الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

حرب العراق لم تفشل.. العراقيون فشلوا

حسين عبدالحسين

أصدرت محاكم بغداد قرارا بالقبض على 300 عراقي شاركوا في مؤتمر دعوا فيه للسلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والقرار أحد أكثر الدلائل وضوحا على سبب الانهيار والفشل في بناء دولة حديثة في العراق، منذ نهاية الحكم العثماني له قبل قرن وحتى اليوم.

يوم اجتاحت الولايات المتحدة العراق، لم تكن تدرك عمق الأمية السياسية التي يغرق بها العراقيون، ولم تقدّر فداحة غياب ثقافة الديمقراطية والحرية. اعتقدت إدارة الرئيس السابق جورج بوش أن تخليص العراقيين من طاغيتهم الدموي صدام حسين كفيل بتقديم فرصة لبناء عراق جديد وحديث وديمقراطي.

ما لم يفهمه الأميركيون يومذاك أن صدام لم يكن استثناء عراقيا، بل كان عراقيا أصيلا، وكان نتيجة لثقافة تسودها العنف، وينعدم فيها فهم تباين الرأي، وضرورة احترام رأي الآخر.

اعتقدت الولايات المتحدة أن دولة لديها عائدات نفطية مثل العراق كانت ستستغل فرصة انهيار نظام صدام لبناء دولة تعيش في بحبوحة ويتمتع مواطنوها بحرية التعبير.

لكن واشنطن كانت مخطئة. الحرية والديمقراطية لم تغيبا عن العراق بسبب صدام، بل أن صعود صدام كان بسبب انعدام الوعي في العراق. لذا، ذهب صدام ولم تنته معاناة العراق والعراقيين.

في أربيل، تداعى عراقيون، منهم من شيوخ العشائر السنية التي شاركت في قوات الصحوات التي ساهمت في القضاء على التنظيمات الارهابية، وحضر شيعة وغيرهم. لم يقُل المؤتمرون الكثير، بل اعتبروا أن لا سبب للبقاء في حال عداء مع دولة إسرائيل.

وقدم بعض المشاركين مطالعات مقنعة حول الفوائد، خصوصا الاقتصادية، التي يمكن للعراق أن يجنيها من تطبيع علاقاته مع إسرائيل، ومن الإفادة من إمكانية عودة يهود عراقيين، إما للسكن والاستثمار أو للزيارة.

لم يدّع العراقيون المطالبون بالسلام أنهم يمثلون الموقف العراقي الرسمي، ولا شارك إسرائيليون في المؤتمر (بشكل يخالف القوانين العراقية المرعية الإجراء)، ولا زار أي من العراقيين المؤتمرين إسرائيل. بكلام آخر، لم يرتكب العراقيون المطالبون بالسلام مع إسرائيل أي مخالفة قانونية. مع ذلك، قامت الحكومة بالادعاء عليهم واعتقالهم.

بعد اعتقال البعض وتهديد ميليشيات إيران العراقية البعض الآخر بالتصفية الجسدية، تراجعت غالبية الحاضرين، وأدلى أبرزهم، الشيخ وسام الحردان، ببيان بدا وكأنه يدلي به تحت ضغط وتهديد، تراجع فيه عن مطالبته بالسلام. هكذا هو العراق الديمقراطي، يشبه العراق الصدامي، ويتراجع الناس فيه عن آرائهم، ويقبلون الذلّ لحماية حياتهم.

بعد قرابة عقدين على "عراق ما بعد صدام"، لا يزال العراقيون بغالبيتهم ودولتهم، لا يفهمون الدستور ولا القوانين، وهو أمر جلي في مواضيع متعددة، من الفساد المستشري في الحكومة إلى الميليشيات الولائية التي تسدد رواتبها وزارة الداخلية العراقية، واسمها الولائية لأنها تقسم الولاء لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي.

ما زال العراقيون، ومعهم غالبية العرب، يعتقدون أن القانون يتم تطبيقه بحسب الرأي السياسي، فإذا كانت الميليشيات الولائية ضد التطرف والإرهاب، لا ضير من تعديها على الوظيفة الأساسية للحكومة المنتخبة وقواتها الأمنية، والقاضية بحصر استخدام العنف بأيدي القوات الرسمية.

أما أن عبّر مواطنون عراقيون، من دون ان يتجاوزوا أي قوانين، عن رأيهم، وطالبوا بسلام مع دولة يعاديها العراق، يجيز رأيهم المخالف للرأي الرسمي اعتقالهم ومحاسبتهم.

هذا التخلّف الحضاري يصيب الأمتين العربية والإسلامية، ولا يمكن تجميل هذه الصورة أو مراعاة شعور العرب والمسلمين. وهذا التخلّف، لا الإمبريالية ولا التدخلات الخارجية، هو السبب الرئيسي في حالة الانهيار الدائم التي تعيشها دول مثل العراق ولبنان وإيران واليمن وسوريا وأفغانستان.

لن تخرج هذه الدول من دوامتها قبل اجتثاث الثقافة الصدامية التي تحرّم الرأي المخالف، ولا خروج من هذه الدوامة من دون احترام تام للدستور والقوانين، التي تكفل بدورها حرية الرأي والتعبير وعقد المؤتمرات والمطالبة بسلام، إن مع اسرائيل أو إيران أو أي دولة في العالم.

ثم أن الدولة العراقية، التي ترفع شعار الحياد الإقليمي عنوانا لسياستها وترفض أن تكون ساحة تصفية حسابات أميركية إيرانية، لا ضير أن وسّعت حيادها هذا ليشمل الصراع العربي الإسرائيلي، فالسلام والتجارة والعلاقات الجيدة مع كل دول الإقليم هي مصلحة خالصة، ولا سبب لاستثناء إسرائيل من دائرة الدول التي يسعى العراق إلى صداقتها.

من المحيّر كيف تنتقل الضحية إلى لعب دور الجلاد. رئيس العراق برهم صالح، الذي أدان المؤتمر، كان نفسه منفيا في زمن صدام بسبب رأيه. مقتدى الصدر، الذي قتل صدام والده محمد محمد صادق بسبب آرائه التي كان يدلي بها في خطب الجمعة، طلب من الدولة العراقية محاسبة واعتقال كل المشاركين في المؤتمر. ومثل صالح والصدر، انبرى معظم ضحايا صدام إلى الدعوة لمعاقبة عراقيين آخرين، فقط بسبب اختلافهم في الرأي.

لولا حرب أميركا التي أسقطت صدام، لكان برهم صالح لا يزال منفيا يستجدي مراكز الأبحاث إنقاذ العراقيين من مخالب صدام، ولكان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي لا يزال بائعا للمسابح أمام مقام السيدة زينب في دمشق، ولكان رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي لا يزال مرتميا في أحضان المعارضين العراقيين من أصدقاء إسرائيل، ومشاركا في العمل على توثيق جرائم البعث العراقي.

لولا أميركا لكان الصدر لا يزال شخصية تتفادى السياسة خوفا من غضب صدام، ولكان الصدر لا يزال يحمل لقبه "ملا أتاري"، نسبة إلى لعبته الإلكترونية المفضلة.

صدام مات وبقيت الصدامية منتشرة في العراق، وصارت الدعوة للسلام جريمة، وصارت الدعوة للحرب المفتوحة والميليشيات بطولة ووطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق