور ليس واقعا، ولا يمكن بناء سياسات عليه، فكانت نتيجته الحتمية الانهيار. 

لم يع اللبنانيون ضرورة إنهاء الحروب، وساهم الاستقرار المزيّف في الإيحاء لهم أن لا ثمن لمواقفهم الإقليمية، واعتقدوا أنه يمكنهم مواصلة التمسك بـ "القضية الفلسطينية"، وبالسماح لحزب الله بمواصلة حروبه، بدون ثمن، إلى أن وصل لبنان نهاية الدرب، وبدأ مشوار تدحرجه نحو الهاوية.

على الرغم من الانهيار، ما يزال بعض اللبنانيين لا يفهمون ارتباط موقفهم تجاه "القضية الفلسطينية" بانهيار اقتصادهم، بل راحوا يبتدعون حلولا، كلها فارغة وانتقامية، من قبيل محاسبة كل السياسيين، وزجّهم في السجن، واستعادة الأموال المنهوبة. على أن فتح باب السجون للفاسدين، على أهميته، لن يوقف انهيار لبنان.

إن سبيل الخروج من الأزمة اللبنانية يكمن حصرا في أن يعي اللبنانيون تكلفة مواقفهم حتى يعرفوا ما يختارون. فلنعتبر أن "القضية الفلسطينية" هي أنبل قضية في التاريخ، وأن الظلم الفلسطيني لا يمكن السكوت عنه. لكن لمناصرة الفلسطنيين لائحة من الأسعار، بعضها يمكن للبنانيين تحمله، وبعضه الآخر خارج عن قدرتهم.

لو اختار اللبنانيون هدنة بحتة مع إسرائيل، بالتزامن مع دمج "حزب الله" بالقوى الأمنية اللبنانية، وتبنّي سياسة استقرار حديدي، وحياد إقليمي تام، يمكن أن يسمح الاستقرار ببعض النمو الاقتصادي، ووقف الانهيار، وإعادة لبنان إلى دولة ذات اقتصاد صغير، وإنما مستقر، وهو النموذج الذي كان يسعى إليه الحريري ومات في سبيله.

أما لو اختار اللبنانيون توقيع اتفاقية سلام وتطبيع مع إسرائيل، مثلما فعلت الإمارات المزدهرة وقبلة المهاجرين اللبنانيين، فمن شأن انفتاح لبنان على اقتصاد إسرائيل، الذي يبلغ حجمه 40 ضعفا حجم اقتصاد لبنان، أن يؤدي إلى نسب نمو اقتصادية لبنانية أعلى بكثير من نموذج الهدنة، ويمكن أن يتحول لبنان إلى دولة ذات دخل مرتفع، وهو النموذج الذي اختارته "المارونية السياسية" في اتفاقية 17 مايو 1983 للسلام مع إسرائيل، ولم تنجح في تسويقه ولا فرضه. 

الخيار الثالث أمام اللبنانيين هو التمسك بنموذج "الدولة المقاومة" الذي صممه "حزب الله" والقائم حاليا، وهو نموذج يضع القوة العسكرية فوق كل اعتبار، على الرغم من تكلفتها المالية والاقتصادية الخارجة عن قدرة اللبنانيين. ويرى "حزب الله" أنه يمكن التخفيف من مأساة اللبنانيين بحلول اشتراكية مثل بطاقات تموينية وتقتير وفقر.

ولا بد من القول إنه لا شك في قدرات "حزب الله" العسكرية، وإنه نجح في أن يجعل إسرائيل "واقفة على رجل ونصف"، حسب التعبير المحبب لأنصاره. لكن السؤال لأنصار "حزب الله" وللبنانيين عموما هو ما فائدة إبقاء إسرائيل مستنفرة؟ وبماذا يفيد ذلك اللبنانيين أم حتى الفلسطينيين؟ وما هي مكاسب اللبنانيين الاقتصادية من هذا الاستثمار الباهظ؟ لا عائدات، غير دغدغة المشاعر الوطنية، فالغالب أن المطلوب هو إعادة النظر بسياسة لبنان القائمة اليوم، واستبدالها بأحد الخيارين الآخرين اللذين يمكن للبنانيين تحمّل تكلفة أي منهما.

هذه هي خيارات لبنان للخروج من أزمته. أما إن واصل اللبنانيون نقاشهم العقيم حول "شكل الحكومة"، أو استبدال "المناصفة" بـ "المثالثة"، أو معاقبة المصرفيين أو الصيارفة، أو ابتداع أكباش فداء للانتقام منهم، كلها سياسات انتقام يمكنها أن تمتص غضب اللبنانيين دون أن تُنهي المآسي التي يعيشونها، فالانتقام والمشاعر لا تبني أوطانا. وحدها السياسات العقلانية هي التي تعلي الأوطان وترفع من شأنها وكرامتها.

الاثنين، 14 يونيو 2021

وباء «كورونا» يتلاشى أميركياً ونمو اقتصادي حاد يُنذر بانفلات التضخم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل 90 يوماً، كانت كل المؤسسات الحكومية والتجارية الأميركية تفرض على مرتاديها ارتداء كمامات ومراعاة قواعد التباعُد الاجتماعي. وكانت تقدم مطهراً لليدين على مداخلها وأمام المواقع التي تشهد إقبالاً للزبائن، مثل صناديق المحاسبة في محلات السوبرماركت وغيرها من المحال التجارية.

اليوم، اختفت الكمامات من على وجوه الغالبية الساحقة من الأميركيين، إلّا القليل منهم من المشككين في فعالية اللقاح أو انحسار فيروس كورونا المستجد، في وقت تبخرت قواعد التباعُد، وبدأت المؤسسات - خصوصاً المطاعم - تكتظ بالمرتادين بمعدلات فاقت ما كانت تشهده ما قبل انتشار بدء وباء «كوفيد - 19» في مارس 2020.

وفي الوقت نفسه، جفّت مستوعبات مطهر اليدين، وبقيت في مكانها مثل «الاطلال»، شاهدة على 13 شهراً من الخوف بين الناس من الفيروس، والوسواس من الاصابة به، والافراط في استخدام المطهر في محاولة ضمان تفادي التقاط العدوى.

ومنذ بدء الحكومة الأميركية، مطلع 2021، حملتها لتلقيح 280 مليوناً من السكان ممَنْ هم من عمر 12 عاماً وما فوق، تم استخدام 375 مليون جرعة لتلقيح 44 في المئة، أيّ 149 مليوناً، بشكل كامل، أي ممَنْ تلقوا جرعتين، فيما تلقى 10 في المئة اضافيين، أي 28 مليوناً، جرعة واحدة على الأقل.

وفي ذروة موجة التلقيح، وصل عدد الملقحين يومياً إلى أربعة ملايين في عموم البلاد، لينخفض الرقم تدريجياً ويصل الى مليون وربع المليون يومياً، على مدى الأسبوع الماضي.

وأمام «تسونامي» لقاح «كورونا» الأميركي، قهرت الولايات المتحدة، الوباء، الذي راحت أرقام المصابين به تنخفض بسرعة فائقة. الأسبوع الماضي، مثلاً، انخفض عدد إجمالي المصابين في المستشفيات الى ما دون 20 ألفاً، للمرة الأولى منذ مارس 2020، وبدأ عدد كبير من المستشفيات يفكك الأجنحة التي خصصها لاستقبال المصابين، في وقت انخفض معدل الاصابات اليومي الى ما دون عشرة آلاف، وهو الرقم الذي لم تشهده الولايات المتحدة منذ مارس 2020. كذلك تراجع معدل الوفيات اليومي الى 120، وهو الأدنى منذ أكثر من عام.

وبسبب الأموال الضخمة التي ضختها الادارتان الأميركيتان المتعاقبتان للتخفيف من مضاعفات الإقفال الذي فرضه الوباء على حُسن سير الاقتصاد، أولاً ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب وبعدها ادارة خلفه جو بايدن، تكدست الأموال في الحسابات البنكية لغالبية الأميركيين، في وقت مازالت معظم دول العالم مقفلة بانتظار تلقيح سكانها، وهو ما أجبر الأميركيين على انفاق الأموال المخصصة لاجازاتهم السنوية على السفر الداخلي، في ظل غياب امكانات السفر للخارج.

وأدى ارتفاع الطلب على السياحة الداخلية إلى ارتفاع قياسي في أسعار كل القطاعات المتعلقة بالسياحة، أهمها سعر البنزين، حيث تعدى معدل سعر الغالون الواحد، عتبة الثلاثة دولارات، وذلك للمرة الأولى منذ ما قبل «الركود الكبير» الذي أصاب البلاد في خريف العام 2008.

ومثل سعر البنزين، ارتفعت أسعار غرف الفنادق والبيوت السياحية، التي يتم تأجيرها عبر تطبيق «اربي انبي». ومثل ذلك، بدأت أسعار تذاكر السفر للطيران الداخلي ترتفع، وبات صعباً تأمين حجز مقعد في فترة تقل عن ثلاثة أسابيع، في وقت حافظت أسعار الطيران الخارجي على أدنى معدلاتها بسبب انخفاض الطلب عليها.

ومع أن دول الاتحاد الأوروبي أدركت أنها بحاجة لأموال السياّح الأميركيين، الملقحين بغالبيتهم المطلقة، إلّا أن عواصم القارة الأوروبية وشواطئها لا تبدو جذابة للأميركيين بسبب الاقفال الواسع الذي مازالت تعاني منه غالبية الدول، اذ لا متعة للأميركيين بالسياحة في المدن المقفرة.

والسياحة الداخلية ليست القطاع الوحيد الذي يُعاني من ارتفاع حاد في الطلب، وتالياً من تضخم كبير في الأسعار، اذ ان قطاعات أميركية واسعة تُعاني من المشكلة نفسها، وفي مقدمها قطاعا المساكن والبناء، غالباً بسبب الطلب الكبير المؤجل على مدى أكثر من عام، اذ قام عدد كبير من الناس بتأجيل عملية زواجهم وشرائهم بيوت لبناء عائلات.

ثم عادت الولايات المتحدة الى مرحلة ما قبل «كورونا»، فحصل شبه انفجار في الطلب على المنازل السكنية، وارتفعت أسعار البيوت بشكل حاد جداً، وتقلص الطلب، حتى أن أصحاب البيوت صاروا يتلقون رسائل قصيرة على هواتفهم من شركات تعرض عليهم شراء منازلهم بضعف سعرها السابق.

جزء آخر من الأميركيين من ملاكي البيوت قاموا بتأجيل عمليات الصيانة والاصلاح، ثم انهمروا كلهم في وقت واحد على طلب المتخصصين في شؤون البناء والصيانة. هكذا، ارتفع سعر الخشب الذي يتم استخدامه لتلبيس الأراضي في غالبية المنازل بشكل قياسي، وارتفعت أجور العاملين في البناء والصيانة حتى صار أجر ساعة العامل في الكهرباء أو في تمديدات الماء والمجاري يوازي أجر أكثر المتخصصين دخلاً، مثل الأطباء والمحامين.

الصورة تبدو وردية في الولايات المتحدة، وهذه أنباء تسرّ بايدن وحزبه الديموقراطي، الذي يمسك بالغالبية في الكونغرس بغرفتيه، النواب والشيوخ. لكن هذه الوردية تخفي خلفها بعض القلق، اذ سبق أن حذّر بعض الاقتصاديين، في طليعتهم وزير الخزانة الديموقراطي السابق رئيس جامعة هارفرد المرموقة لاري سمرز من عواقب «رمي المال» الحكومي على الناس. وقال إن من شأن هذا النوع من السياسات أن يؤدي الى تضخم، وتالياً الى انخفاض قيمة العملة في أيدي الناس وانخفاض قيمة أجورهم الفعلية.

ويشير المتخوفون من التضخم الداهم إلى أسعار المحروقات، ويقولون إن مؤشر أسعار الطاقة هو من أكثر المؤشرات الاقتصادية دقة، وأن سعر البنزين قد لا يعود إلى حيث كان عليه قبل بدء انتشار الجائحة قبل أكثر من عام.

الخميس، 10 يونيو 2021

الجفاف يضرب 40 في المئة من الولايات الأميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعد سنتين من انحباس الأمطار، دخلت ولاية كاليفورنيا الغربية، التي يسكنها 40 مليون نسمة وصاحبة أكبر اقتصاد بين الولايات الأميركية، ومعها جارتها نيفادا، حيث كازينوهات لاس فيغاس الشهيرة عالمياً، مرحلة الجفاف الشديد، يرافقه تناقص سريع للثلوج على قمم الجبال الشمالية التي تغذي بحيرات الولايتين وانهاريهما، مع انخفاض في مستويات المياه الجوفية إلى معدلات غير مسبوقة تاريخياً، بينما تشير تقارير الوكالات البيئية الفيديرالية الى أن ما يقارب 40 في المئة من الولايات تعيش الآن في ظروف قحط وجفاف قاس.

وأثار الجفاف القاسي في كاليفورنيا ونيفادا وجنوب البلاد الغربي عموما المخاوف حول امكانية اندلاع موسم حرائق الغابات قبل موعده بأشهر، مع تراجع قدرة اطفاء الحرائق بسبب شح المياه، وكذلك بسبب ضعف القدرة على توليد الكهرباء مع انخفاض المياه في البحيرات الى معدلات أقل ارتفاعاً من المطلوب خلف السدود لتشغيل محطات التوليد الكهرومائية، وهو ما سيضطر حكومات هذه الولايات الى زيادة الانفاق للاعتماد على الكهرباء التي يتم توليدها عن طريق النفط والغاز، ما يفاقم من أزمة ارتفاع معدلات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء.

ودق خبراء البيئة ناقوس الخطر، في وقت وقف وزير الخارجية انتوني بلينكن أمام لجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ لطلب تخصيص مليارين ونصف المليار دولار لتسريع الاستجابة العالمية لأزمة المناخ.

هذه الأموال سيتم تخصيص نصفها لـ «صندوق المناخ الأخضر الأميركي لمساعدة البلدان النامية على تنفيذ برامج التكيف مع المناخ، وتخفيف الانبعاثات، وهو ما يصب في مصلحتنا مباشرة»، حسب الوزير الأميركي.

وصادفت تصريحات بلينكن في ذكرى يوم المحيطات العالمي، والذي أصدرت لمناسبته، وزارة الخارجية بيانا جاء فيه أن المحيطات تغطي «أكثر من 70 في المئة من سطح الأرض، وتقدم سبل العيش لمليارات البشر حول العالم، وتوافر أكثر من نصف الأوكسجين الذي نتنفسه».

وأضاف البيان أن «الولايات المتحدة حددت هدفاً يتمثل في تحويل 30 في المئة من أراضينا ومياهنا الى محميات طبيعية بحلول العام 2030»، وأن «الجهود المبذولة لتوسيع المناطق البحرية المحمية هي جزء مهم من تحقيق هذا الهدف، لأنها أداة أساسية يمكن أن تساعد في حماية التنوع البيولوجي، ودعم مصايد الأسماك، والتقاط الكربون وتخزينه، وبناء قدرة المحيطات على الصمود».

وتابع البيان أن على الولايات المتحدة «معالجة أزمة تلوث المحيطات بالبلاستيك، والعمل مع الدول والتنسيق في اتخاذ إجراء عالمي» في هذا السياق.

عن أزمة المناخ، أشار البيان الى أنها أزمة للمحيطات كذلك، إذ هي «تمتص من 20 إلى 30 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي يسببها الإنسان»، وأن «أكثر من 90 في المئة من ارتفاع درجة حرارة الأرض - على مدار الخمسين عاما الماضية - كانت في المحيطات».

كما أن «ارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمّض المحيطات، وابيضاض الشعاب المرجانية، وأضرار العواصف والفيضانات، والتغير في وفرة وتوزيع الأنواع البحرية، وفقدان التنوع البيولوجي، كلها ليست سوى بعض من آثار التلوث والاحتباس الحراري»، وهو ما «يعرّض المجتمعات للخطر في كل أنحاء العالم».

في هذه الأثناء، أشارت تقارير الوكالات البيئية الفيديرالية الى أن ما يقارب 40 في المئة من الولايات المتحدة تعيش الآن في ظروف قحط وجفاف قاس، وأن الجزء الغربي من البلاد عموماً يعاني من أشد جفاف اتساعا وشدة في القرن الحادي والعشرين.

ويقول الباحثون في مجال المناخ إن جبال سييرا نيفادا في كاليفورنيا «شهدت أسرع ذوبان للجليد من على قممها هذا العام، اذ أدى ارتفاع معدلات درجات الحرارة، وفقدان الماء في الغلاف الجوي، الى تحوّل الكثير من الثلج مباشرة إلى هواء، بدلا من الذوبان والجريان بشكل سطحي لتغذية المياه الجوفية».

والجليد على قمم جبال كاليفورنيا يوفر 30 في المئة من إمدادات المياه للولاية سنوياً، وهو هذا العام تبخّر قبل شهرين من الموعد المعتاد، في وقت تعاني الخزانات الرئيسية للولاية، مثل بحيرة أوروفيل، انخفاضاً في مخزونها الى مستوى أدنى مما كانت عليه خلال الجفاف القاسي الذي شهدته بين 2012 و2016.

في الأثناء، يشهد حوض نهر كولورادو حالة جفاف شديدة، كما رجّح الباحثون امكانية اندلاع موسم حرائق شديد في غابات كاليفورنيا، بسبب مزيج النباتات الجافة مع درجات حرارة أعلى من المعدّل، وان حصل ذلك، سيكون في أعقاب أسوأ موسم حرائق شهدته الولاية في تاريخها، العام الماضي.

وتشير الدراسات إلى أن هذا الجفاف، الذي تم قياسه باستخدام بيانات رطوبة التربة وحلقات الأشجار، هو ثاني أسوأ جفاف تشهده البلاد في الأعوام الـ 1200 الماضية.

كما تظهر الدراسات أنه مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، سيصبح الجنوب الغربي للولايات المتحدة أكثر جفافا وسخونة، وهو أمر مقلق، بالنظر إلى احتمال زيادة الضغط على الموارد المائية، وسط طفرة سكانية في ولايات مثل أريزونا ونيفادا، المجاورتين لكاليفورنيا.

هكذا، يحذّر الخبراء الأميركيون من مغبة عدم تقليص العالم لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل حاد، ابتداء من هذا العقد، تحت طائلة ارتفاع درجة حرارة المزيد من المناطق الأميركية والعالم، وهو ما يهدد بإطلاق العنان لتأثيرات كارثية، مثل ذوبان أجزاء من الغطاء الجليدي في انتاركتيكا.

أما في الوقت الحالي، فيقدم الجفاف القاسي في جنوب أميركا الغربي، وموسم حرائق الغابات المتوقع، عيّنة مؤسفة عمّا قد يليه في السنوات القليلة المقبلة.

الثلاثاء، 8 يونيو 2021

بلينكن ومالي يسعيان لحشد التأييد لأي اتفاقية ممكنة مع طهران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انضم وزير الخارجية انتوني بلينكن الى مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية روبرت مالي في تخويف الكونغرس والرأي العام الأميركي مما يصفونه بـ «الخطر الداهم» لبرنامج إيران النووي.

وأبلغ بلينكن أعضاء الكونغرس، الاثنين، أن طهران قامت بتسريع برنامجها حتى صارت على بعد أشهر من إنتاج قنبلة نووية، وأنه في حال عدم التوصل لاتفاقية معها، ستتمكن من إنتاج قنبلة نووية خلال أسابيع.

هذا الأسلوب الهادف الى تحويل البرنامج النووي الى خطر داهم يستوجب عودة أميركية «كيفما اتفق» الى الاتفاقية النووية، هو الأسلوب الذي ينتهجه مالي منذ توليه رسمياً الملف الإيراني قبل أشهر.

بكلام آخر، يقوم مالي، والآن معه بلينكن، بتضخيم الخطر الإيراني لجعل التوصل الى أي اتفاقية نووية، وان عرجاء، بمثابة انتصار للولايات المتحدة والعالم.

وفي دردشة مع «الراي»، رجّح عاملون في الكونغرس من مساعدي الأعضاء الذين التقوا بلينكن أن يكون سبب انخراطه في التحذيرات التي دأب مالي على الادلاء بها هو اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية، في 18 يونيو الجاري، وهو الموعد الذي يستخدمه كل من بلينكن ومالي لاقناع أعضاء الكونغرس باستحالة التوصل لاتفاقية نووية مع طهران بعده بسبب شبه حتمية انتخاب المرشح المتشدد ابراهيم رئيسي رئيساً لإيران.

لكن أعضاء الكونغرس، خصوصا من الديموقراطيين الوسطيين والجمهوريين، تبنوا أسلوباً مضاداً لمواجهة أسلوب تضخيم الخطر الإيراني الذي يتبناه بلينكن ومالي، فقاموا بالاشارة الى تسارع تقارير الاستخبارات الصادرة عن العواصم الأوروبية، والتي تؤكد أن النظام الإيراني يسعى جاهدا للتوصل لصناع سلاح نووي في أقرب وقت ممكن.

واتهم الجمهوريون، إدارة الرئيس جو بايدن الديموقراطية بأنها «القت الكرة»، أي أنها تخلّت عن الموضوع، اذ ان إيران لم تسع طوال الأربع سنوات التي شغل فيها الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الى تسريع برنامجها النووي لخوفها من عواقب ردات فعل واشنطن، وأنها لم تسارع الى انتاج أسلحة دمار شامل إلا بعد وصول بايدن الى الرئاسة.

وفي الوقت الذي تضغط فيه دول الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، أظهرت تقارير وكالات الاستخبارات الأوروبية أن طهران سعت، العام الماضي، للحصول على تكنولوجيا لصنع أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى.

وأعلن جهاز الأمن السويدي أن «إيران تمارس عمليات تجسس صناعية تستهدف بشكل أساسي صناعة التكنولوجيا الفائقة السويدية والمنتجات السويدية، والتي يمكن استخدامها في برامج الأسلحة النووية». واضاف ان «إيران تستثمر موارد ضخمة في هذا المجال»، وأن «بعض هذه الموارد تستخدمها في السويد».

كذلك أشار جهاز الاستخبارات والأمن العام الهولندي، أن طهران سعت للحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية، وربما أسلحة دمار شامل أخرى. وذكر أن «وحدة مكافحة الانتشار المشتركة التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية والأمن في البلاد تحقق في كيفية محاولة الدول الحصول على المعرفة والسلع التي تحتاجها لصنع أسلحة دمار شامل».

كما قامت أجهزة الاستخبارات الهولندية بالتحقيق مع الشبكات المشتبه بها، ونجحت في «إحباط محاولات متعددة لشراء تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام» (أي لأهداف عسكرية ومدنية في الوقت نفسه).

أما في ألمانيا، حيث تدير كل ولاية من الولايات الـ 16 وكالة استخبارات خاصة بها، أشارت وكالتان الى «جهود طهران في الحصول على أسلحة دمار شامل على الأراضي الألمانية في عام 2020».

في ظل هذه التقارير، قامت «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي مركز أبحاث مقرة واشنطن، بدعوة الإدارة الى تعليق المفاوضات.

وكتب الباحثان بنجامين وينتال وعلي رضا نادر، وهو أميركي من أصل إيران، أنه «حان الوقت للمفاوضين الأميركيين في فيينا لتخصيص بعض الوقت لتقييم نتائج الاستخبارات الأوروبية الأخيرة حول أنشطة الأسلحة النووية غير المشروعة للجمهورية الإسلامية».

وتقول مصادر الكونغرس إنه رغم محاولة بلينكن ومالي إثارة الذعر من امكانية اقتراب إيران من صناعة سلاح نووي، إلا أن من يعرقل العودة لاتفاقية 2015 النووية، هي طهران، لا واشنطن.

وأشارت الى أن العقبات التي لا تزال تعترض عودة أميركا للاتفاقية، تتضمن رفض إيران تفكيك طرود التخصيب الحديثة واصرارها على وقف العمل بها فقط، وكذلك رفض الولايات المتحدة رفع كل العقوبات التي فرضها ترامب، بما في ذلك المتعلقة بالإرهاب وبرنامجها الصاروخي.

وتضيف مصادر الكونغرس أن مالي حاول مراراً تحريض الديموقراطيين ضد كل عقوبات ترامب، ووعد الإيرانيين بمحاولة نسفها كلها، لكن الاتفاقية الأساسية كانت واضحة في أنها تنحصر بالشأن النووي، وأن الوفود في 2015 كانت واضحة في أن العقوبات غير النووية التي لم يتم الاتفاق على رفعها، بل يمكن تعزيزها، وأن الرئيس السابق باراك أوباما نفسه فرض بعض العقوبات على إيرانيين بتهم ارهاب، بعد توقيع الاتفاقية، من دون أن يؤدي ذلك الى نقضها.

وفي فيينا، تعقد الوفود جلسة المفاوضات غير المباشرة السادسة، قبل موعد الانتخابات الإيرانية بنحو أسبوع واحد، وهو ما يبدو أنه دفع بعض المفاوضين الأوروبيين والإيرانيين الى التوقع أنه سيتم التوصل لاختراق وابرام اتفاقية بعد هذه الجلسة. لكن المصادر الأميركية مازالت تعتقد أن التباين لا يزال كبيراً، وأن من الصعب إعادة احياء الاتفاقية نووية في مهلة الأسبوع المتبقية من زمن حكم الرئيس حسن روحاني، لكن «المفاجآت واردة»، تختم المصادر.

في فضائل التطبيع العربي مع إسرائيل

حسين عبدالحسين

عب عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عبّاس، وكتلته "الموحّدة"، دورا محوريا في تشكيل ائتلاف حكومي من المتوقع أن ينهي أكثر من عقد على حكم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. ولم يكد يمرّ أسبوع على خطاب "انتصار غزة" الذي أدلى به زعيم حماس، الفلسطيني إسماعيل هنية، وقال فيه إن "الانتصار" أنهى التطبيع العربي مع إسرائيل، حتى جلس فلسطيني آخر، هو منصور عبّاس، يفاوض الأحزاب الصهيونية المعارضة لحكم نتانياهو، فأفضت مشاوراته مع زملائه في الكنيست - يائير لبيد من اليسار ونفتالي بينيت من اليمين - الى مشاركته في الائتلاف الحاكم، مقابل نيل كتلته منصب وكيل وزارة الداخلية.

ولا بد من الإشارة الى أن كتلة عبّاس "الموحّدة" كانت انشقت عن الكتلة العربية "المشتركة" قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بعد إعلان "الموحّدة" استعدادها المشاركة في أي ائتلاف حكومي إسرائيلي بما يخدم مصالح الناخبين العرب، فيما أصرّت "المشتركة" على رفض التعامل مع أي كتل اسرائيلية، ورفض أعضاؤها حتى قسم الولاء للدولة في الكنيست.

ثم حان وقت التصويت على حكومة تخلف نتانياهو، فأعلنت "المشتركة" أنها ستصوت ضد الحكومة الجديدة، وهو ما يعني أنها تصوت فعليا لبقاء نتانياهو — الذي تكن له "المشتركة" العداء - رئيسا للحكومة. وختمت "المشتركة" تخبطها بإعلان نيتها التصويت الى جانب الائتلاف الجديد لاستبدال رئيس الكنيست، وهو من حزب نتانياهو، لكن الائتلاف الجديد رفض أصوات وتأييد الكتلة العربية "المشتركة" لمرشحه، وتمسّك الائتلاف الإسرائيلي الجديد بتحالفه مع العربية "الموحدة".

المنصب الذي من المتوقع أن يناله عبّاس لعرب اسرائيل، في وزارة الداخلية الاسرائيلية، قد يقدّم فرصة تعزيز أداء الشرطة في مكافحة الجريمة المنتشرة في البلدات العربية. كما يمكن للعربي الذي سيشغل هذا المنصب أن يعزز دور البلديات في تحسين البنية التحتية والخدمات للعرب.

أما "انتصار غزة" بصواريخ حماس، فلا يمكن قياس الإنجازات التي تلته لأن مستوى معيشة فلسطينيي غزة سيكون بنفس مستوى سوء معيشتهم قبل "الانتصار"، إن لم يكن أسوأ. الانجاز الوحيد الذي سجّلته حماس هو في المدى الأبعد لصواريخها، وكثافة عدد هذه الصواريخ، واستحالة وقف اطلاقها كليا بدون عملية إسرائيلية ساحقة ماحقة تتحول الى نهر من الدماء للجهتين. كما قتلت صواريخ "انتصار غزة" اثنين من عرب إسرائيل.

عن طريق التطبيع والانخراط في الديموقراطية الإسرائيلية، سينال الفلسطينيون من عرب إسرائيل منصبا سيمسح لهم بتحسين حياة ناخبيهم. أما عن طريق الصواريخ والانخراط في "محور الممانعة" الايراني، لم يحصد فلسطينيو غزة شيئا سوى المزيد من الحرب والدمار والصواريخ. كذلك المقاطعة التي يتمسك بها أعضاء الكنيست الإسرائيلي في الكتلة العربية "المشتركة"، لن تعود على ناخبيها من عرب إسرائيل بغير الخطابات الرنانة والشعارات الخشبية.

بين يوم خطاب هنية ويوم تطبيع عبّاس، زار محمد الخاجة، سفير الامارات في إسرائيل، شالوم كوهين، وهو كبير حاخامات حركة "شاس" لليهود المتدينين من المزراحيين، أي من أصول شرقية عربية. في اللقاء، وصف الرجلان "حرب غزة" بالجنون، واتهم المسؤول الإماراتي بعض القنوات العربية وأحزاب "الاسلام السياسي" بـ "تأجيج الجنون".

ولم تتأخر القنوات العربية عن إثبات صحة اتهام المسؤول الاماراتي لها، اذ هي اجتزأت الخبر بتغاضيها عن تصريح أدلى به كوهين وقال فيه أن "جبل الهيكل" لدى اليهود، المعروف بـ "الحرم الشريف" عند المسلمين، هو للعرب، وأنه ليس لليهود أي شأن فيه، وهذا تصريح ينسف نظريات المؤامرة التي تتناقلها بعض الألسن العربية حول المخطط اليهودي القاضي بنسف الأقصى واعادة بناء "هيكل سليمان" بدلا منه.

لكن القنوات العربية المذكورة لا يهمها الدقة في نقل الخبر، بل هي قنوات تعتاش على التحريض وتأجيج المشاعر، بدلا من بث خطاب عقلاني هادئ يتمحور حول الأفكار والأرقام.

الفارق بين هذه القنوات ودولة الامارات هو فارق بين المشاعر والواقع، فالمشاعر تتحرك بالخطابات والصراخ، فيما الواقع يعتمد على السياسات، التي يتم قياسها بالأرقام، أي أنه مثلما يسعى منصور عبّاس في الكنيست الإسرائيلي لخفض أرقام الجريمة، بما يحسن حياة عرب إسرائيل، كذلك تسعى الإمارات إلى زيادة التبادل العلمي والتجاري مع إسرائيل، بما يحسّن من حياة الإسرائيليين - العرب منهم واليهود - وكذلك ينعكس إيجابا على حياة سكان الإمارات من المواطنين والمقيمين.

هكذا، فيما يشتم بعض العرب التطبيع ويغرقون في الفقر والجريمة والحروب، وقّعت الإمارات مع جامعة تل أبيب مذكرة تفاهم لإقامة معهد لأبحاث المياه يهدف الى تقديم حلول لمشكلة شح المياه في المدن الصحراوية، بعيدا عن عملية تحلية مياه البحر المكلفة، في وقت تعدى حجم التبادل التجاري بين البلدين مبلغ 354 مليون دولار، في أقل من سنة، بعد توقيع 25 اتفاقية تعاون اقتصادية في أكثر من 15 قطاعا.

ورفض التطبيع عند بعض العرب ينبع من مصدر الشقاء نفسه الذي تخلصت منه الإمارات، فصارت في طليعة الدول العربية وقبلة المهاجرين.

مصدر الشقاء هذا هو خلط المشاعر بالمصالح، فلدى العرب المقاطعين، لا تهم السياسات وقياسها لتحديد المصالح، بل تتقدم عليها المشاعر والخطابات والشعارات المطلوبة لتحريكها، من قبيل أن "اليهود غلبوا العرب" وأن "الحل يكمن في أن يغلب العرب اليهود"، وهذه الفكرة هي الناظمة لسياسات المقاطعين ومعادي السلام والتطبيع. أما الواقعيون، مثل مؤيدي السلام والتطبيع، فيرون أن الحل هو في تغيير السياسات واستبدالها من شعارات "غالب ومغلوب" الى قياس معدل الدخل، وحجم التجارة، ومستوى المعيشة.

هكذا سيقدم منصور عبّاس والإمارات بتطبيعهم مع إسرائيل إنجازات ملموسة تحسّن من وضع الفلسطينيين في إسرائيل والإماراتيين والعرب في الإمارات، وهكذا سيقدم أرباب التطبيع في الكنيست الاسرائيلي، وحماس و"محور الممانعة"، وقنوات التلفزيون الممانعاتية العربية، المزيد من الفقر والحروب، والشقاء للفلسطينيين والعرب والإيرانيين.

وحدهم الأتراك يصرخون ضد التطبيع مع إسرائيل علنا، ويمعنون في التطبيع سرا، ويهلل لهم عرب مقاطعة إسرائيل من عشاق التصريحات والخطابات والأونطة.

الأحد، 6 يونيو 2021

إسرائيل: مفاوضاتنا مع لبنان ليست تطبيعاً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قال رئيس الوفد الاسرائيلي إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان إيهود اديري، إن المفاوضات «ليست تطبيعاً، ولا تهدف إلى ذلك، بل هدفها التوصل إلى تسوية من أجل البدء بالتنقيب عن الغاز لاستخراجه لمصلحة البلدين».
وأشار المدير العام لوزارة الطاقة، الى أن «8 أشهر من التفاوض لم تتسم بأي شيء من الجدية، وأن في الجولة الأخيرة، التي بدأت في أكتوبر الماضي، قدّم اللبنانيون خطاً ثالثاً لحدودهم البحرية، غير الخط الأول الذي وقعوا على اتفاقية مع قبرص حوله في 2007، وغير الثاني الذي أودعته حكومة لبنان لدى الأمم المتحدة في 2010».
في العام نفسه، أودع الإسرائيليون لدى الأمم المتحدة خريطة توضح حدودهم، فأدى التباين بين الخطين إلى خلق مساحة 850 كيلومتراً مربعاً تم وصفها بمنطقة متنازع عليها.
من جانبه، قال الرئيس السابق للوفد المفاوض عوديد اران، إن «إسرائيل لا تثق بالأمم المتحدة لتلعب دور الوسيط، لذا طلبت في 2010 من الولايات المتحدة، لعب دور الوسيط، ووافق لبنان على ذلك».
تصريحات اديري واران جاءت أثناء ندوة نظمها «معهد دراسات الأمن القومي» التابع لجامعة تل أبيب بمشاركة عضوي الوفد المفاوض اميت هيمان، المدير العام لدائرة القانون الدولي في وزارة الخارجية، وحاييم سربرو، المدير العام السابق لدائرة المسح، وكذلك بمشاركة الجنرال السابق الذي أجرى محادثات عسكرية مع نظرائه اللبنانيين عساف أوريون، والخبيرتين اورنا مزراحي وساريت زهافي (يهودية لبنانية).
وذكر اران أن الديبلوماسي الأميركي فرد هوف «رجل نزيه، ولعب دور الوسيط بكفاءة، واقترح أن يأخذ اللبنانيون 60 في المئة، والإسرائيليون 40 في المئة». وتابع: «اللبنانيون وافقوا على الوساطة الأميركية، وعندما أصدر التحكيم الأميركي حكمه، لم نسمع من اللبنانيين إجابة».
أما اديري، فقال: «نحن لا نرى المفاوضات تطبيعاً، ولا نسعى الى ذلك، بل نحاول حل مشكلة عبر مفاوضات جدية، ولدينا مصلحة باستخراج الغاز وتطويره والإفادة منه، لكن استخراج الغاز أهم بكثير للبنانيين».
وتابع أن «حقول الغاز الإسرائيلية تامار وليفياتان تعمل، وكريش سيبدأ انتاجه العام المقبل، وإسرائيل استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار، على مدى العقد الماضي، في تطوير الحقول، ما وفّر عليها 30 مليار دولار ثمن طاقة، وسمح بمدخول ثابت للحكومة. وكذلك فعلت مصر وقبرص، وأدى التعاون في تطوير حقول الغاز الى تمتين علاقة إسرائيل مع البلدين».
في السياق نفسه، يقول اديري، قد يكون «بعض الغاز متوافراً في المنطقة الخاصة اللبنانية، لكن بيروت لم تقم بالحفر للاكتشاف حتى الآن».
ويتابع أن الخبراء يرون «أن الغاز الذي لن يتم اكتشافه في المستقبل القريب، سيبقى على الأرجح في الأرض إلى الأبد بسب تطور الطاقة البديلة».
وعن المفاوضات مع لبنان، يؤكد اديري: «موقفنا مبني على ثلاث أعمدة، أولها القانون الدولي الذي يحدد كيفية ترسيم الحدود البحرية، وثانيها أن القانون الدولي ينص على أن هدف الترسيم هو تحقيق الاستقرار، وثالثها أن الموقف الاسرائيلي مبني على الوثائق التاريخية، خصوصا التي تحدد نقطة البداية على اليابسة».
وأضاف أنه و«رغم ثمانية أشهر من المفاوضات، لم يبدأ التفاوض الجدي.
لبنان بدأ المفاوضات بخط أبعد من الذي قدمه الى الأمم المتحدة في 2010، مطالباً بمساحة أكبر، وتجاهل اللبنانيون أربع نقاط، أولها نقطتهم البرية التي توافقوا عليها مع قبرص في 2007، وثانيها تجاهلهم النقطة 23 البرية التي قدموها للأمم المتحدة في 2010، وثالثها تجاهلهم جزيرة تخيليت الاسرائيلية، وهو ما يناقض مواقف لبنان في الماضي، ورابعها تجاهل بيروت الوثائق التاريخية».
وقدم سربرو خريطة تظهر آخر نقطة اسرائيلية برية على الساحل، والتي تم الاتفاق عليها بين دولتي الانتداب فرنسا، عن لبنان، وبريطانيا، عن فلسطين، في مارس 1923، وهي النقط الحدودية اليوم.
وأضاف: «هذه الخريطة قدمها البريطانيون رسميا في 1923 لوضع نقطة حدود في راس الناقورة، ويمكن للمرء أن يرى انحناءة الخط الحدودي بين أول نقطة وآخر نقطة».
بدوره، قال هيمان، وهو العضو الثالث في الوفد المفاوض، أن نقطة البداية في أي ترسيم تبدأ من اليابسة. لكن «لأنه ليس لدينا حدود برية متفق عليها مع لبنان غير الخط الأزرق المودع لدى الأمم المتحدة، قدم كل من الطرفين نقطة مختلفة على اليابسة». وأضاف: «قبل أن نبدأ المفاوضات في أكتوبر، ناقشنا على مدى ثلاث سنوات، عبر الولايات المتحدة، على أي نقطة برية نتفاوض، وقال اللبنانيون، على البحرية فقط دون البرية، لأن النقطة البرية تندرج تحت ترسيم الحدود البرية، وهو الأمر الذي ترفضه بيروت».
ورأى أن غياب التوافق على النقطة البرية لا يحدث للمرة الأولى، «إذ هناك سوابق في مفاوضات دول أخرى تعتبر أن البديل هو أن نبدأ من نقطة أبعد من اليابسة بقليل، كما حصل بين أميركا وكندا أو بين غانا وساحل العاج. واقترحنا طرقاً للتوصل الى تحديد النقطة البحرية».
النقطة الثانية في الترسيم هي الجزر في حال وجودها. يقول هيمان إن على بعد أقل من نصف ميل عن رأس الناقورة تقع ثلاث جزر هي شاخاف وارزيلي وتخيليت، والأخيرة هي أكثرها شمالاً، معتبرا أن «لا قيمة للجزر البعيدة عن الساحل، لكن الجزر القريبة الواقعة في فلك الساحل لها قيمة تامة في الترسيم».
في الحالة مع لبنان، يتابع المسؤول، «تستوفي هذه الجزر تعريف جزر الساحل، اذ هي قريبة ويمكن السباحة اليها». واستطرد قائلاً إن «كوستاريكا ونيكاراغوا رسّمتا الحدود البحرية بينهما بالاستناد الى جزر صغيرة بعيدة بين ميل وثلاثة أميال عن سواحلهما، وقبلت محكمة دولية اعتبارها جزءاً من الساحل وتاليا أخذها بالاعتبار عند الترسيم». في الماضي، وحسب هيمان، اعترف لبنان بالجزر، وقال إنه يجب اعتمادها، مثل في مفاوضات ترسيمه حدوده البحرية مع سورية وقبرص. «لكن في المفاوضات الجديدة مع إسرائيل، يرفض اللبنانيون إعطاء اعتبار للجزيرة، وهو ما يؤدي الى تقديم حدود جديدة».
الوفد المفاوض ألقى بأوراقه على الطاولة علنا في خطوة قد تشي أن الإسرائيليين يئسوا من إمكانية التوصل إلى تسوية للحدود البحرية، وهو ما دفعهم بما يشبه الإعلان عن تعثر هذه المفاوضات وسبب تعثرها من وجهة نظرهم.

الخميس، 3 يونيو 2021

قراءتان في واشنطن: رئاسة رئيسي تُمهّد لخلافة خامنئي أو تُهيّئ الأرضية لمجتبى

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسود الحيرة أوساط متابعي الملف الإيراني من المسؤولين والخبراء الأميركيين. انتخاب المرشح المتشدد لإبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، بعد نحو أسبوعين من اليوم، صار أمراً شبه محسوم، لكن ما هو غير واضح، الهدف الذي دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى تسهيل وصول رئيسي للرئاسة.

بعض المتابعين الأميركيين يعتقدون أن انتخاب رئيسي هو الخطوة الأولى على طريق خلافته خامنئي، فيما يرى البعض الآخر أن رئاسة رئيسي هدفها تمهيد خلافة مجتبى خامنئي والده في منصب المرشد الأعلى.

يقول المتابعون الأميركيون إن ما هو مؤكد، أن هناك عدداً من المناقلات الداخلية في إيران، بما في ذلك تعيين أكثر الموالين لعائلة خامنئي، في أكثر المناصب الأمنية حساسية لضمان انتقال السلطة إلى مجتبى من دون قلاقل أو مواجهات عسكرية.

النقطة الثابتة الثانية هي أن كلاً من رئيسي ومجتبى هما، مثل علي خامنئي، من المتشددين ومن أشد المعادين للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن من يخلف خامنئي سيتبع سياسة متشددة مثله، بل ربما أكثر تشدداً منه.

ثالثاً، يرى المعنيون الأميركيون أنه حتى لو توصل المفاوضون في فيينا إلى إعادة إحياء الاتفاقية النووية مع إيران، من غير المرجح أن تعوّل طهران على هذه الاتفاقية أو على انفتاح على العالم يؤدي إلى وقف انهيار الاقتصاد الإيراني، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه، بل إن خامنئي، وأياً من خليفتيه، سيواصلان على الأرجح السياسة الحالية القائلة بضرورة تقوية الاقتصاد الإيراني لتحصين البلاد وجعلها منيعة في وجه أي عقوبات أميركية حالية أو مستقبلية.

ويرى الأميركيون أن الإيرانيين أدركوا أنه حتى لو عادت الاتفاقية النووية في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، يمكن أن يعود رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض ويعلّقها من جديد، وهذا ما يدفع الإيرانيين إلى عدم تعليق أهمية تذكر على الاتفاقية، بل معاملتها كتفصيل ومحاولة التخفيف من مفاعيلها على الاقتصاد الإيراني والأمن الاجتماعي المرتبط به.

في ظل هذه المعطيات، لا يرى المتابعون الأميركيون أن الانتخابات المقبلة ستؤثر في علاقة إيران مع العالم، بل إن تأثيرها سينحصر بمتانة النظام الإيراني، ومقدرة الخلف على ضبط الانقسامات بعد رحيل المرشد الحالي، وهذا أمر ليس باليسير.

يشير المتابعون إلى أنه منذ أقل من عام، بدأت وسائل الدعاية التابعة لإيران بإطلاق آية الله على مجتبى خامنئي، البالغ من العمر 52 عاماً، وذلك في محاولة تسهيل عملية خلافته والده، الذي تسلم منصبه قبل 32 عاماً، أي يوم كان في جيل ابنه وكان علي خامنئي لا يزال في منصب حجة الإسلام. لكن تعيينه في منصب مرشد قضى بترفيعه إلى منصب آية الله.

المؤشر الثاني على أن خامنئي الأب يسعى لتسهيل توريث ابنه مقاليد حكم «الجمهورية الإسلامية»، كان يمكن رصده مع قيام عائلة خامنئي بتعيين الجنرال حسين نجاة قائداً لقاعدة ثار الله القريبة من طهران، وهي بمثابة مركز قيادة لقوات النظام الإيراني، بما فيها وحدات «الحرس الثوري» المرابطة قرب العاصمة والمولجة بحماية النظام. ويعتبر تعيين نجاة قائداً لهذه القاعدة بمثابة تخفيض لمرتبته، لكنه ليس تخفيضاً فعلياً، بل هو توكيل من عائلة خامنئي إلى أحد أقرب المقربين بسبب حساسية الأمر أثناء عملية خلافة مجتبى لأبيه.

وبالتزامن مع تعيين نجاة مسؤولاً عسكرياً للقاعدة، قامت عائلة خامنئي بتعيين رجل الدين علي شيرازي مسؤولاً عن التثقيف العقائدي في القاعدة نفسها، في إشارة ثانية إلى أهمية السيطرة على هذه القاعدة - أمنياً ودينياً - في عملية الخلافة.

وتشير التقارير إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، عمد مجتبى إلى تركيز سلطات أمنية وسياسية كثيرة في «مكتب المرشد» التابع لوالده، والذي يديره مجتبى نفسه، وهو الابن الثاني لعلي خامنئي، وسبق أن قاتل في أواخر الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث كوّن صداقات مع مقاتلين صاروا اليوم في أرفع مناصب «الحرس الثوري».

كما تشير التقارير إلى أن مجتبى لعب دوراً محورياً في عملية قمع «الثورة الخضراء» في العام 2009، والتي أفضت إلى فرض فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.

ويبدو أن عائلة خامنئي تلعب دوراً أساسياً في ضمان فوز رئيسي، لا لوضع رئيسي في موقع يسمح له بخلافة خامنئي، بل لوضع رئيسي في موقع إدارة الأزمات الإيرانية الكثيرة والمعقدة، خصوصاً الاقتصادية منها، وهو ما من شأنه أن يضعف من شعبية رئيسي ويزيد من عدد معارضي إمكانية انتقاله من منصب رئيس إلى منصب مرشد أعلى.

لكل هذه الأسباب، ينقسم المتابعون الأميركيون من المسؤولين والخبراء إلى صفين: واحد يرى أن انتخاب رئيسي هو خطوة أولى لتبوئه منصب المرشد الأعلى، وثانٍ يعتقد أن مهمة رئيسي في الرئاسة ستكون لضمان خلافة وتوريث سهلة وسلسة لمنصب المرشد الأعلى من علي خامنئي إلى ابنه مجتبى، مع الاعتقاد بأنه حتى لو تم التوريث، فستستغرق عملية تثبيت مجتبى نفسه أشهراً كثيرة.