الثلاثاء، 19 يوليو 2022

السعودية وقطر والتطبيع مع إسرائيل بلا سلام

حسين عبدالحسين

لخّص الوزير السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير قرار بلاده فتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية بالقول إن السعودية، بحكم موقعها الجغرافي بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، هي مفترق طرق عالمي، وأن اتفاقية شيكاغو للطيران المدني للعام 1944 تفرض على الدول فتح أجوائها لكل الدول الأخرى، حتى التي لا تتمتع بعلاقات دبلوماسية معها.

وتابع الوزير السعودي أن فتح أبواب بلاده لكل الدول — بما فيها إسرائيل من دون أن يذكرها — لن يقتصر على المجال الجوي، بل سيشمل أيضا مرافئ السعودية، لافتا إلى أن 14 في المئة من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر.

وقال الجبير إن السعودية سترحب برياضيين من كل الدول في البطولات الدولية التي ستستضيفها، في إشارة ضمنية إلى إمكانية مشاركة رياضيين إسرائيليين في مسابقات رياضية في السعودية.

في السياق نفسه، قال الجبير إن بلاده لن توقع سلاما مع إسرائيل قبل تحقيق حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مع حل عادل للاجئين (لا يعني عودة العرب إلى الدولة اليهودية).

على عكس الأنظار العربية والعالمية المسلّطة على موقف السعودية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تعد القضية الفلسطينية في رأس قائمة الأولويات السعودية، وذلك لأن السعودية بقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان قامت بتعديلات جذرية طالت رؤية السعودية لنفسها.

على عكس العقود الماضية، لم تعد المملكة تتصور نفسها الدولة التي تقود العالم العربي أو الإسلامي، ولا هي منخرطة مع صراع على زعامة العرب، مثل الذي خاضتها مع مصر عبدالناصر في الخمسينات والستينات، ولا في سباق على قيادة العالم الإسلامي، كالذي خاضته مع إيران في الثمانينات والتسعينات.

أولوية السعودية اليوم هي السعودية أولا وأخيرا، وهو ما يعني تحويل الاقتصاد السعودي من ريعي يعتمد على عائدات النفط إلى خدماتي يعتمد على الموارد البشرية والمعرفة. والاقتصاد الخدماتي يشبه نموذج "نمور آسيا" وفي وقت لاحق الإمارات والبحرين وتركيا، وهو نموذج يجعل من السعودية عاصمة الإقليم المالية والاقتصادية والسياحية والرياضية.

أي أن السعودية تعمل على بناء وتنمية كل القطاعات غير النفطية، بما في ذلك قطاع الترانزيت، أي جباية رسوم مرور طائرات وسفن دول أجنبية، إسرائيل أو غيرها، واستقبال سيّاح من كل سكان المعمورة، بمن فيهم الإسرائيليون، رياضيون مشاركون في بطولات دولية أو رجال أعمال ومسؤولين في الشركات المتعددة الجنسيات.

أما الفارق بين الإمارات والبحرين وتركيا، من ناحية، والسعودية وقطر، من ناحية ثانية، فهو أن أبوظبي والمنامة وأنقرة تتمتعان باتفاقيات سلام وعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيما الرياض والدوحة تربطان علاقتيهما الدبلوماسية مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية. وسبق لقطر أن استضافت بطولات رياضية مختلفة شارك فيها متسابقون إسرائيليون وتم عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في الدوحة. كذلك تستعد قطر لاستقبال إسرائيليين سيشاهدون مباريات كأس العالم لكرة القدم المقرر إقامتها في قطر في نوفمبر المقبل. 

وعلى الرغم من الحملة الإعلامية التي تشنها الشبكات الإعلامية القطرية ضد إسرائيل، إلا أن التنسيق الاستخباراتي بين الاثنين قائم، ويتضمن سماح الدولة العبرية للدوحة بتقديم مئات ملايين الدولارات لتنظيم حماس في غزة لأسباب لا مجال لشرحها هنا. 

لكن على عكس قطر، التي تسعى لموائمة متطلبات الحفاظ على اقتصاد منفتح على العالم (بما في ذلك إسرائيل) مع قيامها بلعب أدوارا قيادية إقليمية وحول العالم، لا تسعى السعودية لأي أدوار إقليمية أو عالمية إلا التي تخدم المصالح السعودية، فالانخراط في الاقتصاد العالمي يتطلب "تصفير المشاكل" مع دول العالم، وهي السياسة التي أتقنتها تركيا، التي مدّت السجاد الأحمر للرئيس الإسرائيلي في مارس فيما تشارك هذا الشهر في قمة تجمعها مع رئيسي روسيا وإيران في طهران. 

أما غالبية الفلسطينيين، فلا يتغيرون منذ وعد بلفور، ومن بعده النكبة، فالنكسة، فالانتفاضتان، فالانهيار الشامل الذي يعيشونه اليوم. على عكس السعوديين والإماراتيين والقطريين والأتراك، يعلي هؤلاء الفلسطينيون مشاعرهم على مصالحهم، إذ هم لا يهتمون لما بين أيديهم من أراض فيسعون لإدارتها وتطويرها والإفادة من مواردهم البشرية الهائلة، ولا هم أقاموا دولة في سنوات سيطرة العرب على أراضي 1967، بل هم انهمكوا دائما في ما ليس بين أيديهم، أي فيما انتزعه الإسرائيليون منهم. 

لذلك، يعيش عدد من الفلسطينيين في التاريخ، ماضين غالبا في عبادة رئيس مصر الشعبوي الراحل جمال عبدالناصر، الذي دمّر كل ما طالته يداه، إن مصر واقتصادها، أو فلسطين أو اليمن، أو علاقة مصر بالغرب — خصوصا الولايات المتحدة. 

والمفارقة أنه يندر أن يعرب هؤلاء الفلسطينيون عن غضب أو كراهية تجاه الأتراك، الذين يتمتعون باتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ عقود، ربما بسبب عواطف يحركها الماضي العثماني الذي يتخيلونه مجيدا. في الوقت نفسه، يتمسك هؤلاء الفلسطينيون بغضبهم على السعوديين وشعوب الخليج بغض النظر عمّا يفعله هؤلاء، إن موّل الخليج الميليشيات الفلسطينية واللاجئين أو لم يموّل، وإن التزمت السعودية حل الدولتين كشرط لإعلان سلام مع إسرائيل أو لم تلتزمه.

وربما في عداء هؤلاء الفلسطينيين للسعودية وعموم الخليج ما هو أعمق من القضية الفلسطينية، إذ يبدي عدد كبير من المشرقيين (فلسطينيين وسوريين ولبنانيين) عجرفة واستعلاء على الخليجيين، ويتهمونهم بأنهم من البدو الأقل حضارة، وأن الثروة النفطية لا تليق بهم، وأن المشرقيين هم من بنوا الخليج، إلى ما هنالك من عنصرية لا تحمل جميلا للخليجيين الذي آوت ثرواتهم النفطية مئات آلاف العائلات الفلسطينية واللبنانية والسورية والأردنية والمصرية وغيرها. 

السعودية ماضية في تطبيع مع إسرائيل يخدم مصالح المملكة، مع أو بدون اتفاقية سلام مع الدولة العبرية، والسعي للمصالح هو حجر أساس الدول المتقدمة، لعلّ وعسّى أن يدرك المشرقيون يوما — في فلسطين ولبنان وسوريا ومعهم العراق — أن البكاء على أطلال فلسطين لم يعد استراتيجية تطعم خبزا، وأن العالم يسير قدما بدونهم، وأن في مصلحتهم اللحاق في هذا العالم والانخراط فيه بدلا من النحيب المكرر والممل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق