الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

من يعارض تحسين أوضاع الفلسطينيين؟

حسين عبدالحسين

في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وفي صحيفة "فلسطين" التابعة لحماس في غزة، كتب كاتبان واحد إسرائيلي والآخر فلسطيني، مقالين يكادان يتطابقان في المضمون، ويرفض كل منهما السياسة الإسرائيلية الجديدة تجاه الفلسطينيين، القاضية بـ "تقليص الصراع"، ورفع مستوى معيشة الفلسطينيين، وتحسين اقتصادهم.

ويتمسك الكاتبان، الإسرائيلي حاغاي العاد والفلسطيني سمير حمتو، ببقاء الأمور على ما هي عليه، لأن ذلك يعني مواصلة الصراع حتى التغلب على إسرائيل.

ومن الأفكار المشتركة بين المقالتين تصور كل من الكاتبين أن موقفهما هو "الجهة الصحيحة" من التاريخ، وأن التاريخ يسير حتميا بالاتجاه الذي يتخيلونه، وأن من يعارض ما يتخيله الكاتبان اليوم سيجد نفسه مخطئا وظالما مستقبلا، يوم لا يصح إلا الصحيح.

وتكمن المفارقة في أن العاد ينتمي إلى أقصى اليسار الإسرائيلي، فيما ينتمي حمتو إلى أقصى اليمين الفلسطيني، ويتشارك الاثنان فكرة أن الحل هو إما دولة واحدة من النهر إلى البحر، أو لا حل. على أن هذا الموقف هو الوحيد المشترك بين الاثنين، فالعاد، الناشط في الدفاع عن حقوق مثليي الجنس، قد يجد نفسه هاربا من وجه العدالة لو تحوّلت دولة إسرائيل إلى فلسطين، وذلك بسبب ميوله ومواقفه في المواضيع الاجتماعية والجنسية.

لكن ما سبب رفض أقصى اليسار الإسرائيلي والعالمي، وأقصى اليمين الفلسطيني والعربي، لحل مرحلي مؤقت للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في غياب إمكانية التوصل إلى حل دائم؟

الأرجح أن معارضي "تقليص الصراع" يعتقدون أن أنصاف الحلول تضيّع حقوق الفلسطينيين، وتقلّص في الوقت نفسه الضغط الدولي على إسرائيل للانصياع بشكل كامل إلى الحل كما يتصوره الكاتبان، ويقضي بأن تفكك إسرائيل نفسها وتسلّم مفاتيح الدولة إلى الفلسطينيين، أي على طراز ما حصل في جنوب أفريقيا مع نهاية نظام الفصل العنصري، أو ما حصل، الشهر الماضي، في أفغانستان، حيث تسلم الحكام المحليون، وأن من المتطرفين، الحكم بعد انسحاب الجيش الأميركي من البلاد بعد عقدين من تواجده فيها.

لكن إسرائيل ليست جنوب أفريقيا ولا أفغانستان، بل أن إسرائيل دولة تعترف بها الأمم المتحدة والقانون الدولي وأكثر من 160 دولة في العالم، وهي دولة فيها اليهود غالبية تبلغ قرابة 80 بالمئة. أما الضفة الغربية والقدس الشرقية، فهي موقع جدال، ويصنفها القانون الدولي بمثابة أراض فلسطينية خاضعة لاحتلال عسكري إسرائيلي.

إسرائيل، بدورها، تقول إنها مستعدة للانسحاب من أراضي الفلسطينيين في الضفة (لا احتلال إسرائيلي في قطاع غزة على الرغم من البهلوانيات القانونية والاجتهادات). على أن المشكلة تكمن في أنه لا يمكن لإسرائيل تسليم الأراضي التي تنسحب منها إلى دولة فلسطينية لا تضمن العيش بسلام مع الإسرائيليين، فلا السلطة الفلسطينية قادرة على ضبط الأراضي الفلسطينية في حال انسحاب إسرائيل منها، فيما حماس قادرة على ذلك، ولكنها لا تريد العيش بسلام مع إسرائيل.

ويزيد من معضلة إمكانية انسحاب إسرائيل لقيام دولة فلسطينية مشكلة أن الإسرائيليين، مثل الفلسطينيين، ينقسمون في آرائهم حول كيفية التعامل مع هذه الأراضي، مع ميل يميني للاحتفاظ بها، بل ضمّها، ومنح الفلسطينيين حكما ذاتيا يكون في حالة اتحاد كونفيدرالي مع إسرائيل، في وقت يعتقد يسار الوسط الإسرائيلي أن قيام دولة بموجب تسوية الدولتين هو الحلّ الأمثل الذي يخلّص إسرائيل من معضلة حكمهم فلسطينيي الضفة عسكريا، كما هو الوضع حاليا. أما أقصى اليسار الإسرائيلي، فيتبنى حلولا متطرفة، مثل تسمية إسرائيل بـ "أبارثايد"، والمطالبة بدولة ثنائية القومية من النهر إلى البحر.

الانقسامات، على الجهتين الإسرائيلية والفلسطينية، تعرقل حلول السلام وتطيل أمد الوضع القائم، وهو وضع يفرض بؤسا على الفلسطينيين ويلطخ صورة إسرائيل دوليا. لذا، استنبط بعض الإسرائيليين حلولا وسط هي التي يتبناها رئيس حكومة إسرائيل نفتالي بينيت اليوم، وهي التي يعارضها الفلسطينيون بشبه الإجماع، ويعارضها الإسرائيليون من أمثال العاد.

لكن إلى أن تتغير الأوضاع، ويتغير الرأي العام من الجهتين، لا يعقل أن يبقى الفلسطينيون عالقون في بؤسهم، على غرار فلسطينيي لبنان، الذين أبقتهم العنصرية اللبنانية في مخيمات الشقاء، دون أي حقوق مدنية، على مدى 70 عاما، وواجهت أي دعوات بمنح هؤلاء الفلسطينيين حقوقا للعمل اتهامات ضد الداعين بأنهم يرغبون في توطين الفلسطينيين حتى ينسوا وينسى العالم قضيتهم وقضية عودتهم.

لم يطلب أحد يوما أن يمنح لبنان اللاجئين الفلسطينيين الجنسية اللبنانية، فقط حقوقا مدنية تخولهم العمل والعيش بكرامة ومساواة مع اللبنانيين، دون حقوق ترشح وانتخاب، إلى أن يتم التوصل إلى تسوية لأوضاعهم، إن بعودتهم إلى دولة فلسطينية، أو بإعادة توطينهم في دول أخرى.

ولكن إبقاء فلسطينيي لبنان مثل الأسرى في مخيمات الشقاء، حتى لا ينسوا ولا ينسى العالم قضيتهم، فهو من باب التطرف الذي يتطابق مع ما يدعو إليه السيدان العاد وحمتو.

لا أحد في حكومة إسرائيل اليوم يطالب الفلسطينيين بنسيان مطالبهم أو توقيع أي وثائق للتنازل عن أي شيء. كل المطلوب أن يعيش الفلسطينيون بكرامة، حتى لو من دون حقوق سياسية داخل إسرائيل، ريثما يتغير الزمن وتلوح تسوية نهائية في الأفق ترضي الطرفين.

لكن حتى تلوح أي تسوية في الأفق، وحتى يتغير الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني، من غير الأخلاقي إبقاء الفلسطينيين في الوضع المزري الذي يعيشونه، إن في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية، ولا شك أن تحسين أوضاعهم اقتصاديا سيؤدي إلى تحسن معاشهم، على الأقل إلى أن يتغير الزمن ويقدم فرصة تسوية سلمية تامة وقيام دولة كما يشتهيها الفلسطينيون، لا تكون مصدر قلق للإسرائيليين ودولتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق