الأربعاء، 20 أبريل 2022

انتخابات لبنان بلا قيمة.. وصندوق النقد يؤجج المشكلة

حسين عبدالحسين

الانتخابات اللبنانية المقرر إقامتها منتصف الشهر المقبل إضاعة للوقت. في حال خسر "حزب الله" الغالبية التي يتمتع بها في "مجلس النواب"، سيخرج زعيمه حسن نصرالله ليقول للبنانيين إن البلاد لا تخضع لحكم الغالبية لأنها "ديموقراطية توافقية". أما في حال حافظ نصرالله على الغالبية البرلمانية، فسيواصل سيطرته على الحكم بغض النظر عن آراء الأقلية.

ومن المعلوم أن الناخبين اللبنانيين لا يطالعون بشكل كافٍ لتحديد خياراتهم الانتخابية بطرق مستقلة عن القبيلة والحي والجماعة، بل يراهنون على من يتوقعون فوزه، وينحازون له قبل الانتخابات للاستفادة من خدماته أو خدمات ابنه أو حفيده بعد الانتخابات. نظام الوراثة السياسي قديم في لبنان، ولا يتعامل مع المرشحين كأشخاص بل كشيوخ عشائر. 

"حزب الله" يعرف السياسة في لبنان جيدا، ويعرف من يتمتع بدعم أبناء منطقته فيتحالف معه. يحصد المرشح دعما إعلاميا وماليا من الحزب الموالي لإيران، في مقابل سكوت المرشح عن تمزيق ميليشيا الحزب لسيادة دولة لبنان عن بكرة أبيها.

إذن، الانتخابات النيابية في لبنان لا تقدّم ولا تؤخّر. لكن ترشح عدد من الأصدقاء أجبر أمثالي على محاولة إضاءة شمعة بدلا من لعن الظلام، خصوصا بالنظر إلى التضحية الكبرى التي يقدمها من يقومون بترشيح أنفسهم في الجنوب الصامد الصابر على طغيان "حزب الله" وبلطجة حلفائه في "حركة أمل".

علي مراد الصديق والرفيق في النضال الطلابي، وبعد ذلك في "اليسار الديموقراطي"، هو من خيرة المرشحين الجنوبيين. في مقابلة له مع موقع إخباري لبناني، قدم رؤية ثاقبة حول ضرورة مواجهة تقويض "حزب الله" للسيادة. يقول علي أنه يناصر "السيادة الاجتماعية" كذلك، بدون أن يفصّل معنى ذلك. من معرفتي به، أعتقد أنه يعني الحريات الفردية (ليبرتي بالإنكليزية)، أي حقوق المرأة من التسلط المجتمعي والديني، وحقوق المثلية الجنسية وسائر الحريات الجندرية من ظلم القوانين اللبنانية البالية.

هذا النوع من الأفكار يغيب عن خطاب غالبية المرشحين، التقليديين الوراثيين منهم كما الشباب وناشطي المجتمع المدني و"ثورة 17 تشرين"، الذين يقدمون ترشيحهم غالبا بطريقة شعبوية ويسعون لامتطاء موجة الغضب الشعبي ضد الانهيار القائم. 

على أن ما يحتاج الى تحديث في رؤية الصديق علي مراد هو الشق الاقتصادي، وعلي ليس اقتصاديا بل من المتخصصين بالقانون. يقول علي إن مشكلة لبنان هي في تصميم اقتصاده بشكل يحمي المصارف ولا يحمي العامة. لكن أين هي حماية المصارف المفلسة اليوم، والتي يتقاضى كبار موظفيها رواتبا بالليرة اللبنانية لا تكفي مصروف عائلة ليوم واحد؟ المصارف، كما سائر الاقتصاد، انهارت، والأجدى بالمرشحين من أصحاب الرؤى، مثل علي، تقديم أفكارا أعمق لتشخيص أسباب الانهيار وسبل وقفه.

العداء للمصارف لا ينفع، ولن تقوم قائمة اقتصاد في العالم بدون قطاع مصرفي قادر على تأمين السيولة النقدية المطلوبة للنمو الاقتصادي. المشكلة في لبنان هي أن حكم ميليشيا "حزب الله" قوّض الاستقرار، فتوقف النمو، وراح الاقتصاد يسير كالدراجة التي خسرت عجلة النمو، فسارت مسافة الى أن هوت العجلة الثانية، أي النقد والمصارف. 

مشكلة الاقتصاد اللبناني اليوم أن حكام لبنان ومعارضيهم لا يدركون أن الاقتصاد والسياسة متلازمان، وأن الدول الكبرى كالولايات المتحدة تسخّر السياسة في سبيل الاقتصاد فيما لبنان يفعل العكس: يضع قيودا سياسية محلية وإقليمية على نفسه، غالبها مستوحى من خطاب معاداة الإمبريالية البائس، الذي ورثه الإسلام السياسي، الحاكم اليوم، عن حكام الماضي، أي الشيوعية والبعثية والناصرية. 

هذا الانفصال جعل اللبنانيين يعتقدون أن معالجة الاقتصاد مسألة تقنية يمكن العمل عليها مع المؤسسات العالمية، كصندوق النقد الدولي، الذي توصل لاتفاقية مبدئية مع الجمهورية اللبنانية تقضي بتقديم الصندوق 3 مليارات دولار للبنان، مقابل تخلي لبنان عمّا تبقى من سياسة سعر صرف تثبيت العملة وإعادة هيكلة الدين العام بفتح صفحة جديدة مع الدائنين، أي تكبيدهم خسائر، باستثناء صغار المودعين.

هذا يعني أن رواتب موظفي دولة لبنان ستبقى على سعر صرف 1500، فيما الاقتصاد والاستيراد سيعملان وفق سعر صرف السوق، أي حوالي 25 ألفا، وهو ما يعني أن نسبة الفقر، المرتفعة أصلا، سترتفع أكثر، خصوصا إذا ما حررت الجمهورية سعر صرف "الدولار الجمركي".

صندوق النقد الدولي يقدم للبنان حلولا نقدية لا تنفع لمشكلته الاقتصادية، أي أن الصندوق يسعى لتخليص الدولة من مديونيتها وأزماتها، وإن على حساب اللبنانيين، وهذا ما يجب على المرشحين من أمثال علي مراد مواجهته، وتقديم برامج اقتصادية تتمحور حول إعادة اقتصاد لبنان للنمو، وهو ما يتطلب استعادة دولة لبنان سيادتها، ودخولها في معاهدات سلام أو هدنات إقليمية على غرار التي يطالب بها بطريرك الموارنة، بشارة الراعي.

لم تكن مشكلة لبنان في تثبيت سعر صرف الليرة، فهذه سياسة تمنح ثقة للمستثمرين وأمنا اجتماعيا للبنانيين، وهي السياسة التي تبناها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورفض اقتراحات صندوق النقد الدولي للتخلي عنها في العام 2000. المشكلة تكمن في تثبيت سعر الصرف بدون نمو، واعتقاد البعض أن الحلول تأتي من المؤسسات الدولية، أو حتى من "استعادة الأموال المنهوبة"، وهذه فكرة يجب التخلي عنها، لا التخلي عن محاسبة الناهبين، وإنما معرفة أن أكثر من ثلثي الأموال التي خسرها لبنان كانت بسبب تثبيت سعر الصرف بلا نمو.

لا شك أن المرشحين من أمثال علي مراد لا يفرضون النقاش الانتخابي ولا أسلوبه، ولكن لا بأس من استغلالهم فرصة ترشحهم لتقديم نقاش سياسي عصري — خصوصا في الاقتصاد — على خلاف الثرثرة السائدة التي لا تؤثر في إمساك "حزب الله" بالبلاد، بغض النظر عن الانتخابات ونتائجها. مع ذلك، هذا تمني لعلي والمرشحين الأوادم أمثاله بالتوفيق والفوز بمقاعد البرلمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق