الثلاثاء، 12 يوليو 2022

الأسد و"شبعا السورية".. و"انسحاب" نتانياهو من الجولان

حسين عبدالحسين

في كتابه "وصول المرتفعات"، قدم الدبلوماسي الأميركي السابق، فرد هوف، معلومات شيقة حول إدارته ملف السلام السوري الإسرائيلي، وهو مجهود بدأ عام 2009 وتوقف عقب إطلاق قوات أمن الرئيس السوري بشار الأسد النار على المتظاهرين السلميين في عموم البلاد عام 2011. 

اهتمام هوف بسوريا بدأ في السبعينات عندما أمضى فيها سنة أو أكثر بعد فوزه بمنحة دراسية أميركية. في المفاوضات العربية الإسرائيلية، انصب اهتمام هوف على المسار السوري، قبل أن يتقاعد من وزارة الخارجية وينخرط في العمل في القطاع الخاص. لكن وصول باراك أوباما ووعوده الكبيرة إلى البيت الأبيض أعادت إطلاق مفاوضات السلام على مسارين: فلسطيني إسرائيلي وسوري إسرائيلي. هوف اختار إدارة المسار السوري. 

في صفحاته الأولى، يعلن هوف أن حافزه لتحقيق السلام السوري الإسرائيلي كان أبعد من السلام نفسه. "رأيت سلام إسرائيل - سوريا وسيلة حتى تسدد الولايات المتحدة ضربة قاصمة لإيران، ضربة تكسر لها ذراعها اللبنانية"، أي "حزب الله". أما أسباب حقد هوف على الحزب المذكور، حسب كتابه، فتتضمن تفجيري السفارة الأميركية ومقر القوة الأميركية للسلام في بيروت في 1983، والأخير راح ضحيته 241 أميركيا، ثم اغتيال رئيس الجامعة الأميركية في بيروت مالكوم كير. وكان لافتا أن هوف لم يشر إلى قيام "حزب الله"، في 1988، بخطف وتعذيب وقتل صديقه المقدم الأميركي ريتش هيغينز، الذي كان يعمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان "يونيفيل"، مع أن هوف كان أشار إلى ذلك في مقالة في بوليتيكو في 14 أكتوبر 2015، وكانت بعنوان "لقد كنت مخطئا في سوريا".

في مراجعته وإقراره بالخطأ، اعتقد هوف أن مشكلته أنه لم يتوقع كمية العنف والدموية التي مارسها الأسد فيما بعد بحق السوريين. لكن خطأ هوف الأكبر قد يكون بعدم فهمه نموذج حكم عائلة الأسد. 

يتذكر هوف أنه قابل الأسد على مدى ساعة في 28 فبراير 2011، وعرض عليه خطة سلام مع إسرائيل، كان هوف عمل عليها بالتنسيق مع وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، ورئيس حكومة إسرائيل السابق بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك. وافق الأسد على الخطة كاملة، وقال إن مزراع شبعا سورية، وأن لدى الأسد خرائط تثبت ذلك، وأن لبنان سينضم لسوريا بتوقيع السلام مع إسرائيل، وأن زعيم "حزب الله" حسن نصرالله سيتعذر عليه مواصلة "المقاومة" بدون دمشق. كما حمّل الأسد هوف سلامه إلى أوباما.

تفاجئ هوف وقال إن الإيجابية وصلت إلى حد أن الخطوة التالية كانت تقضي بإجراء مفاوضات بين وفدي سوريا وإسرائيل في مدينة أوروبية شرقية مطلع شهر أبريل 2011. لكن قمع الأسد الدموي للمتظاهرين السوريين علّق المفاوضات وقضى عليها بالكامل. ويتحسّر هوف ماذا كان الوضع سيكون عليه لو لم تندلع الثورة السورية ولو تم فعليا توقيع السلام بين الأسد وإسرائيل، وهنا فعليا خطأ هوف في فهم نموذج حكم الأسد.

لطالما استخدم رئيس سوريا الراحل والد بشار، حافظ الأسد، إسرائيل والسلام معها كأداة، لا كهدف، أداة كان يلوح لها بالسلام عند الشعور بالضعف، إن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ووقوف أميركا كقوة عالمية منفردة في 1991، أو عندما أراد حافظ توريث بشار وضمان موافقة الغرب. في المرتين، أقترب الأسد كثيرا من السلام، ليتراجع عنه بعدم تمر لحظة الضعف هذه.

بشار التزم نموذج أبيه. بعد اغتيال الحريري في 2005 ومعاناته من عزلة دولية، لجأ إلى محادثات سلام مع إسرائيل في تركيا عام 2008. الدبلوماسي المحنك جيفري فيلتمان قال يوما في معهد هدسون إن تلك المفاوضات هي التي فتحت الباب لبشار الأسد للخروج من عزلته. ثم بعد خروجه، تراجع الأسد عن السلام، معللا ذلك باندلاع مواجهات عسكرية بين إسرائيل وحماس في غزة.

في آواخر العام 2010، أحرق بائع الخضار التونسي محمد بوعزيزي نفسه من الفقر، فأطلق شرارة الربيع العربي، وانهار في يناير 2011 نظام زين العابدين بن علي بعد عقود على حكمه بالحديد والنار، وانهار في 11 فبراير نظام المصري حسني مبارك. أحسّ الأسد بالنار فاستقبل هوف في 28 فبراير، ووافق على خطة السلام كاملة وبدون شروط ووعد بسلام إسرائيلي مع لبنان فوق ذلك. هدف الأسد من وعود السلام تلك هي إطلاق أميركا والغرب يده في قمع الثورة السورية. طبعا لم تجر الرياح كما يشتهي الأسد إذ جاء ثمن قمعه عقوبات أميركية ودولية عليه هي الأقسى.

لم يعرف هوف، لا في 2011 ولا اليوم، أن الأسد حاول استخدامه والسلام كأداة لمواجهة "الربيع العربي" الزاحف على دمشق.

بعيدا عن خطأ هوف الفعلي وانخداعه بوعود الأسد الزائفة لسلام سوري مع إسرائيل، يحفل كتابه بصور مثيرة للاهتمام من داخل أروقة القرار، مثل أن نائب مستشار الأمن القومي توماس دونيلن كان يسمي الأسد ومساعديه "مهابيل"، وأن انطباع مبعوث السلام جورج ميتشل بعد لقائه الأسد في 2009 أن الأخير بدا متوترا وثرثارا، وكرر أقواله واحتكر 80 إلى 90 في المئة من الحديث. 

وقال هوف إن الأسد أبلغه أنه طلب من نظيره اللبناني الاستعداد لتوقيع سلام مع إسرائيل، وأن الأسد قال إن نصرالله سيمتثل للسلام السوري اللبناني مع إسرائيل لأن "نصرالله عربي وليس فارسيا". 

لكن الكتاب أظهر أن الإسرائيليين أكثر معرفة وواقعية بنظام الأسد، إذ شكك نتانياهو بقدرة الأسد على إجبار نصرالله على توقيع سلام مع إسرائيل. وفي جلسة لاحقة، بعدما أكد هوف موافقة الأسد على كل بنود الوثيقة التي تم التوصل إليها لسلام سوري مع إسرائيل، أبدى نتانياهو استعداده لانسحاب كامل من الجولان حتى خط الرابع من حزيران 1967، وحثّ هوف أن يطلب من أوباما أن يتصل بالأسد هاتفيا لضمان توقيع السلام (وهذا بالضبط ما كان يريده الأسد، عطف دولي يغطي على دمويته في قمع السوريين).

كتاب هوف رحلة سريعة في سلام يراهن عليه الأميركيون ويعرف الإسرائيليون أن عائلة الأسد لا تريده بل تعتاش على الصراع المفتوح مع إسرائيل، كما على التلويح الدائم بالسلام معها.

قبل الختام، لا يسع القارئ إلا أن يلاحظ مرارة هوف من أوباما وأسلوب حكمه وتعاطيه مع الموضوع السوري، فهوف يمتعض أن كل خطوة قام بها دبلوماسيون مخضرمون في الخارجية كانت ملزمة أن تمر أمام عشرات من العاملين في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، والذي كان يعج بحديثي السن والمتعدي على مهنة الشؤون الدولية. يلمّح هوف أنه صدّق أوباما أولا ثم اكتشف مع الوقت أن الرئيس السابق كان أكثر اهتماما بصورته وشعبيته منه في مساعدة السوريين أو إنقاذهم من مخالب الأسد ونظامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق