الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

البؤس العربي في "إعلان الجزائر"

حسين عبدالحسين

قدم البيان الختامي لقمة جامعة الدول العربية، المنعقدة في الجزائر، الأسبوع الماضي، لمحة عن الأمراض العربية المزمنة، والفشل في الرؤية والموقف والأخلاق، وانعدام القدرة على الحكم أو على تصور مستقبل أفضل للعرب في دولهم.

تستثنى من الفشل دول عربية تقدم نجاحات باهرة، مثل الخليجية منها، فيما يعكس البيان انحطاط الأعضاء الآخرين ممن يفرضون آراءهم البائسة على بيانات هذه المنظمة الإقليمية.

على عادتهم، حاول بعض القادة العرب إخفاء فشلهم في الحكم بالحديث عن الشؤون الدولية والإقليمية، فتصوروا أنفسهم طليعيين ساعين للتحرر من قوى الاستعمار والإمبريالية في عالم ولّى منذ عقود.

أما البطولة العربية، فيبدو أنها تكمن اليوم في رفض عالم ذي قطب واحد، أي رفض القوة الأميركية، والمطالبة بعالم متعدد الأقطاب، وكأن الكويت كان لها من يحررها من احتلال العراقي الراحل، صدام حسين، غير القوة الأميركية، وهي القوة ذاتها التي أوقفت مجازر صدام ضد شيعة الجنوب وكرد الشمال. أو كأن أقطاب العالم، لا قوة أميركا، هي التي انتزعت ترسانة بشار الأسد الكيماوية منه بعدما استخدمها ضد السوريين، أو كأن أقطاب العالم هم من رعوا قيام سلطة فلسطينية واعتراف العالم بها. 

ورفض "إعلان الجزائر" لعالم تقوده الولايات المتحدة والغرب هو عنوان سبق أن رفعه الإسلام السياسي في سنوات "الربيع العربي"، التي أمسك بها الاسلامويون بالحكومات، مثل الرئيس المصري، محمد مرسي، الذي سعى لضم مصر إلى "مجموعة بريكس"، وهي مجموعة أظهرت الأيام منذ ذلك الحين فشلها الذريع، حتى في موضوع إقامة مصرف دولي ونقد موحّد.

مؤسفٌ أن تقرر الجامعة العربية أن تذهب إلى الحج والناس عائدة، فترفع شعار عالم متعدد الأقطاب في وقت انتهت الفورة الاقتصادية الصينية، وبان زيف الدعاية الروسية حول قوتها العسكرية المزعومة، التي فشلت في التغلب على جارتها الضعيفة، أوكرانيا.

على أن الفشل الأخلاقي العربي الأكبر يكمن في التناقض الصارخ في دعوة "إعلان الجزائر" المجتمع الدولي إلى فرض إقامة دولة فلسطينية، حسب المؤتمرين العرب، من باب المنطق والإنسانية المجرّدة. لكن هذه الإنسانية، التي يطالب بها العرب في فلسطين، تتبخر في الموقف العربي حول أوكرانيا، فيتبنى "إعلان الجزائر" سياسة عدم انحياز في حرب روسيا على الأوكرانيين. 

هناك، في موسكو، دكتاتور يتماهى معه بعض القادة العرب ويرون فيه أداة مفيدة لمناكفة القوة الأميركية، لذا، لا يريد هؤلاء القادة إغضاب طاغية روسيا، فلاديمير بوتين، فيقفون، والإنسانية التي يطالبون العالم بتطبيقها في فلسطين، على الحياد في أوكرانيا، التي اجتاحها بوتين وارتكب مجازر بسكانها، ويرتكب بحقها جرائم حرب باستهداف البنية التحتية المدنية. 

وفي العالم متعدد القطبية الذي ينشده الزعماء العرب، لا يتلفظ "إعلان الجزائر" بكلمة إيران ولا مرة واحدة. قبل أقل من عام، ضربت الدرونات الإيرانية المفخخة أهدافا مدنية وبنية تحتية نفطية في الإمارات والسعودية. وعلى مدى الأعوام الماضية، قامت إيران وميليشياتها بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات في لبنان والعراق، ودمرت اليمن. مع ذلك، لا ترد كلمة عن إيران في "قمامة" الجزائر.

ويقدم "إعلان الجزائر" كمية هائلة من التناقضات في الخطاب الخشبي العربي المعروف حول فلسطين. من ناحية، يتواصل التناقض في طرح حل دولتين ذات سيادة، فلسطين إلى جانب إسرائيل، وفي نفس الوقت التغاضي عن سيادة إسرائيل وإجبارها على السماح بعودة ملايين الفلسطينيين إليها.

من ناحية ثانية، يوصي "إعلان الجزائر" بإتمام المصالحة الفلسطينية بين سلطة محمود عباس وحماس. لكن حماس لا تقبل حل الدولتين، بل هي توافق على دولة فلسطينية وهدنة مع كيان ترفض الاعتراف به وتعد بمواصلة السعي على تدميره.

هكذا، تحت بند واحد للقضية الفلسطينية، تقدم الجامعة العربية ثلاث أو أربع أفكار متضاربة، تناقض واحدة الأخرى، ثم تدعو العالم لدعم هذا التخبط العربي وملاحقة الإسرائيليين أمام القضاء الدولي، وهذا كله في سياق الدعوة إلى سلام مع إسرائيل.

ثم يجود "إعلان الجزائر" بحديثه عن العدالة، لكنها ليست عدالةً داخل الدول العربية تحاسب زمر الفساد الحاكمة في بعض الدول والميليشيات العنيفة التي عاثت قتلا ودمارا في البلاد والعباد، بل هي عدالة مبنية على "المساواة السيادية".

و"المساواة السيادية"، أيها السيدات والسادة، تعني أن بعض الدول العربية ترغب في أن تواصل عيشها في العفن الذي تعيش فيه، مثل السلطة الفلسطينية الغارقة في الفساد المدقع، أو الحكومة التونسية التي قدمت دستورا ضحلا لا عمق فيه ولا رؤية، أو الدول المنهارة كاليمن وليبيا، والمتلاشية كلبنان. "المساواة السيادية" هنا تعني ألا تطالب الدول الغربية بوقف الفساد وبناء دول ليبرالية فعلية، وإن غير ديمقراطية، تمنح المواطنين أمنا وأمانا، وعيشا متساويا تحت ظلّ قانون عاقل وقضاء راشد. 

منذ تأسيسها قبل قرابة 70 عاما، لم تكتسب جامعة الدول العربية احترام الشعوب العربية، بل لطالما كانت مصدرا للاستهزاء العربي، فصدرت فكاهات بحقها، من قبيل "اتفق العرب ألا يتفقوا". كذلك تناقلت ألسن العرب حادثة قيام صدّام بضرب طاغية سوريا الراحل، حافظ الأسد، بصحن سجائر، ويتذكر العرب غالبا تلك المواجهة الفكاهية التي اعتدى فيها نائب رئيس العراق، عزّت الدوري، كلاميا على وفد خليجي وقال لأفراده: "يلعن أبو شواربك، أنت أمام العراق العظيم".

الجامعة العربية كمسرح للتندر والفكاهة، بوجود شخصيات رحلت مثل طاغية ليبيا الراحل، معمر القذافي، كانت أكثر فائدة بكثير من جامعة اليوم، التي تتذاكى بألعابها الكلامية والتي يشكر بيانها رئيس الجزائر، عبدالمجيد تبّون، مرتين أو ثلاثة، وكأن الرجل صاحب إنجازات تجعله في مصاف ونستون تشرشل. 

ثم يقولون لك "إعلان الجزائر" يسعى لخلق "فضاءات لتبادل الأفكار والنقاش المثمر والحوار البناء بهدف توحيد الجهود لرفع التحديات المطروحة"، إلى آخره من بيانات صف الكلام والخرافة العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق